بعد حرب طاحنة..قطاع غزة في ميزان الربح والخسارة!
أمد/ صحيح أنه ليس الوقت المناسب لبحث خسائر الحرب ومكاسبها، بعد يوم من توقيع اتفاق التهدئة في غزة وصفقة تبادل الاسرى، لكن الأمر بات ملحا، فأغلبية الشعب الفلسطيني وخصوصا في غزة تنبع فرحتهم بانتهاء الحرب هو وقف المقتلة ونجاتهم من هذا الجنون، فالفرحة هنا مختزلة فقط بأنهم نجو من الموت، لكن ما سبب فرحة وهؤلاء الذين يدعون بأنهم “أبطال” رغم أنهم يكتبون مقالاتهم على مقاهي الدوحة والأردن وإسطنبول؟
نعم سؤالي واضح: لماذا يفرحون ويعتبرون ما جرى انتصارا، هل لأن الاحتلال سينسحب من نيتساريم وفيلادلفيا، المحورين الذين لم يكونا قبل 7 أكتوبر، أم لأن هناك 600 شاحنة مساعدات اغاثية ستدخل والتي لم نكن بحاجتها قبل الحرب، أم أن فرحتهم نابعة من فتح معبر رفح الذي كان في الأصل مفتوحا، أم أنهم فرحين لأنه سيتم اعمار غزة والتي كانت عامرة قبل الحرب، إذن لماذا هم فرحين جدا؟
من الممكن أن أتفهم بأن فرحتهم تكون على: تحرير الأقصى الذي أطلق على الطوفان اسمه، أو على إقامة الدولة، وتحديد حدود ومياه، وإزالة مستوطنات، هذه القضايا الوطنية التي من الممكن الفرح على تحقيقها، لكن للأسف.. لا إنجاز وطني تحقق سوى موضوع الأسرى، والذي كان بالإمكان تحقيق نتائج فيه بتكلفة أقل ودمار أقل ونزيف وموت وتدمير أقل.
أما نحن فإنه مهما كانت بنودها مجحفة وغير منطقية ولا تعطينا مكتسبات وطنية كتحرير الأقصى وعودة اللاجئين وترسيم حدود ودولة ومياه وتفكيك الإستيطان، ورغم أنها تفتقر إلى مكتسبات إنسانية، كالحصول على ميناء ومطار وحرية ملاحة ومساحة صيد وتنقل بين المدن أو حتى خط آمن بين غزة والضفة، إلا أن أكبر مكتسب ونصر هذه اللحظات هو وقف المقتلة والنزيف الفلسطيني ووقف الخسارة.
إن توقيع اتفاق إنهاء الحرب في غزة يفتح الباب أمام نقاشات معمّقة حول جدوى الحروب المتكررة وتكاليفها البشرية والمادية، ليس فقط على قطاع غزة، بل على الضفة الغربية أيضاً. وبينما يعبّر البعض عن ارتياحهم لوقف التصعيد العسكري، يتساءل كثيرون عما إذا كانت المكاسب التي تحققت تستحق الثمن الباهظ الذي دفعه الشعب الفلسطيني. هذا النقاش يكتسب أهمية خاصة مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على الضفة الغربية خلال العام المنصرم.
ولا يخفى على أحد ما شهده قطاع غزة من دمار واسع طال المنازل والبنى التحتية، مما زاد من معاناة السكان الذين يعانون أصلاً من حصار مطبق منذ أكثر من 15 عامًا. أعداد الشهداء، التي تضمنت أطفالًا ونساءً، تجاوزت عشرات الآلاف، إضافة إلى آلاف الجرحى والمشردين. في المقابل، استمر الاحتلال في سياساته القمعية في الضفة الغربية، حيث تصاعدت وتيرة الاعتقالات والاقتحامات، وارتفعت أعداد الشهداء نتيجة المواجهات أو العمليات العسكرية.
هذا الوضع يثير تساؤلات مشروعة حول جدوى التصعيد العسكري، خاصةً عندما تكون الخسائر الفلسطينية فادحة مقارنة بالإنجازات السياسية أو الميدانية. هل كانت هذه الحرب ضرورة أم أن الخيارات الدبلوماسية أو الشعبية كانت قادرة على تحقيق نتائج مماثلة بأقل كلفة؟
على الرغم من التضحيات الجسيمة، يروّج البعض أن الحرب ساهمت في تحقيق بعض المكاسب، مثل إعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام الدولي، وتعزيز صورة المقاومة باعتبارها قوة رادعة للاحتلال. لكن في ظل غياب تغيير ملموس في الواقع السياسي أو الميداني، تبقى هذه المكاسب رمزية إلى حد كبير، خاصة مع استمرار الاحتلال في سياساته التوسعية.
في الضفة الغربية، جاءت الحرب لتفاقم معاناة السكان. تصاعد العنف الإسرائيلي واستمرار الاستيطان وسرقة الأراضي يشير إلى أن الاحتلال استغل انشغال الفلسطينيين بالحرب في غزة لتكثيف عدوانه. وبالتالي، باتت الخسائر في الضفة مضاعفة: تصعيد مباشر على الأرض، وتهميش للهموم اليومية للسكان بسبب تركيز الاهتمام الإعلامي والسياسي على غزة.
إن الضفة الغربية تدفع ثمن الحروب على غزة بطريقة غير مباشرة. كل عدوان جديد يعزز من قبضة الاحتلال في الضفة، سواء عبر توسيع الاستيطان أو تصعيد القمع. بالإضافة إلى ذلك، يعاني الفلسطينيون في الضفة من أزمة اقتصادية خانقة، مع ضعف الدعم الدولي وتراجع الحراك السياسي. في هذه الظروف، يشعر المواطن العادي بأن الحرب زادت من معاناته بدلاً من تخفيفها.
في ظل هذه المعطيات، تتعالى الأصوات المطالبة بإعادة النظر في الاستراتيجيات النضالية الفلسطينية. يرى البعض أن الاعتماد على العمل العسكري وحده لا يكفي لتحقيق الأهداف الوطنية، بل يجب أن يترافق مع جهود دبلوماسية وميدانية مدروسة. كما يتطلب الأمر توحيد الصف الفلسطيني وإنهاء الانقسام الداخلي، الذي يضعف الجبهة الفلسطينية ويجعلها عرضة للابتزاز.
إن التحرك على الساحة الدولية لإعادة طرح القضية الفلسطينية بقوة، واستثمار الدعم الشعبي العالمي، قد يكونان أكثر فاعلية في هذه المرحلة. بالإضافة إلى ذلك، يتعين العمل على دعم صمود الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة، من خلال تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
من بين خسائر الحرب ومكاسبها المحدودة، يبقى السؤال مطروحا حول جدوى هذه المواجهات المتكررة في ظل غياب استراتيجية شاملة وواضحة. معاناة الشعب الفلسطيني، سواء في غزة أو الضفة الغربية، تتطلب التفكير في طرق نضالية تتجاوز الردود اللحظية إلى بناء رؤية طويلة الأمد تحقق الأهداف الوطنية دون تعميق الجراح.
ما تحتاجه فلسطين اليوم هو توحيد الجهود وتغليب المصلحة الوطنية على الحسابات السياسية الضيقة، لتحقيق حلم الحرية والاستقلال..فهل تدرك حماس ذلك؟