رغم تموضعه ضمن الأوائل بإفريقيا.. لماذا يتأخر المغرب في سباق تمويل الشركات الناشئة؟
يحتل المغرب المرتبة الخامسة إفريقيا في تمويل الشركات الناشئة، وفقا لتقرير حديث صادر عن منصة “Africa: The Big Deal”، ورغم أن هذا التصنيف يشير إلى تقدم نسبي، إلا أن المملكة لا تزال متأخرة بشكل ملحوظ عن الدول الأربع الكبرى في القارة، والمتمثلة أساسا في كينيا، نيجيريا، مصر، وجنوب إفريقيا، والتي تهيمن على الساحة الاستثمارية بتمويلات ضخمة.
وحسب التقرير فقد جمع المغرب 70 مليون دولار فقط لتمويل الشركات الناشئة خلال عام 2024، وهو رقم لا يتجاوز 11% مما جمعته كينيا، التي احتلت الصدارة بتمويل قدره 638 مليون دولار، وبالتالي فإن هذا الفارق الكبير حسب الخبراء الاقتصاديين يعكس محدودية الجاذبية الاستثمارية للسوق المغربي.
المحلل الاقتصادي، علي الغنبوري، أكد أن المغرب ورغم احتلاله للمرتبة الخامسة على مستوى القارة الإفريقية من حيث تمويل الشركات الناشئة، بمبلغ 70 مليون دولار، وهو ما يضع المملكة ضمن العشرة الأوائل، إلا أن الفجوة بينها وبين الدول الأربع الأولى تظل كبيرة، حيث تحتل كينيا، نيجيريا، مصر وجنوب إفريقيا المراتب الأولى.
وأكد الغنبوري أن هذه الدول تتمتع ببيئات أعمال أكثر ديناميكية، وذلك بفضل تركيزها على قطاعات تقنية عالية النمو، وتوفيرها حوافز مغرية للمستثمرين المحليين والدوليين، فعلى سبيل المثال، استطاعت كينيا جذب 638 مليون دولار، وهو ما يعادل 9 أضعاف المبلغ الذي حققه المغرب، كما أن الفجوة في التمويلات تعود إلى عدة عوامل رئيسية يوضحها المحلل الاقتصادي.
واستعرض المتحدث الأسباب الرئيسية التي تفسر هذا التفاوت في التمويلات، حيث يعتبر أن أول عامل يتمثل في تفاوت الإطار التنظيمي. فالمغرب، حسب قوله، ما زال بحاجة إلى تبسيط المساطر القانونية والإدارية وتشجيع الاستثمار بشكل أكثر فاعلية، مشيرا إلى تأخر تنفيذ الاستراتيجيات الوطنية، خصوصا الاستراتيجية الرقمية 2030، التي لم تظهر آثارا واضحة على المشهد الاستثماري في البلاد.
أما العامل الثالث، فيتمثل في التوجهات العالمية التي تشهد انخفاضا في التمويلات الموجهة إلى القارة الإفريقية بشكل عام، وذلك نتيجة للتحولات التكنولوجية الكبرى مثل الذكاء الاصطناعي، الذي أدى إلى تغيير أولويات المستثمرين، ومع ذلك، يرى الغنبوري أن تصنيف المغرب كخامس أكبر متلق للتمويل في القارة يعتبر مؤشرا إيجابيا على الإمكانيات التي يمكن استغلالها بشكل أفضل في المستقبل.
وفيما يتعلق بالفرص المتاحة للمغرب لتقليص هذه الفجوة، يشدد الغنبوري على ضرورة تبني استراتيجية متعددة المحاور، أولا، يجب تطوير الإطار القانوني والتنظيمي، والعمل على تبسيط الإجراءات الخاصة بتأسيس الشركات الناشئة وجذب الاستثمارات، معتبرا أن الحوافز الضريبية والضمانات القانونية للمستثمرين ستكون من العوامل الحاسمة في هذا السياق.
وأورد المتحدث أهمية التركيز على القطاعات الاستراتيجية، مثل الذكاء الاصطناعي، الطاقات المتجددة، والخدمات الرقمية، وهي المجالات التي تشهد طلبا متزايدا عالميا، وفي هذا الإطار، يؤكد ضرورة تعزيز رأس المال البشري من خلال الاستثمار في التعليم والتدريب المهني، وتوفير برامج تدريبية للشباب لتهيئتهم لدخول عالم ريادة الأعمال.
ودعا المحلل الاقتصادي إلى توفير الدعم المحلي للشركات الناشئة، من خلال إطلاق برامج تمويل حكومية موجهة للمشاريع الناشئة، لا سيما في المناطق النائية، مع تشجيع الاستثمار المحلي من القطاع الخاص.
باختصار، يرى الغنبوري أن المغرب أمامه فرصة كبيرة لتقليص الفجوة مع الدول الأوائل في مجال تمويل الشركات الناشئة، لكن هذا يتطلب تحسين البنية التحتية الاقتصادية، وتشجيع الابتكار، مع التركيز على تنمية المهارات وجذب الاستثمارات.
يذكر أن “الرباعي الكبير” في إفريقيا كينيا ونيجيريا ومصر وجنوب إفريقيا اللاعب الرئيسي في جلب التمويل للشركات الناشئة في القارة، حيث استحوذوا مجتمِعين على 84% من إجمالي التمويل في 2024، وهو نفس التوجه الذي شهدناه في 2023 وأيضًا منذ عام 2019.
وحسب المصدر ذاته، فقد سجلت منطقة شرق إفريقيا للسنة الثانية على التوالي أعلى مستويات التمويل، حيث جمعت نحو 725 مليون دولار في 2024، رغم انخفاض بنسبة 18% مقارنة بالعام الماضي، فيما تمكنت منطقة غرب إفريقيا من جمع 587 مليون دولار في 2024، وهو ما يمثل 27% من إجمالي التمويل في القارة.
وسجل الموقع تراجعا حادا في منطقة شمال إفريقيا على مستوى التمويل بنسبة 35% مقارنة بالعام الماضي، حيث وصلت المبالغ إلى 478 مليون دولار.
ويعود ذلك في جزء كبير إلى التراجع الكبير في التمويل في مصر، التي مثلت 84% من إجمالي التمويل في المنطقة، ورغم حفاظ المغرب على أداء جيد نسبيًا (70 مليون دولار)، إلا أن هذا لم يكن كافيًا لتعويض الخسائر في السوق المصرية.
وكشف التقرير عن انخفاض عام في التمويلات في عام 2024، حيث بلغت 2.2 مليار دولار، مقابل 2.9 مليار دولار في عام 2023 (25%) و4.6 مليار دولار في عام 2022، موضحا أن 188 مشروعا جمعت ما لا يقل عن مليون دولار في 2024، وهو أقل بنسبة 10% مقارنة بـ 2023.
المصدر: العمق المغربي