ذكرى تقديم وثيقة الاستقلال اليوم 24
يخلد الشعب المغربي يوم 11 يناير من كل سنة ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال التي تعتبر مرجعا سياسيا وتاريخيا لإحدى المحطات البارزة في تاريخ الكفاح الوطني المغربي ضد المستعمر الفرنسي من أجل الحرية والاستقلال وتذكرنا هنا المقولة الشهيرة لزعيم النضال الدولي نلسون منديلا « الحرية لا توهب، بل تنتزع بالنضال والتضحيات »
وقد شكلت هذه الوثيقة منعطفا تاريخيا في مسار الكفاح الوطني المغربي بعد توقف المقاومة المسلحة التي قادها زعماء مثل محمد بن عبد الكريم الخطابي وموحى أوحمو الزياني وغيرهما. حيث بدأت مرحلة الكفاح السياسي خلال ثلاثينيات القرن الماضي بزعامة قادة الحركة الوطنية وعلى رأسهم الزعيم الراحل علال الفاسي والأستاذ محمد بن الحسن الوزاني. انتهى الأمر بذلك إلى ميلاد وتأسيس حزب الاستقلال سنة 1944 الذي حمل المشعل ومن تم دعا إلى المبادرة الكبرى التي كانت بمثابة مغامرة في ظل الأوضاع الصعبة التي عاشها المغرب حيث القبضة الحديدية للاستعمار الفرنسي والاسباني والاستغلال لثروات البلاد ومحاولة طمس الهوية الوطنية.
إن ما يجعل وثيقة المطالبة بالاستقلال وثيقة التاريخ والحاضر والمستقبل بل وثيقة الذاكرة الوطنية المغربية الخالدة هو جوهرها ومحتواها القوي والمعبر عن إرادة وطموح المغاربة في التحرر من التبعية الاستعمارية والتمتع بالاستقلال وبالسيادة الوطنية الكاملة.
وقد تضمنت الوثيقة الذهبية الخالدة:
‒ إنهاء نظام الحماية المفروض على المغرب.
‒ الاعتراف بسيادة المغرب الكاملة تحت قيادة الملك محمد الخامس.
‒ إقامة نظام ديمقراطي يحترم حقوق المواطنين والمواطنات.
وتأتي وثيقة المطالبة بالاستقلال في ظل الحراك الوطني الذي قاده حزب الاستقلال ونخبة من الوطنيين وكانت بمثابة نداء وطني ودولي من أجل الحرية والاستقلال الكامل للمغرب ووضع حد لنظام الحماية. وقد خلدت مقولة الزعيم الراحل علال الفاسي التي قال فيها « الاستقلال حق طبيعي لكل أمة تناضل من أجل حريتها وكرامتها ». هذه المبادرة التي استنفرت قوات الاحتلال فقامت بنفي العديد من الزعماء الوطنيين وبالكثير من الاعتقالات في حق الوطنيين.
يمكن القول أن هذا الحدث التاريخي كان بمثابة نقطة فاصلة بين مرحلتين كبيرتين من تاريخ المغرب خلال القرن العشرين. حيث كان حدث تقديم الوثيقة بمثابة بداية العد العكسي لإنهاء الاستعمار بالمغرب الذي لم يعمر بعده طويلا. إذ أنه بعد اثنى عشر سنة أي سنة 1956 كان المغرب على موعد مع الاستقلال الذي يعتبر تتويجا مستحقا لنضال وكفاح المغاربة قاطبة تحت قيادة المغفور له جلالة الملك محمد الخامس الذي قال « لست سعيدا لأنني استرجعت العرش وإنما لكوني حملت لواء الحرية والاستقلال وحققت كرامة شعبي » وقد كان رفيقه في النضال آنذاك المغفور له ولي العهد جلالة الملك الحسن الثاني.
إن الاحتفال بذكرى تقديم وثيقة الاستقلال مناسبة للرجوع بالذاكرة المغربية إلى محطة كبيرة في تاريخه السياسي المعاصر، من أجل الحفاظ على الهوية المغربية التي كانت بمثابة المنارة التي عملت على تقوية الروح الوطنية لدى المغاربة من أجل تعزيز الكفاح ضد الاستعمار. وكانت الدافع الرئيسي لتوطيد وتقوية العلاقة بين الملك والشعب في مواجهة الاستعمار وإرغامه على التفاوض والانسحاب.
إن هذه الذكرى بمثابة استحضار لقيم الوطنية والتضحية لدى المغاربة. ودرس في الوطنية لكل الأجيال المتعاقبة من أجل فهم ومعرفة التاريخ المجيد للمغرب والمغاربة. والتي تعتبر عبرة يجب اقتباسها من أجل السير على منوال الآباء والأجداد في وطنيتهم وتضحياتهم وغيرتهم على الوطن. ومن أجل مواصلة المسير في الشطر المتعلق بالهدف الثاني من الوثيقة الذي يدعو إلى الديمقراطية من خلال بناء دولة الحق والقانون ودولة المؤسسات.
إن هذه الملحمة الوطنية، وعرفانا لوطنية وتضحيات المغاربة، تلزم كل المغاربة بمواصلة البناء، بناء مغرب اليوم ومغرب الغد، مغرب الأمجاد والسمو والازدهار في ظل عهد جلالة الملك محمد السادس حفاظا على المكتسبات السياسية والاقتصادية وحفاظا على المنجزات الدبلوماسية والدولية فالموقع الجيواستراتيجي للمغرب يؤهله أن تكون له كلمته على المستوى القاري والإقليمي والدولي.