تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال.. حدث فارق في مسار المغرب نحو الحرية والسيادة
يخلد الشعب المغربي ومعه أسرة الحركة والمقاومة وجيش التحرير، الذكرى الحادية والثمانين لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، وهو حدث لطالما ظل راسخا في أذهان الشعب المغربي من جيل لجيل، كما يعتبر حدثا تاريخيا يدل عن الملحمات التي خاضها الأبطال المغاربة من أجل ملامسة الحرية والعيش بكرامة واستقلالية، وتحقيق السيادة الوطنية والوحدة الترابية.
لقد ناهض المغرب بصغيره وكبيره ضد أطماع المتربصين بالأراضي المغربية العريقة، ولم يدخر الوطنيون الأحرار جهدا في سبيل حماية وحدته وتحمل جسيم التضحيات في مواجهة المحتل الأجنبي الذي جثم على التراب الوطني منذ بدايات القرن الماضي، فقسم البلاد إلى مناطق نفوذ توزعت بين الحماية الفرنسية بوسط المغرب، والحماية الإسبانية بالشمال، والوضع الاستعماري بالأقاليم الجنوبية، فيما خضعت منطقة طنجة لنظام حكم دولي.
شهدت السنوات التي سبقت تقديم الوثيقة تنامي الحركة الوطنية المغربية التي كانت تتألف من نخبة من المثقفين والسياسيين الذين تأثروا بالفكر التحرري والنضال الوطني الذي شهدته العديد من الدول العربية والأفريقية، فقد تأسست الحركة الوطنية المغربية في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، وعملت على نشر الوعي السياسي والثقافي بين صفوف الشعب المغربي، مع التركيز على أهمية الاستقلال والتحرر الوطني للعيش تحت السيادة المغربية وليس تحت سيادة المستعمر.
يعد تاريخ 11 يناير 1944 حدثًا تاريخيًا بارزًا في مسار الكفاح الوطني المغربي من أجل تحقيق الاستقلال والتحرر من الاستعمار الفرنسي والإسباني. جاءت هذه الوثيقة في سياق تاريخي حافل بالتحولات العالمية والمحلية، حيث كانت الحرب العالمية الثانية تقترب من نهايتها وتزايدت المطالب الوطنية في مختلف أنحاء العالم بالتحرر والاستقلال.
وتضمنت وثيقة المطالبة بالاستقلال جملة من المطالب السياسية والمهام النضالية، تمثلت في شقين؛ الأول يتعلق بالسياسة العامة وما يهم استقلال المغرب تحت قيادة ملك البلاد الشرعي سيدي محمد بن يوسف، والسعي لدى الدول التي يهمها الأمر لضمان هذا الاستقلال، وانضمام المغرب للدول الموافقة على وثيقة الأطلنطي (الأطلسي) والمشاركة في مؤتمر الصلح، أما الثاني فيخص السياسة الداخلية عبر الرعاية الملكية لحركة الإصلاح وإحداث نظام سياسي شوري شبيه بنظام الحكم في البلاد العربية والإسلامية بالشرق تحفظ فيه حقوق وواجبات كافة فئات وشرائح الشعب المغربي.
ووقع على هذه الوثيقة قبل تقديمها للسلطات الاستعمارية سبعة وستون شخصية بارزة من المقاومين الأحرار من بينهم امرأة “مليكة الفاسي”، وكانت هذه الوثيقة بمثابة مطلب صريح لنيل الاستقلال والوحدة الترابية في عهد جلالة السلطان المغفور له محمد الخامس.
قوبلت وثيقة المطالبة بالاستقلال بردود فعل متباينة، ففي الوقت الذي اعتبرها الوطنيون المغاربة خطوة جريئة ومهمة نحو تحقيق الاستقلال، قوبلت بمعارضة شديدة من قبل السلطات الاستعمارية التي قامت بمحاولة قمع الحركة الوطنية واعتقال عدد من قادتها. ومع ذلك، لم تتوقف الحركة الوطنية عن مواصلة النضال، بل زادت من جهودها وحشدت المزيد من الدعم الشعبي والسياسي لتحقيق الهدف المنشود.
تقديم المغرب لوثيقة المطالبة بالاستقلال كان ولايزال لحظة فارقة في تاريخ الكفاح الوطني المغربي. فعلى الرغم من كل المعيقات التي واجهها الوطنيون، إلا أنهم استطاعوا بصمودهم وعزيمتهم تحقيق هدفهم وإعادة المغرب إلى طريق الحرية والاستقلال. هذا الحدث سيظل محفورا في ذاكرة الأجيال، كرمز للنضال والتضحية من أجل الوطن.
المصدر: العمق المغربي