القتل خارج نطاق القانون في حرب السودان «أحداث ولاية الجزيرة»
محمد بدوي
ما تناقلته الوسائط الاجتماعية من مقاطع فيديو من حالات القتل خارج نطاق القضاء بولاية الجزيرة عقب إعادة الجيش السيطرة عليها بعد ما تجاوز العام بشهر منذ انسحابه من عاصمتها ود مدني ، مثلت حلقة في سلسلة من المجازر والتي لم تشهد أي محاسبة أو إنصاف للضحايا على امتداد السجل التاريخي للدولة السودانية منذ اعلان الاستقلال.
هذه الانتهاكات ليست جديدة لكن السياق الزمني جعل الاحداث تأتي عقب الثورة الرقمية، حيث وثق مرتكبو الانتهاكات من جميع الاطراف لأفعالهم، ليأتي التوثيق كمرحلة اولي من مراحل الفضح لمرتكبي الانتهاكات وترسيخ للسجل المستقبلي لذاكرة الانتهاكات والانصاف حيث أبرز التطور الحقوقي الاختصاص العالمي لبعض الجرائم بما يمكن من القبض ومحاكمة المنتهكين في حال تواجدهم في الدول التي تتبني ذاك الاختصاص والذي يهدف للحد من الإفلات من العقاب والتجريم المطلق .
القتل خارج نطاق القضاء وأشكال مختلفة من الانتهاكات الأخرى والتي ظلت تتكرر بشكل وحشي ومتصاعد ومرتبطا بسيطرة طرفي حرب السودان على المدن/ الحضر .
بين ود مدني بالجزيرة والجنينة بغرب دارفور يتكشف هذا النسق من الانتهاكات في مواجهة المدنيين لأسباب عرقية تدفع بالعقاب الجماعي نحوهم وليس توجيه البندقية نحو الطرف الآخر في الحرب، لذا فإن السيطرة أو إعادتها لا يمكن أن تصبح انتصارا ولو مجازا في حال اقترانها بالانتهاكات ضد المدنيين، لأن الجيوش وحركات الكفاح المسلحة يرتبط تعويضها الأساسي بحماية الانسان أو النضال من اجله، وأن من يقترب ذلك يندرج تحت طبيعة المليشيات والمرتزقة.
يمثل القتل خارج نطاق القضاء جريمة في القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الانسان، وحسنا ان أصدر الجيش بيانا حمل ما اختلف فيه من حيث المحتوي بأن ما تم من انتهاكات بالجزيرة عقب إعادة سيطرته عليها تم من قبل أفراد، يأتي اختلافي بان الجيوش من قادتها الي الرتب الدنيا لا يمكنهم الدفع بعدم المعرفة باتفاقيات جنيف لسنة ١٩٤٩ التي تفرض حماية على الجرحى والاسري والمدنيين في تقليل لوحشية الحرب، وتسويرها بأخلاق تعرف بأخلاق الحروب، بيان الجيش ينتظر خطوة لاحقة هي التحقيق والمحاسبة وعلاج الجرحى وغيرها من الحقوق المرتبطة أو الناتجة من الانتهاكات، فدون ذلك يصعب عودة المدنيين إلي مساكنهم .
جاء القتل بالجزيرة واستهدف بشكل منهج في منطقة طيبة تحت ذريعة التعاون مع الدعم السريع، هذا يقود لعدة أسئلة على من يقع واجب حماية المدنيين بالجزيرة ابتداء؟ الأمر الثاني هل ذهب المدنيين إلي مناطق القتال ام انتقل الي داخل المساكن والاعيان المدنية؟ الأمر الثالث هل تعاون الجميع مع الدعم السريع ممن طالهم الموت اختيارا ام اجبارا؟ هل سجل طرفي الحرب منذ أن بدأت برز فيه ما ينم عن احترام القانون الدولي الإنساني؟ السؤال الرابع ما جدوي المحاكمات التي تشهدها محاكم عديدة للفصل في تهم لا تختلف خلفياتها عن الاتهام بالتعاون أو الانتماء للدعم السريع ؟.
القتل خارج نطاق القضاء يمثل احدي الجرائم ظلت تاريخيا تلاحق مرتكبيها والقادة الذين يشرفون عليهم مباشرة في حال عدم قيامهم بالمحاسبة، اما تهمة الموالاة لاحد أطراف الحرب لا يمكن أن تنطبق في حال تحول الحرب الي داخل الاعيان المدنية لأنه حينها تنعدم إرادة المدنيين تماما، بل انها حالة تتشدد فيها الحماية للدرجة التي تشمل تهم القانون الدولي الإنساني المدنيين الذين يستغلون ظرف غباب/ تراجع الحماية في ارتكاب انتهاكات في حق المدنيين، ونلاحظ هنا ان الافعال تتحول من جرائم إلي انتهاكات، اي تحول في الاختصاص والتوصيف .
ظل نسق القتل خارج نطاق القضاء في السجل السوداني مرتبط بالحروب السياسية، سواء لدوافع سياسية تحت غطاء العرق، الاجبار على التهجير للاستيلاء على الارض، غياب المحاسبة على الدوام هو ما يحفزها نحو الانزلاق العرقي قد تتحول إلي التطهير العرقي كتطور لاحق، بالمقابل فإن حالات الانتقام تظل في ذاكرة الناجين وذوي الضحايا في ظل استمرار غياب المحاسبة .
اخيرا: الكنابي مثلت نتاج لظروف اقتصادية وأمنية ارتبطت بالنزوح نتيجة للحروب السياسية، والنزوح نتيجة لاختلال السياسات الاقتصادية، بما شمل معالجة آثار الظروف الطبيعية مثل الفجوات الغذائية، بينما يظل إهمال العدالة الاجتماعية تاريخيا أحد عوامل بقائها ككنابي على مستوي الذاكرة .
المصدر: صحيفة التغيير