خطوة ملحة أم مبادرة شكلية؟.. لوحات التشوير بالأمازيغية تثير نقاش الأولوية
بدا واضحا عزم وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة على مضاعفة عدد اللوحات وعلامات التشوير بالإدارات العمومية التي تتضمن اللغة الأمازيغية، إذ أكدت أنها بصدد كتابة تيفيناغ على أزيد من ألف منها، غير أن هذا الإجراء رغم أنه يكرس “مكسبا” للغة رسمية للمملكة، إلا أن الإعلان عنه لم يمر دون أن يثير نقاشا بين باحثين ومواطنين بشأن “مدى أولويته في ظل تعثر أوراش مهمة لتفعيل الطابع الرسمي لتمازيغت، أبرزها تعميم التدريس”.
وما إن أعلنت الوزيرة الوصية، أمل الفلاح السغروشني، الاثنين بمجلس النواب، عن الإجراء المذكور، مع تذكيرها بأنه “تمت كتابة تيفيناغ على حوالي ثلاثة آلاف لوحة وعلامة تشوير موزعة على 7 إدارات”، حتى صدرت عن مواطنين تعليقات متباينة بشأن هذا القرار، إذ اعتبره معلق بأنه “غير ذي أولوية”، متسائلا عن “الفائدة من تنصيب تلك العلامات مع العلم أن ما يزيد عن 90% من الأمازيغيين أنفسهم (وأنا من بينهم) لا يعرفون قراءة ولا كتابة حروف تفيناغ”.
بينما كتب معلق آخر أن “الأمازيغية لا تحتاج الترجمة..الأمازيغية يجب أن نتعامل معها كلغة وليس كترجمة”، معتبرا أن “الأمازيغية استعمالها في الإعلام والمؤسسات والحملات الانتخابية وفي مقررات الاجتماعيات والعلوم… والقضاء الخ الخ، وليس في المواقع الإلكترونية والبلايك”، فيما كتب آخر: “الأمازيغية لغة وطنية رسمية، وهذا ليس إنجازا بل واجب..حدثونا عن المنجزات؟؟؟”.
ورغم أن باحثين في قضايا الأمازيغية أكدوا تفاعلا مع هذا النقاش أهمية “تضمن لوحات وعلامات التشوير اللغة الأمازيغية في عكس الهوية الأمازيغية للمغرب”، إلا أنهم اعتبروا أن “تعميمها إجراء شكلي لا يلغي كون تعميم تدريس اللغة الأمازيغية المعيارية أساسا بالمؤسسات التعليمية ينبغي أن يحتل صدارة الأولويات في تفعيل الطابع الرسمي لتمازيغت”، مؤكدين “وجوب تولي الجماعات الترابية إنجاز هذه اللوحات، على أساس أن تصرف أموال ‘صندوق الأمازيغية’ في إجراءات ذات آثر ملموس على الأخيرة”.
“إجراء ينقصه التثمين”
متفاعلا مع الموضوع، قال محمد الشامي، جامعي باحث في الشأن الأمازيغي، إن “القانون التنظيمي رقم 26.16 ألح على تعميم الأمازيغية في ميادين عامة ذات أولوية، على رأسها التعليم”، مضيفا أنه “في ظل غياب برنامج واضح لتعميم تدريس الأمازيغية، لا يمكن لجميع الخطوات والإجراءات أن تحقق النفع المرجو منها على تمازيغت”.
وشرح الشامي، في تصريح لهسبريس، أن “تعميم تمازيغت بعلامات ولوحات التشوير داخل الإدارات العمومية، أمر مهم بطبيعة الحال، إذ يعكس الهوية الأمازيغية بالمغرب ويبعث على الافتخار، مثلما نجد في دول متقدمة، كالصين مثلا، اللغة المحلية حاضرة، رغم أنها تستعمل في تعاملاتها الاقتصادية والسياسية إلخ لغات أخرى”، مستدركا بأنه “يجب تجاوز الافتخار بالتعميم الشكلي للأمازيغية إلى العمل على تفعيل تيفيناغ على أرض الواقع، وجعل الشباب المغربي متمكنا من الأمازيغية المعيارية”.
وذكر الجامعي نفسه أن “الهدف في حد ذاته ليس في كتابة تيفيناغ على علامات ولوحات التشورير، بل في تعميم قراءته والتمكن منه، إذ ثمة رؤساء جماعات بدورهم غير قادرين على قراءة الحرف الأمازيغي، ما يفرض توسيع تكوين أطر المؤسسات العمومية في اللغة المعيارية أساسا، قبل إدراج الأمازيغية في العلامات المذكورة”.
وتابع بأن “ما يلمس هو غياب الجدية في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية ولا إيمان بكون قضية الأخيرة ديمقراطية، حيث يضطر أساتذة اللغة الأمازيغية، على سبيل المثال، إلى التدريس في ثلاث مؤسسات، وأحيانا خارج تخصصاتهم، بمعنى أن التعميم بحد ذاته يتضمن إشكالات”، مبرزا أن “الإعلام كذلك يدفع بكونه يستعمل المعيارية، إلا أنه على أرض الواقع يكرس استعمال اللهجات المحلية”.
وشدد الشامي على أنه “حين تخريج شباب متمكنين من اللغة المعيارية، آنذاك يمكن الحديث عن تعميم الأمازيغية بالإدارات العمومية ومختلف القطاعات الحكومية”.
“مكسب شكلي.. وبدائل”
من جانبه، أكد عبد الله بادو، فاعل تربوي باحث في قضايا الأمازيغية، أن “استعمال اللغة الأمازيغية في الإدارات والمرافق العمومية يعتبر مكسبا”، مستدركا بأن “ما تعلن عنه الحكومة بخصوص تفعيلها مضامين القانون التنظيمي، بين افتقارها لتصور واضح لهذا التفعيل، حيث إنها لا تعير أهمية لآجال تنزيل المقتضيات، وعلى سبيل المثال تعميم تدريس الأمازيغية انقضى أجله القانوني ولم تتجاوز نسبة هذا التدريس 20 في المئة”.
وأبرز بادو، في تصريح لهسبريس، أن “صندوق تحديث الإدارة العمومية ودعم الانتقال الرقمي واستعمال الأمازيغية جرى حصره من خلال التسمية في توظيف الأمازيغية، لا تفعيل طابعها الرسمي”، ولذلك “ثمة أولوية حكومية لتعميم الأمازيغية بعلامات التشوير والمرافق العمومية، فيما تغيب الإجراءات والتدابير المهمة جدا كتطوير الإعلام الأمازيغي”.
واعتبر الباحث ذاته أن “الحكومة تتجاهل الإجراءات الكبرى المهمة المرتقب أن يكون لها أثر كبير وواضح على مستوى تطوير الأمازيغية والنهوض بها، وتتخذ أخرى شكلية لا تكلف الدولة شيئا”، مؤكدا أن “هذه الأخيرة لا تساهم في تطوير نسب مستعملي تمازيغت أو المتحدثين بها؛ ففي نهاية المطاف نسبة الذين يقرؤون تيفيناغ لا تتجاوز 1.5 في المئة”.
وأوضح المتحدث أن “إدراج الأمازيغية في علامات التشوير من الممكن أن تتكلف به الجماعات الترابية، ولا يحتاج هدر المال العام”، مردفا بأنه “كان يتعين أن تترك الأموال التي تصرفها الوزارة لهذا الغرض إلى مجالات أخرى مهمة بالنسبة للإدارة العمومية، كتطوير استعمال اللغة الأمازيغية في المواقع الرسمية”.
وزاد أن “عدد اللوحات أصلا ضئيل، وباستحضار كون عدد الجماعات في المغرب 15 ألفا، فإننا نصبح أمام لوحتين تقريبا في كل جماعة”.
وانتقد الباحث في قضايا الأمازيغية “كون الصندوق المذكور لا يقدم برنامج عمل أو حصيلته السنوية رغم خروج مرسومه منذ سنتين، ما يجعل مسار الأموال التي خصصت له غير واضح، فيما يتم عقد شراكات جديدة بشأن ورش تعميم الأمازيغية دون تقييم الشراكات السابقة في هذا الصدد على مستوى التزام القطاعات الحكومية بتفعيل تمازيغت”.
المصدر: هسبريس