البرهان في كماشة العقوبات: كيف حاصرته الحركة الإسلامية وأفقدته خيارات المناورة؟
عباس محمد
قبل سنوات، كان الفريق أول عبد الفتاح البرهان يحاول تقديم نفسه للعالم كقائد عسكري قادر على إدارة مرحلة انتقالية تقود السودان نحو الديمقراطية اليوم، يجد نفسه في مواجهة العقوبات الأمريكية، بعد أن تحول من لاعب يحاول المناورة بين المعسكرات إلى رجل محاصر بمخططات الإسلاميين الذين ربطوا مصيره بمشروعهم دون فكاك.
وفقا لمصادر دبلوماسية تحدثت لوكالة رويترز، عن عزم واشنطن هذا الأسبوع إدراج البرهان في قائمة العقوبات، متهمة الجيش السوداني باستهداف المدنيين والبنية التحتية ومنع وصول المساعدات الإنسانية، فضلا عن رفض المشاركة الجادة في مفاوضات السلام. العقوبات تأتي بعد أسبوع من استهداف قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في خطوة تعكس تحولا في الاستراتيجية الأمريكية، التي قررت هذه المرة تحميل الطرفين مسؤولية الحرب المستمرة منذ قرابة العامين.
*تردد قاتل
على مدار العامين الماضيين، بدا البرهان غير قادر على اتخاذ قرار حاسم: هل يسير في طريق التسوية السياسية أم يخوض حربا شاملة؟ هذا التردد انتهى به إلى ما يمكن تسميته ب “خيار اللاعودة”، حيث أصبح الجيش وقادته، بمن فيهم البرهان نفسه، متورطين بشكل متزايد في تحالفات مع القوى الإسلامية، التي استخدمت نفوذها داخل المؤسسة العسكرية لتوجيه مسار الحرب وفقا لأجندتها
لكن هذا التحالف لم يكن بلا ثمن. في الأيام الأخيرة، تسربت مقاطع فيديو توثق عمليات تصفية ضد مواطنين، أثارت غضبا محليا ودوليا، ودفعت البرهان لمحاولة احتواء تداعياتها عبر تشكيل لجنة تحقيق وإصدار النيابة اتهامات ضد بعض المسؤولين. لكن هذه التحركات جاءت متأخرة، في وقت كان السيف قد سبق العذل.
ضغوط دولية و حصار داخلي
البرهان، في أول رد فعل له على العقوبات المحتملة، اختار لغة التحدي قائلاً: “سمعت أن هناك عقوبات على قادة الجيش، ونحن مستعدون لأي عقوبات”. هذه اللهجة تعيد إلى الأذهان خطابات الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، الذي واجه العقوبات والعزلة الدولية بالعناد ذاته، حتى أطاح به السودانيون في 2019.
لكن الفرق بين البشير والبرهان، كما يقول مراقبين للملف السوداني، هو أن الأول كان يواجه العقوبات وهو يسيطر على دولة مستقرة نسبيًا، بينما يجد البرهان نفسه في حرب متعددة الجبهات، بين معارك ميدانية ضد قوات الدعم السريع، وصراعات داخل الجيش نفسه، وضغوط متزايدة من الإسلاميين، الذين يرون في استمرار الحرب وسيلة لإعادة تموضعهم السياسي.
المأزق القادم
السؤال الأهم الآن: هل ستدفع العقوبات البرهان نحو تغيير استراتيجيته، أم أنها ستدفعه إلى مزيد من الارتماء في أحضان الإسلاميين، مما يعمّق عزلة الجيش السوداني ويجعل فرص التسوية السياسية أكثر تعقيدًا؟
ما هو واضح حتى الآن، أن البرهان بات أكثر من أي وقت مضى في كماشة لا فكاك منها: بين مطرقة العقوبات الدولية وسندان الحلفاء الإسلاميين، الذين لن يسمحوا له بالخروج عن مسار الحرب بسهولة.
#حرب_السودان #امربكا #البرهان #عقوبات
المصدر: صحيفة الراكوبة