اخر الاخبار

إنهاء الالتباس أو تعميقه! أمد للإعلام

أمد/ بهدوء أكثر وكثير من العقل والقلب، ولعل رسالة المقال موجهة بشكل خاص للجيل الجديد.

سؤال: هل ما بعد الحرب على غزة سيشبه ما بعد حرب الخليج الأولى عام 1991؟

كانت النتيجة مؤتمرا دوليا للسلام في مدريد، ثم اتفاقية أوسلو للسلام، وفق مرجعيات أممية، لم تكن إسرائيل ستلتزم بها بشكل صرح.

لم تبدأ إشكالية الالتباس، لا في خريف 1991، مدريد، ولا بعدها بخريفين في أوسلو، كما لم تبدأ في 1988 في سياق إعلان الاستقلال، ولا في شباط  في 1985سياق التحرك الفلسطيني الأردني، ولا في أواخر الخمسينيات والستينيات والسبعينيات (ذروة العمل الثوري العسكري)، بل بدأت قبل قيام “دولة إسرائيل” عام 1948، من خلال تفاهمات معلنة وغير معلنة لم تعد سرا بين ما كان قد تكون نظما لدول مستقلة أو تحت الانتداب من جهة، وبين الدول الكبرى، بريطانيا بشكل خاص، ثم الولايات المتحدة الوارثة للإمبراطورية التي لا تغيب الشمس عن مستعمراتها.

الإشكالية تعرّف نفسها، والالتباس، هو عدم الوضوح، وهذا ما يعيق أية عملية جراحية كانت أو غيرها، حيث سيكون للمغامرة والمقامرة نصيب، حيث سيكون الرابح فعلا، هو الأدرى بما هو ملتبس. وفي حالة الصراع، فإن الرابح الصهيونيالغربي، هو من كان يعرف موازين السلاح، ويملك السلاح. والخاسر حتى ولو كان يعرف، فإنه كان يدري بخسارته، لأنه يعرف ما لديه من سلاح قليل وكلام كثير.

لم يتحدث هؤلاء الساسة بصراحة عن إمكانياتهم، بل ولأنهم كانوا يضمنون البقاء، فقد سلكوا سلوكا عسكريا ملتبسا، كانت نتيجته معروفة، والنتيجة كانت نكبة عام 1948، والتي لم يتفاجأ بها كثيرون أصلا.

وكان ما كان من تحولات ما بعد الاستقلال وأثناءه عبر انقلابات وثورات، فعبرنا الخمسينيات والستينيات، فكان العدوان الثلاثي عام 1956، والذي بالرغم من المقاومة الباسلة، فإن الذي حسم هو كفة القوي في التنافس الدولي على مواردنا، فكانت هزيمة عام 1967، نتاج التباسات سياسية وعسكرية معا، فلم تكن هناك نوايا حقيقية باسترداد فلسطين عسكريا، وبقي الحل السياسي غامضا يتداوله الساسة، لكنهم يخشون التعبير عنه. فكانت حرب عام 1973، أيضا في هذا السياق إلى أن أعلن السادات ما كان سرا، فصار الحديث عن حل قضية فلسطين ضمن مؤتمر دولي للسلام يعني في الجوهر تسوية سياسية تشرعن وجود دولة إسرائيل من جهة، على حدود الرابع من حزيران، في حين تبحث عن حل للكيانية الفلسطينية، فكانت النقاط العشر عام 1974، والتي أيضا اتسمت بغموض سمح للساسة الثوريين، تفسيرها وفق ما يتاح من ظروف، والتي شكلت نزاعات لم نخلص منها حتى الآن.

27 عاما ما بين عام 1964 عام تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية (التي تعني في الحقيقية إيجاد جسم وطني للتحضير للتسوية وإن كان ذلك أيضا كان ملتبسا وغير واضح، قلم يكن تأسيسها في العمق بعيدا عن منطلقات التسوية السياسية، وإن لم يعلن عنها بالطبع انسجاما مع الطموحين الوطني والقومي بتحرير فلسطين) ، ومؤتمر مدريد للسلام عام 1991، حيث البدء الفعلي في إدخال الفلسطينيين في التسوية السياسية، وما صاحبه من أفعال وردود أفعال فلسطينية، يمينا ويسارا، وصولا الى اتفاق أوسلو عام 1993، والذي زاد من حدية ردود الأفعال، والتي اقتصرت حديتها على الحدية السياسية لدى اليسار، فيما اختار اليمين (حركة حماس التيار السياسي المولود في بداية الانتفاضة الأولى 1987) حدية أخرى مادية، فلم تكد السلطة الوطنية لتتأسس، حتى بدأت الحركة بالعمليات التفجيرية، والتي شكلت مواقف ملتبسة، غير واضحة تماما، والذي زاد من الالتباس زيادة وتيرة الاستيطان، وعدم الالتزام ببنود أوسلو، وكان ما كان وصولا لمذكرة واي ريفر وكامب ديفيد، والانتفاضة الثانية أيلول عام 2000 التي تم عسكرتها، وبغض النظر الآن عن تقييم ما كان من سنوات أوسلو، فإن الذي اتضح أكثر هو الاستمرار في حالة الالتباس، فلا حاربنا معا ولا سالمنا معا فلسطينيا وعربيا، ما منح الدول الإقليمية لاستغلال الحالة الفلسطينية الملتبسة، في حين وظفتها دولة الاحتلال الى هدم فكرة الدولة الفلسطينية، والذي يؤكد ذلك أن مسألة الدولة لم تكن واضحة في اتفاق أوسلو من المنظور الإسرائيلي، حيث تركت القضايا الصعبة لمفاوضات الحل الدائم والنهائي. وحين وصلنا عام 1999، عام استحقاق البحث في قضايا الحل النهائي، كنا نتفاوض على ما كان يعرف “بالنبضة الثانية”، أي الانسحاب من مناطق ب.

لا نكتب هذا الحديث لمن عاش تلك المراحل مثلنا كما بدأت المقال، ولا لن عاش ما قبلها، بل لمن يعيش الآن، فمن ولد عام 2000 فإن عمره الآن 26 عاما، فما بالك بمن ولد بعدها بسنوات؟! انطلقت الانتفاضة الثانية بسبب تلاشي الأمل لدى الشعب، حيث لم تجري رياح التفاوض في كامب ديفيد بما يلبي الحد الأدنى المتفق عليه في المشروع الوطني، والشرعية الدولية بقراري الأمم المتحدة 242 و338.

اجتياح الاحتلال المدن الفلسطينية والمخيمات، وكان ما كان من أحداث مخيم جنين وكنيسة المهد في بيت لحم، ثم ما كان من رحيل القائد التاريخي ياسر عرفات، 2004، ووصولا الى الانقسام عام 2007، فإن الأمور صارت أكثر التباسا، ولكن من خلال عقلانية ما، تم تخفيف الاحتقانات، وفق خطط ضمانات دولية فيما يخص حمل السلاح والمسلحين، والذين انتسب جزء منهم لقوات الأمن الوطني، متذكرين أن جزءا من المقاومة في الانتفاضة كانت منهم، حيث سقط مئات الشهداء من عناصر الأمن الوطني.

لسنا في باب التقييم، بل إننا نتذكر معا ما كان، وما كان في آخر عقد من السنوات تقريبا، حين عاد الشباب الى حمل السلاح في أماكن محاصرة، ولربما كان لانتفاضة السكاكين غير المعلن تنظيمات الذين قاموا بها أثر على مجمل الحالة خاصة في نابلس وجنين. ومن الطبيعي أن يرافق ذلك ما يرافقه من أفعال يصعب حتى الحكم عليها، بسبب الالتباس الذي عدنا لنستأنف العيش فيه من جهة، ولتنكر إسرائيل للحقوق الوطنية، بل وقيامها بجرائم حرب معلنة في غزة، لتمتد الى لبنان. وللأسف بأن هناك من وظّف الحالة مجاملة شعبوية، بدلا من الوضوح والشفافية.

كل كلمة مسؤولية نحاسب عليها، بل لا بد أن نساءل إن ضللنا، فكيف إن أضللنا شعبنا، خاصة فئة الشباب؟

ليس بالصفحة ولا بالفقرة، بل بالكلمة والعبارة؛ تلك هي المسؤولية، والتي تعني التسلح بالعلم، فكيف يمكن لجراحة دقيقة أن تتم لو لم يكن أساسها تفاصيل علمية دقيقة؛ لذلك من سيقف هنا، (ولعله يجلس)، للحديث، ليكن بينه وبين نفسه صريحا: هل يمتلك دراسة التاريخ الفلسطيني؟ وهل فعلا سيكون موضوعيا وبناء؟

الآن وفي ظل هذا الالتباس، لربما آن الأوان أن نتحلى بالحكمة، فلسنا هنا لا في جنين أطراف، بل نحن طرف واحد ينبغي تقويته، وفق معايير العرف الوطني، أي بما يحقق المصلحة الوطنية العليا، التي تعني أن أبناء فلسطين هم أبناؤنا.

كل واحد فينا يعرف ما عليه أن يفعله، وما تأخر في فعله، لا نستثني أحدا، فكلنا مسؤولون عن هذا الالتباس، فلنكن شفافين في التعامل مع الهم الوطني، وموضوعيين، نتفهم سياق ما كان ليس خلال عقد بل عقود، خاصة بعد عام 1993. إن حسم الأمور لا يعني العناد، كما لا يعني عدم احترام المرجعيات السياسية والقانونية، فلنفعل ما ينبغي فعله، لأن ذلك عين العقل والتحلي بالمسؤولية، وفي الوقت نفسه، نفوّت الفرصة على كل من يبحث عن أوصياء جدد على شعبنا، موظفا هذه الحالة الملتبسة.

لذلك نقرأ تصريح وزير الخارجية بلينكين عن الإدارة المستقبلية لقطاع غزة وشروط قبول المشاركة الفلسطينية.

وبالرغم مما جامل به بلينكين دولة الاحتلال، إلا أنه لأول مرة يقترب ساسة أمريكا من تحقيق الحد الأدني لسلام يدوم. إن التفكير العميق الجاد بالقضية الفلسطينية، سيجعل إدارة ترامب القادمة أمام استحقاق الغبن الذي وقع فيه الشعب الفلسطيني على مدار 76 عاما، دون نسيان ذبح غزة.

اقتراب الشعب الفلسطيني من سلام يقوم على الكرامة والحقوق سيكون سببا كافيا لإنهاء الالتباس التاريخي والسياسي الذي عاشه، أما استمرار إدارة الصراع وتأجيل القضايا المهمة، لن يعني إلا حلقات جديدة من الصراع.

إن تحقيق نبوءة السيد المسيح عليه السلام “بأن الحجر الذي أهمله البناؤون طويلا صار حجر الأساس”، التي انطلقت من فلسطين يحتاج الى إعادة تأمل بأن فلسطين هي الرقم الصعب في معادلة الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *