جبريل ومناوي وسوء الخاتمة
إسماعيل عبد الله
من المدهش حقاً ، وبامتياز ، خضوع المغتصب (بفتح الصاد) للمغتصب (بكسرها) ، وتفضيله العيش تحت سقف واحد معه ، رغم ما يتلقاه من إذلال وقهر وامتهان للكرامة الآدمية ، ودوس للشرف ، ومهما تصور الناس وصول رئيسي العدل والمساواة وتحرير السودان للوضع المهين ، الذي جعلهم رهن إشارة الجنرالات الذين قصفوا عشائرهم في “كرنوي” و”ام برو” و”الطينة”، ببراميل التدمير القاتلة والسّامّة ، لا يمكن لأحد أن يتخيل سقوطهما في هذا القاع السحيق للانحطاط القيمي والأخلاقي ، الذي لم يكن يوماً شيمة من شيم الراحلين خليل إبراهيم وعبد الله أبكر ، وأظن أن الراحلين قد تململا تحت تربة قبريهما ، وهما يسمعان خبر ردة جنودهما وقتالهم دفاعاً عن ملك من ارتكب بحق مجتمعاتهم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ، ولا يمكن لكائن من كان أن يستوعب مصافحة جبريل لأيدي من اغتالوا خليل ، ولا منادمة مناوي لمن هدّوا البنيان فوق رؤوس المرضى والمسنين من عشيرته باستراحة حي المهندسين ، لقد ذهل الناس من هول الصدمة جراء خروج الرجلين من الحياد ، وانضوائهما تحت لواء فلول النظام البائد ، هل هو المال الحرام الملوث بدماء الأبرياء؟ ، أم أنها متلازمة استوكهولم؟، أم سلوك دجاجة ستالين؟ ، إنّ الدماء التي سالت بالفاشر وصحارى شمال دارفور ، مسؤول عنها هذا الثنائي الدموي ، وعلى أهل دارفور البصم بالعشرة على شهادة انتحارهما سياسياً واجتماعياً ، لاتخذاهما قرار التضامن مع قادة الجيش الذي اختطفه الاخوان المسلمون ، ومساندته في ارتكاب المزيد من جرائم الحرب بمدن “الفاشر” و”نيالا” و”مليط” و”الكومة” و”كتم” و”كباكابية” ، فهذان الرجلان يجب أن لا يسمح لهما شعب دارفور ، بلعب أي دور في الشأن الحكومي ، بل الواجب تقديمهما لمحاكمات عادلة ، على خلفية جرائمهما ضد الإنسانية ، وتآمرهما بحق السودان عامة ودارفور بصفة الخصوص ، فعلى مستوى جهاز الدولة الأعلى تآمرا على ثورة ديسمبر ودعما انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر تحالف “الموز”.
بعد المهلة التي أعلنتها قيادة قوات الدعم السريع ، والخاصة بإمهال قوات الرجلين يومين للخروج الآمن من الفاشر ، واستجابة أعداد لا يستهان بها من الجنود والقادة المجبورين على القتال ، يكون أميرا حرب الفاشر قد أنهيا حياتيهما السياسية بسوء الخاتمة، وسجلا موقفاً مخزياً لن ينساه تاريخ السودان الحديث ، فلم يشهد السودان ولا دارفور مثليهما على الاطلاق ، في الدموية وحب الذات والأنانية والتآمر والعمل بإصرار على تدمير المجتمعات التي أتوا منها ، وإنّه لمن سخريات الأقدار أن يلجا كلاهما لدواوين الحكم ليذيقا الناس سوء العذاب ، وقد أثبتا بياناً عملياً أن تمردهما في الماضي لم يكن من أجل المهمشين ، وإنّما كان لدنيا قد أصاباها أخيراً ، فرأينا بأم عيننا كيف سكنا القصور الفارهة ، وأين أقاما حفلات البذخ لذوي قرباهما ، بمستويات مترفة مثل احتفالات نجوم المجتمع الأمريكي ، ومن الصدمات الجارحة التي تلقاها مجتمع دارفور سليل السلطنة العظيمة ، أن جاء الزمان بأخره وتسيد مجلس السلطان بالفاشر ، رجل أهان سكان المدينة الفاضلة حينما اتهمهم بسرقة حذائه ، (رجل) وثقت له كاميرات الفنادق ذات الأنجم الخمس بعواصم الشرق الأوسط ، أوضاع خاصة لا تمت لأخلاق أهل دارفور بصلة ، فأصبح حاله يجسده مثل من دارفور (الفقيه يلد خطيئته) ، يُضرب هذا المثل حينما يبتلي الفقيه بابن عاق أو ابنة ناشزة ، فدارفور قد انجبت خطيئتها بولوج هذين (الرجلين) سوح الحياة العامة ، من بوابتها الشريفة المودعة للمحمل المسافر لكسوة الكعبة ، فتاجرا بشرفها الأصيل وحسن سيرتها النبيلة ، ومن المؤكد أن دار السلام (دارفور) سيعمها السلام ، بعد أن تغتسل من خطيئتها ، وبعد أن ترسل ابنيها العاقين هذين إلى مكب نفايات التاريخ ، فقد رفعت أقلام فقهاء دارفور وجفت صحفهم بمكتوب دائم يقول لا مكان بيننا للمتاجرين بدمائنا.
دائماً ما أضرب المثال بالحركة الشعبية لتحرير السودان ومؤسسها الدكتور جون قرنق ، وانجازها لمشروعها الذي أفضى لدولة عملت على حماية الجنوبيين من القتل المجاني ، في ظرف عشرين عاماً ، وهنا الفت الانتباه لشعب دارفور الذي ساقه اميرا الحرب هذان لأكثر من عشرين عاما ، فأورثاه حصاداً مرّاً مرارة الحرمان ، وذل لجوء الملايين من البؤساء ، ونزوح الآلاف ، واغتصاب المئات من النساء ، وازدياد اعداد الفاقد التربوي ، وانقسام المجتمع قبلياً، فالجنوبيون رغم خلافاتهم البينية إلّا أنهم في آخر مطافهم أسسوا لدولة ذات سيادة ، بفضل مشروع الحركة الشعبية ومصداقية ووفاء قائدها الملهم ، وأصبحت ديارهم ملجأ لأهل دارفور بعد أن فتكت بهم آلة مركز الموت والدمار ، فعفا الجنوبي عن ابن دارفور الذي كان عبــــداً طائعاً لتنفيذ أوامر جنرالات المركز ، ومساعداً ماهراً في طهي حلة (صانع الكباب) من لحوم المهمشين والمقهورين ، وعلى ذات درب الجنوب ستتعافى دارفور قريباً من مرض تحالف حملة الاباريق وصنّاع الكباب ، ويبدو أن السودانيين عامة سيلوذون بالفرار إلى دارفور ، بعد أن يطأ المستعمر الجديد أرض النهر ، وسيفيق إخوتنا الذين استلبت ارادتهم الوطنية من غيبوبتهم ، إذا ما تمكن الغزاة الطامعين لا سمح الله من رقاب المهللين للغزو والمرحبين بالغزاة ، فالورقة الأخيرة التي أصبح يراهن عليها الاخوان المسلمين وكتائبهم الإرهابية الناحرة والذابحة لمواطني ولاية الجزيرة ، هي جعل البلاد مستنقع للإرهاب الدولي ، ومخزن للأسلحة السامة المرسلة من أصحاب العمائم السوداء ، فالمعركة التي يخوضها الأشاوس اليوم هي ملحمة وطنية فاصلة بين عملاء المستعمر والوطنيين الشرفاء.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة