اخبار السودان

في ذكراه ال(٤٠) : كنت شاهد عيان وحاضرآ اعدام الاستاذ محمود محمد طه

بكري الصائغ

 

الباب الاول : اليوم ، السبت 18/ يناير الحالي ٢٠٢٥م ، تمر ذكري اربعين عام علي إعدام الشيخ الراحل محمود محمد طه شنقآ في سجن (كوبر) ، وإحياءآ لذكراه الطيبة اكتب اليوم عن الاحداث التي وقعت في أخر ستة ايام قبل اعدامه ، وما جري فيها من مفارقات وغرائب ، لن اكتب في هذه المقالة عن افكار ومعتقدات الراحل محمود ، فهذه المقالة اليوم مخصصـة فقط لسرد احداث تاريخية هامة وقعت خلال الفترة من (يوم 13ـ وحتي يوم الجمعة 18 يناير ١٩٨٥م) ، واكتبها بعيون شاهد عصر علي اول عملية اعدام في السودان نفذت في شيخ كان وقتها عمره سبعين عامآ !! .

رحلات السودان

الأحـد/ 13/يناير/1985: (أ) وقع الرئيس جعفر النميري علي قرار حكم محكمة ( العدالة الناجزة) التي حاكمت الشيخ محمود ، والقاضي بالأعدام شنقآ علي المرتد (هكذا وردت الكلمة في قرار المحكمة) ، وكانت المحكمة برئاسة المكاشفي طه الكباشي الذي رفع قرار المحكمة للقصر ، وايدها النميري.

 

(ب)ـ بعد تصديق النميري علي الحكم بالاعدام ، كانت اعصابه في غاية التوتر، كان سريع الانفعال ويثور لاتفه الاسباب ، كل ذلك جاء بعد المكالمات الكثيرة التي تلقاها من عدة رؤساء دول وشخصيات دولية كبيرة ناشدته بالأبقاء علي حياة شيخ وصل السبعين عامآ من عمره ، وكان من بين تلك الشخصيات الرئيس المصري حسني مبارك الذي اكد للنميري ان رؤساء دول أوروبية ومنظمات مصرية قد طلبوا منه ان يتوسط لهم عند الرئيس السوداني لكي يعفو عن شيخ اصلآ ما حمل السلاح ضد النظام في دعواه ، ولاعادي الوضع وعمل علي تقويصه.

 

(ج)ـ كانت اعصاب الرئيس النميري ايضآ في غاية التوتر بسبب الهجوم الضاري عليه من قبل الصحف العربية خاصة والأجنبية بصورة عامة ، والتي كالت الأتهامات عليه بسبب سكوته علي مهزلة محاكمة الشيخ محمود ، وكانت صحف الكويت بصورة خاصة هي الأكثر هجوم وضراوة علي النميري ونظامه ، بل وصل الحال الي ان صحفي كويتي كتب في صحيفة كويتية ان يشك في سلامة عقل النميري!! ، وان هذا الرئيس السودان حتمآ (مخبول) ويعاني من نقص حاد في عقله!! .

 

(د)ـ بعد صدور قرار المحكمة بالاعدام والتصديق عليه من النميري ، وقبل تنفيذ الحكم بايام ، استقبل الرئيس النميري في قصره بعدد كبير من سفراء دول عربية وأجنبية جاءوا يتوسطون الغاء حكم الأعدام في الشيخ محمود ، الذي تهمته انه قد اعتنق فكر ديني معين وجاهر به ، كل هذه المقابلات مع السفراء والدبلوماسيين الأجانب سببت لنميري احباط كبير ، لانه ما كان يتوقع ان تصل الأمور الي هذا الحد من التدخلات والوساطات الدولية ، كان النميري يظن ان اعدام الشيخ سيكون شآن داخلي ، وسيمر اعدام محمود مرور الكرام ، تمامآ بنفس الشكل كما حدث في عام 1971م عندما اعدم الشيوعيين!! .

 

(هـ)ـ شن الرئيس الليبي معمر القذافي (وقتها) هجوم ضاري علي النميري ، واتهمه بعدة تهم منها انه (النميري) قد فقد السيطرة علي حكم بلاده وسلم مقاليدها لجوقة من المهووسين الدينيين (الهبل) ، لايعرفون الله ولا رسوله ، ولم يكن هجوم القذافي علي النميري حبآ في الشيخ محمود ، وانما كراهية في النميري شخصيآ ، فقد كان وقتها النميري صديق حميم للرئيس حسني مبارك المكروه من الملوك والرؤساء العرب بسبب انه لم يقم بالغاء اتفاقية (كامب دافييد) واصرعلي بقاءها ، كان القذافي يكره ويمقت النميري لانه انحاز للجانب المصري ورفض الوحدة الفورية مع ليبيا.

 

(و)ـ كانت اعصاب الرئيس النميري في غاية التوتر قبل اعدام الشيخ محمود بسبب الجو العام الملئ بالغضب علي حكمه الأسلامي الجديد ، وايضآ بسب السخط الشعبي علي محاكم (العدالة الناجزة) واحكامها البالغة القسوة ، ومما زاد من نرفزته وحدة غضبه كمية التقارير التي وصلته من جهاز الامن القوي وايضآ من أمانات الاتحاد الأشتراكي بالخرطوم والاقاليم عن عدم رضاء الناس لقرار محكمة المكاشفي الخاص باعدام الشيخ محمود.

 

الباب الثانـي: الأثنين 14/ يناير/1985م: حتي يتفادي النميري ما قد سيقع لاحقآ بعد اعدام الشيخ محمود ، ومن ردود الفعل العالمية ضده شخصيآ وضد نظامه الاسلامي ، ومن السخط الشعبي عليه ، صرح النميري وقال ان قرار الأعدام لن ينفذ في محمود ومريده الأخرين ان اعلنوا صراحة وجهرآ بانهم قد تخلوا عن افكارهم المتطرفة .. وانهم قد اخطأوا في حق دينهم.

 

الثلاثاء 15/ يناير/1985م : ما ان جاء تصريح النميري باسقاط العقوبة عن الشيخ محمود ان تخلي عن افكاره، حتي انهالت الزيارات كالمطر الغزير علي الشيخ محمود في زنزانته بسجن (كوبر) من شخصيات لها وزنها السياسي والديني في الخرطوم، وايضآ من شخصيات عملت في مجال التدريس بالجامعات ، ومن كتاب وصحفيين ، راحوا كلهم يستعطفون الشيخ ان يعلن عن توبته والتخلي عن افكاره للحفاظ علي حياته ، راح البعض يؤكدون للشيخ في اصرار شديد ان الأعلان (قسرآ) عن التخلي لايعني نبذ المبدأ الذي سيظل كامنآ في القلوب .. ماكان الشيخ يجادلهم كثيرآ ، مكتفيآ فقط بالابتسامة في وجوه الضيوف والزوار .. وفشلت كل المحاولات لاثناء الشيخ عن تخليه لافكاره معتقداته.

 

الثلاثاء 15/ يناير/1985م: قامت الأمانة العامة لمجلس الوزراء بتوزيع منشور رئاسي صادر منها معنون لكل الوزراء ، ووزراء الدولة ، والوكلاء ، وكبار المسئوليين في جهاز الخدمة المدنية ، ولمحافظ بنك السودان ، والمراجع العام ، ومحافظ مديرية الخرطوم ، وايضآ لوزير الدفاع وكبار القادة العسكريين ، ورؤساء الامانات بالأتحاد الأشتراكي بالخرطوم للحضـور بساحة سجن (كوبر) صباح يوم الجمعة 18 يناير1985م ، الساعة التاسعة صباحآ حضور تنفيذ حكم الاعدام علي المرتد (هكذا وردت الكلمة في المنشور) محمود محمد طه ، وشدد المنشور علي عدم التخلف عن الحضور مهما كانت الاسباب والدوافع.

 

الذين اصروا علي ان يكون تنفيذ حكم الاعدام علنآ وبساحة سجن كوبر ، هم بدرية سليمان ، وعوض الجيد ، ابوقرون ، وهم وراء الا يكون التنفيذ متستر محجوب عن العيون كاعدام عبدالخالق محجوب ، والشفيع احمد الشيخ، وجوزيف قرنق عام 1971م ، وهم ايضآ الذين اصروا علي اهمية حضور قادة الاجهزة المدنية والعسكرية لمكان تنفيذ الحكم!! .

 

الأربعاء 16/ يناير/1985م : الزيارات المكثفة للشيخ محمود في زنزانته ازدادت اكثر حدة عن ما ذي قبل ، جاءوا لزيارته عدد كبير من الوزارء ، وسفراء وقناصل عرب ، وايضآ بعض الصحفيين التابعين لوكالات اجنبية وصحف عالمية ، كلهم حثوا الشيخ واسترجعوه ان (يعقل .. ويهدي بالله)!!، وكان هناك قلة من الصحفيين الذين تنافسوا علي سبق صحفي علي حساب اعدامه!! .

 

الأذاعة في امدرمان ومعها التلفزيون والصحف المحلية مانطقت بكلمة حول السخط والغضب شعبي علي ابوقرون وبدرية وعوض الجيد ، ويعود سبب السخط الي ان المكتب الذي ضم (الثلاثة الكبار) في القصر هو في الاصل الذين ، الغوا تمامآ دور وزارة العدل والقضائية والمحاكم الجنائية والمدنية!!، وانه في ظل حكم بدرية وابوقرون والجيد ماعادت القوانين الوضعية معمول بها ، بل والأسوأ من كل هذا ان جحافل العاملين في وزارة العدل من قضاة وحقوقيين وموظفين وعمال، غدوا كلهم وبلا استثناء…عطالة مقنعة!! .

 

سكتت الصحف المحلية تمامآ عن التعليق والكتابة حول موضوع حكم الأعدام!!، ومن ذا من الصحفيين وكان يستطيع ان يجر ولو سطر واحد يبدي رأيه ، او فيما يجري حوله من قصص عن غرائب (احكام قراقوش) السودانيين؟!!.. فتهمه مخالفة شريعة (بدرية ، وابو قرون ، وعوض الجيد) ممكن ان تكون جريمة كبري يحاكم بموجبها الصحفي ، ويعاقب (علي الطريقة الاسلامية) عقاب اكبر من الجرم!!! .

 

(أ) الخـميس 17/ سبتمبر/1985م: منذ الصباح الباكر وقبل يوم واحد من تنفيذ حكم الاعدام ، بدأت قوات الشرطة بالخرطوم وبحري تحتل مواقعها الهامة المؤدية لسجن (كوبر)، وكان ظاهر للعيان حجم الكثافة الأمنية المضروبة علي مداخل كوبري بحري من الجهتين (شمالآ وجنوبآ)…وكانت عربات (المجروس) التابعة للقوات المسلحة المليئة بالجنود المدججين بالرشاشات علي مقربة من بوابة السجن ، منذ الصباح الباكر وقبل يوم واحد من تنفيذ حكم الاعدام ، بدأت قوات الشرطة بالخرطوم وبحري تحتل مواقعها الهامة المؤدية لسجن (كوبر) ، وكان ظاهر للعيان حجم الكثافة الأمنية المضروبة علي مداخل كوبري بحري من الجهتين (شمالآ وجنوبآ) … وكانت عربات (المجروس) التابعة للقوات المسلحة المليئة بالجنود المدججين بالرشاشات علي مقربة من بوابة السجن.

 

(ب)ـ كل الناس تمنوا من صميم قلوبهم ان يعلن الشيخ محمود وقبل اعدامه غدآ الجمعة التخلي عن افكاره ، ما كان يهم الناس وقتها كثيرآ اي افكار يحملها الشيخ بقدر ما (الحياة حلوة ونعمة من الله وحرام ان يضيع الشيخ عمره في عناد لازم له)!! .

 

الجمعة 18 يناير 1985م :

(أ)ـ قبل تنفيذ حكم الاعدام بنحو ساعتين ، كانت ساحة سجن (كوبر) مكتظة بالحضور ، اغلبهم كانوا من الاسلاميين (جماعة انصار السنة ، الاخوان المسلمين ، طلاب اسلاميين) ، بل حتي دراويش (حمد النيل) جاءوا باباريقهم وسبح اللالبوب واللبس الاخضر!! ، كبار الزوار من أهل السلطة واصحاب المناصب الدستورية احتلوا مقاعدهم الامامية وعلي وجوههم كانت بادية علامات الكسوف وشحوب لون سحناتهم ، فارقت البسمات شفاههم اليابسة ، وكانوا يتبادلون التحايا في خجل شديد ، فقد تورطوا ان يكونوا شهود عيان علي جريمة قتل روح لم تغترف اي جرم.

 

(ب)ـ اكثر الناس كانوا سعادة في هذا اليوم الاغر بالنسبة لهم كانوا الاسلاميين التابعين لحسن الترابي!!، وجماعة (انصار السنة المحمدية)، فهم عندهم هذا اليوم عظيم ، وسيحققون فيه انتصار ، فقد سبق ان اعلنوا من قبل وقالوا : (لو تخلي محمود عن افكاره فهذا انتصار للأسلام … ولو اعدم فقد تخلصنا منه ، وخلت لنا الساحة من بعده)!! .

 

(ج)ـ قبل دخول الزوار لساحة السجن كانت الأجراأت الامنية شديدة وقاسية للحد البعيد ، فلم يكن يسمح بدخول احد ومعه الة تصوير ، او اي نوع من اللأفتات ، تم التفتيش الشخصي بشكل صارم ، رجال الأمن انتشروا وسط الصفوف يراقبون الجميع بعيون كالصقر.

 

(د)ـ كانت منصة الأعدام تتوسط الساحة ، وحولها وقفوا عدد من ضباط مصلحة السجون وعدد اخر من رجال شرطة السجن ، كانوا الضباط الكبار يتحركون بعصبية وقلق ظاهر لم يخفي علي احد.

 

(هـ) ما ان جئ بالسجين محمود وهو مكبل اليدين ، حتي عم المكان صمت رهيب لا تسمع فيه الا انفاس الحاضرين ، صعدوا الضباط به الي المنصة العالية ، راح مدير السجن والمشرف علي عملية الاعدام يتوسل للشيخ قبل تنفيذ الحكم ان يعلن عن تخليه لافكاره ، ولكن الشيخ ما نطق بحرف وكان يجول ببصره في الجمع الموجود تحته وعلي شفتيه ابتسامة كبيرة واضحة.

 

الباب الثالث: الثالث: بدأت مراسم تنفيذ الحكم ، وتم سؤال محمود ان كانت عنده أمنية أخيرة ، قال شيئآ لمدير السجن في اذنه ولا احد عرف حتي الأن ماهي الامنية او الوصيةـ (قد يكون هناك من عرف ماذا قال الشيخ؟!!، ولكنها حتي الان غير معروفة!!) ، لف الحبل حول عنقه ، وانفتحت (الكوة) من تحت رجليه ، وتدلي جسمه الطاهر الي اسفل،. راح مدير السجن ينظر في ساعته لدقائق عدة ، ثم امر بانزال الجثمان وسـط صيحات “الله اكبر ابتهاج الاسلاميين بالحدث”!!، تم الكشف طبيآ علي الجثمان ، وعلي ماأظن ان الذي قام بعملية الكشف هو الطبيب المعروف زكي مصطفي الذي كان يقوم بتنفيذ احكام القطع والقطع من خلاف.

 

الباب الرابع: وقع شيء لم يكن في الحسبان ، فعندما تم لف الحبل حول عنق الراحل محمود ، وانفتحت (الكوة) من تحت رجليه ، وتدلي جسمه الطاهر الي اسفل … وماهي ثواني من هذه اللحظة الرهيبة الا وراح احد اتباع الراحل من الجمهورين ويهتف بصوت عال حزين: {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم} ، وهي جملة لها علاقة بموت المسيح عليه السلام ، وما ان انتهي من جملته التي كانت مسموعة بصوت عالي في ظل الصمت العميق لحظة الأعدام ، حتي تعالت صيحات كثيرة ردت بغضب علي الجمهوري ، وانتشرت موجة من الفوضي بالصفوف الخلفية ، وراحت الاصوات تتعالي (الله اكبر الله اكبر) ، كل هذا حدث والجثمان الطاهر مازال معلقآ!! .

 

وبصدق وأمانة (انا كاتب هذه المقال)، اقول انني كنت بعيدآ عن مكان تجمع الجمهوريين في الساحة ، ولم افهم في البداية سبب الشغب البسيط الذي وقع وانهاه رجال الأمن سريعآ قبل ان تتطور الأمور الي احداث ماسأوية ، فقص علي احد الزملاء الواقعة التي تناولها الناس فيما بعد بالنقد والتحليل، وكيف ان هذه الجملة التي اختيرت بعناية شديدة لتقال وتمامآ بعد ثوان من تدلي جسم الراحل ، كادت ان تسبب مجزرة في ظل فورة الاسلاميين المتعصبين لاعدام الشيخ.

 

الباب الخامس: انتهت (حفلة) بدرية وابوقرون والجيد ، وهرعوا الوزراء وباقي كبار المسؤولين يتسابقون نحو عرباتهم بالخارج وهم في اشد حالات الخجل ، وما رفع احدهم رأسه من الارض!!، بعد الانتهاء من مراسم تنفيد حكم الاعدام ، طلب ضابط كان في سيارة شرطة من خلال مكبر الصوت بالسيارة من الناس التفرق والذهاب لاعمالهم ، وان يخلو سريعآ ساحة السجن ، في نشره اخبار التاسعة مساءآ الرئيسية بالتلفزيون المحلي ، تم بث خبر (تنفيذ حكم الاعدام في الشيخ المرتد محمود محمد طه) باقتضاب شديد!! .

 

الباب السادس: ايـن كان الرئيس النـميري وقت تنفيذ حكم الأعدام؟!! .

الرئيس جعفر النميري لم يكن بين ضيوف حفل بدرية سليمان!!، كان وقتها يتفقد اسواق امدرمان!!، ويعاين احوالها وهي مغلقة والاسواق خالية من الناس بسبب عطلة يوم الجمعة!!، بل والاغرب والعجيب في الأمر، ان نشرة الأخبار في الساعة التاسعة تناولت زيارة النميري للاسواق بامدرمان بصورة اوسع من خبر الأعدام!! .

 

اين اختفي الجثمان؟!! سؤال ظل يردده الناس طوال ذلك اليوم وذلك لان لآحد من اهل المرحوم قد استلمه؟!، والغريب في الأمر ، ان الأجابة علي هذا السؤال لم يعرفه الناس الا بعد انتفاضة 6 ابريل 1985م فقد جاءت الأخبار وافادت ، ان الرئيس النميري قد امر بعدم دفن جثمان الشيخ في اي مكان بالسودان حتي لايكون قبره فيما بعد مزار لمريديه، وانه قد اصدر توجيهاته بالقاء جثمان الشيخ في منتصف البحر الاحمر ، وان القوات الجوية قد قامت بهذه المهمة، وان عبدالرحيم حسين وزير الدفاع الحالي هو من قام بالمهمة وقتها!!، هناك رواية اخري تختلف عن الرواية التي افادت ان جثمان الراحل قد القي بها في عرض البحر الاحمر بتوجيهات من النميري ، وان الجثمان دفن في مكان ليس بعيدآ عن الخرطوم!! .

 

الباب السابع: اعيد نشر جزء من حوار اجراه الأخ خالد العبيد (وهو من الكتاب المرموقين في موقع “سودانيز اونلاين”) مع الشاهـد العسكري الذي قام بدفن الراحل/ محمود محمد طه، ، وبث الحوار بتاريخ: 21/07/2009، تحت عنوان: (شاهد عيان يروي كيف واين دفن الشهيد محمود محمد طه!!):

شاهد عيان يروي كيف واين دفن الشهيد محمود محمد طه !! .

ـ ما رتبتك العسكرية في ذاك الوقت : أعفني من الإجابة .

ـ اين كنت تحديدا حين ابلغوك : بقاعدة الخرطوم الجوية

ـ هل ابلغوك الى اين انت متجه : لا

ـ كم كان عدد طاقم الطائرة : إثنين فقط انا وقائد الطائرة

ـ ما نوع الطائرة : هيلوكوبتر ـ بيوما ـ

ـ من قائد الطائرة : فيصل مدني مختار

ـ هل التقيتم بعد الدفن : نعم

ـ كم كانت الساعة تقريبا عندما هبطت الطائرة في سجن كوبر : الساعة العاشرة والنصف من يوم الجمعة تقريبا

ـ كيف نقل محمود الى الطائرة : بواسطة عدد من المساجين

ـ كم عدد المساجين الذين نقلو محمود : 6 مساجين

ـ هل كان مغطى عندما كان في الطائرة : لا اظن ذلك

ـ كم استغرق زمن حفر القبر : عشرة دقائق

ـ هل كان القبر عميقا : لا ابدا قريب جدا جدا من سطح الارض

ـ هل شاهدت وجهه وهو ملقي على الطائرة : نعم

ـ كم كانت الساعة عندما تم دفن محمود : لا اذكر بالضبط

ـ هل تستطيع معرفة المكان : من الصعوبة تحديده حاليا

ـ اين ولو بالتقريب ليس بعيدا عن الخرطوم

ـ هل تمت الصلاة عليه : أبدا

ـ كيف تم حفر القبر : بواسطة أربع او خمسة كريقات كانت مع المساجين

ـ هل ذهبت الطائرة الى مكان الدفن مباشرة : كلا كانت هنالك محاولة للتمويه لمن كان بالطائرة

ـ كم من الزمن حلقت في الجو : أكثر من نصف ساعة

ـ متى عدتم من : بعد دفن الاستاذ مباشرة

ـ الى اين توجهت الطائرة بعد الدفن : الي سجن كوبر ومنه الي قاعدة الخرطوم الجوية

ـ هل طلبت منكم السلطات اي تعهد : بالنسبة لي لا

ـ كيف تم اختيار طاقم الطائرة : مكتب العمليات هو الذي يختار

ـ هل تم تنوير لكم قبل الحدث : بالنسبة لي لا

ـ من تحدث معكم قبل الحدث : لم يتحدث معي اي شخص

ـ هل تحدث معك اي مسؤول بعد الحدث : اطلاقا لا

ـ مادار في التنوير بعد او قبل الحدث : بالنسبة لي لم يتم اي تنوير ربما كان هنالك تنوير لقائد الطائرة.

 

كانت الكاتبة والصحافية الأمريكية جوديث ميلر المراسلة السابقة لصحيفة نيويورك تايمز في الشرق الأوسط قد حضرت مشهد تنفيذ حكم الإعدام على الأستاذ محمود بسجن كوبر وقد وصفت ذلك في كتابها الذي أسمته (لله تسعة وتسعون اسماً) ومما قالته (ولن أنسى ما حييت التعبير المرتسم على وجهه (تعني الأستاذ)…كانت عيونه متحدية ولم تبد عليه مطلقاً اي علامة من علامات الخوف) كما كتبت ادين طه (بتهمة الردة عن الإسلام وهي تهمة نفاها طه الذي أصر حتى النهاية انه ليس مهرطقاً أو مرتداً عن الإسلام وانما مصلح ديني ومؤمن وقف في وجه التطبيق الوحشي للشريعة الإسلامية (قانون المسلمين المقدس) والطريقة التي فهمها ونفذها به الرئيس جعفر نميري من وحي الموقف أحسست انا أيضا ان طه لم يقتل بسبب يتعلق بنقص في قناعته الدينية وانما بسبب من نقصهم هم).

 

كما كتبت ميلر أنها قابلت نميري عقب إعدام طه بقليل في نهايات يناير 1985م وقالت سألت نميري (لم قتلت محمود طه محولة مجرى حديثي معه إلى مناطق أكثر حرجاً وأكثر إقلاقا رد نميري (انتم تقولون انه معتدل ولكنه غير معتدل) ولم يزد على ذلك ثم قال القرآن يوصي بقتل المرتدين ولا يستطيع الرؤساء والملوك والسلاطين تغيير ذلك !!، وهكذا إمام المسلمين لا يعرف انه ليس في القرآن عقوبة على ما يسمى الردة وواصلت ميلر وكتبت “ثم غطس نميري في كرسيه ودخل في حالة من الصمت جذب منديلاً ومسح حاجبه وبدأ كأنه قد نسى وجودي تماماً مرر يده بذهن شارد على شعره المجعد ووجهه الذي كان متجسداً في حضور قبل لحظات قليلة … تهالك فجأة وتراخى فكاه وتمددا عندها تنهد وأمرني بالانصراف بتلويحه من يده وكانت تلك هي آخر مقابلاتي مع الرئيس نميري”.

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *