باحث مغربي يستعرض مشاهد مثيرة من تجربته في الحوار بين الأديان.. ويؤكد: لا تعايش بدون حوار (صور)
استعرض الباحث المغربي في حوار الأديان، يوسف نويوار، مشاهد مثيرة من تجربته في الحوار بين الأديان بفرنسا، مبرزا الفروق والاختلافات الجوهرية بين دراسة الأديان في المغرب وأوروبا، والعوائق التي تقف أمام ترسيخ هذا النوع من الحوار لدى المسلمين في العالم الغربي.
جاء ذلك في محاضرة علمية بكلية أصول الدين بمدينة تطوان، بعنوان “تجربة الحوار بين الأديان.. من النظرية إلى التطبيق”، من تنظيم ماستر الأديان والحوار الحضاري بتنسيق مع فريق البحث في الأديان والعمران الحضاري، وذلك يوم الثلاثاء 7 يناير الجاري.
ويوسف نويوار هو باحث مغربي متخصص في حوار الأديان، حاصل على دكتوراه في علم الاجتماع من جامعة “Paul Valery” بمونبوليي بفرنسا، وعلى دكتوراه ثانية في الدراسات الإسلامية من جامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال، ويعمل أستاذا زائرا بالمدرسة العليا للأساتذة بتطوان.
المحاضر روى تجربته في حوار الأديان بفرنسا، مشيرا إلى أن المشرفين على تدبير الشأن الديني الإسلامي بهذا البلد يسيران ضمن ديناميتين مختلفتين تماما، الأولى تعتبر الحوار بين الأديان غير ذي جدوى، خصوصا أن معظم الأئمة لم يولدوا بفرنسا، وأغلبهم لم تطأ أرجلهم كنيسة أو كنيسا، وهو ما يجعلهم يتوجسون من الأديان الأخرى.
وأوضح نويوار أن الدينامية الثانية تشمل فئة قليلة تؤمن بالحوار مع الديانات الأخرى، وأنه لا مناص من ذلك لمد جسور التواصل وتعزيز التعايش المشترك وتصحيح صورة المسلمين بأوروبا، معتبرا أن تحديات الحضور الإسلامي في الغرب تسائل المسلمين أنفسهم قبل أن تسائل الغرب.
وأشار في هذا الصدد إلى الصعوبة التي تواجهها السلطات الفرنسية في التواصل مع بعض الأئمة المسلمين، إما لعدم إيمانهم بجدوى الحوار مع الأديان الأخرى، وإما لعدم إتقانهم لغة البلد بشكل جيد، وعدم إلمامهم الكافي بالثقافة المحلية.
وتبعا لذلك، اعتبر المتحدث أنه في غياب تكوين الأئمة المسلمين في مجال علم الأديان والحوار الديني والحضاري، يجد المسؤولون الفرنسيون أنفسهم مضطرين إلى التواصل مع بعض النخب لتمثيل المسلمين عوض الأئمة.
ولفت المُحاضِر إلى أن المجتمع الفرنسي تتشكل أغلبيته من الملحدين واللادينين، مضيفا: “وجودك في بلد غير بلدك المسلم يمنحك إمكانية تذوق نصوص القرآن بروح جديدة، فالاحتكاك بالديانات الأخرى يجعلك تقرأ آيات القرآن قراءة حقيقية” وفق تعبيره.
تجربة واقعية مثيرة
وفي هذا الصدد، أشار المتحدث إلى تجربته في تأسيس جمعية “لنبني جميعا ثقافة السلام” بمدينة سانت الفرنسية سنة 2016، والتي تضم ممثلين عن الديانات السماوية الثلاث، الإسلام والمسيحية (الكاثوليك والبروتستانت) واليهودية.
وكشف الباحث أن مجلس هذه الجمعية مكون من 12 عضوا، 3 أعضاء عن كل طائفة دينية، لافتا إلى الاتفاق على قيادة دائرية للجمعية، بحيث تتولى كل طائفة الرئاسة بشكل دوري ضمن مدة زمنية محددة.
وأفاد نويوار بأن مختلف أنشطة الجمعية كانت تعتمد على 3 ركائز، الأولى بعنوان “لنفكر معا”، وتشمل محاضرات وأيام تكوينية وغيرها، والثانية بعنوان “لنضحك معا”، وتشمل فعاليات ترفيهية تعمق العلاقات الاجتماعية بين الطوائف الدينية، على غرار مشاهدة فيلم سينمائي كوميدي بشكل مشترك، ثم الثالثة بعنوان “لنخرج معا” وتشمل تنظيم خرجات عائلية جماعية لأتباع الديانات الثلاث.
ولفت إلى أن هناك فرقا كبيرا بين البروتستانت والكاثوليك، خاصة فيما يخص معمار الكنائس ومحتوياتها، مشيرا إلى أن كنائس البروتستانت لا تضم أي تماثيل على الإطلاق، بما فيها تماثيل المسيح والعذراء، باستثناء الصليب، عكس كنائس الكاثوليك، كاشفا أنه لمس مدى الحضور الكبير للبروتستانت لطقوسهم الدينية.
في نفس السياق، أبرز المُحاضِر تجربة أخرى له بمدينة ناربون الفرنسية، حين زار كنيسة تابعة للطائفة الفرنسيسكانية (نفس الطائفة التي تدير كنيسة تطوان)، كاشفا أن القائمين على الكنيسة طلبوا منه تقديم محاضرة تعريفية عن الإسلام، قبل أن يتفاجأ بأنهم يدرسون الإسلام ولهم معطيات وافرة عنه.
وعقب ذلك، يوضح الباحث المغربي، “قدمتُ لهم محاضرة عن الشبهات التي تثار حول الإسلام في العالم الغربي، مثل إلصاق الإرهاب به والإساءات المتكررة بحق النبي محمد عليه الصلاة والسلام، مع دحضها بأسلوب عقلي منطقي”، لافتا إلى أن هناك قضايا شائكة أخرى، كالإباحية والمثلية، تتوحد الأديان السماوية في مواجهتها.
ومن الأمور المثيرة في تجربته الجامعية، كشف نويوار أنه خلال متابعته للدراسات العليا في ماستر الأديان بفرنسا، كُلِّف بإعداد تقارير حول الطقوس الدينية لأتباع الديانات الأخرى، حيث كان يتطلب الأمر زيارة أماكن عبادة الديانات، مما شكل تحديا دينيا وثقافيا ونفسيا، حسب قوله.
وتقوم هذه المبادرة على أن يقوم الطالب المسلم بالتنسيق مع مسؤولي كنيسة في حيه أو مدينته، من أجل حضور قداس معين، وإعداد تقرير موضوعي عنه، وأن يقوم الطالب اليهودي بحضور خطبة جمعة لإعداد تقرير عن هذه الشعيرة في الإسلام، وهو ما يمثل تحديا فريدا من نوعه وصعبا في نفس الوقت، ونفس بخصوص الطالب المسيحي.
وبخصوص هذه التجربة، صرح يوسف نويوار أن زيارته لكنيس يهودي بمدينة سانت كانت مميزة، خاصة بعدما رحب به رئيس رابطة اليهود بالمدينة بشكل كبير جدا، مشيرا إلى أن اليهود يفصلون الرجاء عن النساء في بِـيَعهم، على غرار المسلمين، كما يُفرض على الجميع ارتداء القبعة الدينية لليهود.
فروق “دراسة الأديان”
وفي موضوع متصل، شدد يوسف نويوار، على ضرورة الاهتمام أكثر بدراسة الأديان في الجامعات المغربية، وتطوير مناهج علوم تاريخ الأديان ومقارنة الأديان والحوار الديني، معتبرا أن هذا المجال أصبح ملحا جدا في الوقت الراهن بالنظر إلى التحديات التي تواجه المسلمين في علاقاتهم بالأديان والثقافات الأخرى.
ويرى المتحدث بخصوص الفوارق بين المغرب وفرنسا في دراسة الأديان، أن جمهور الطلبة والأساتذة بالمغرب متجانس، بالنظر إلى كونهم جميعا يدينون بالإسلام، عكس فرنسا حيث تتعدد الديانات والقناعات في الفضاء الجامعي والأكاديمي، مشيرا إلى أن كشف الأساتذة عن انتمائهم الديني يُعتبر عندهم خطأ منهجيا بسبب التوجه اللائكي للدولة.
وأبرز أن التوجه العام لدراسة الأديان بالجامعات المغربية يهتم أساسا بالأديان الكبرى، على عكس فرنسا، ومعها أغلب الجامعات الغربية، حيث الاهتمام ينصب أكثر حول الأديان الصغرى أو التي ظهرت بعد الإسلام، مع التركيز أكثر على الدينامية والحركية التي تعرفها بعض الأديان وتحليل أسباب انتعاشها في مناطق معينة عبر العالم وضمورها في مناطق أخرى.
ونبه الباحث إلى أن مجال دراسة الأديان بالمغرب يتسم بضعف الموضوعية وهيمنة أحكام القيمة والتصنيف على أساس الحق والباطل تجاه الأديان الأخرى، مع التعصب للإسلام، عكس فرنسا التي يتسم فيها هذا المجال بانعدام أحكام القيمة والتزام الحياد.
وسجل نويوار قلة الدراسة والأبحاث الميدانية في دراسة الأديان بالمغرب، مع الاعتماد على بيبليوغرافيا تستند غالبا على المراجع العربية، مقابل غزارة الدراسات الميدانية والملاحظات التشاركية بفرنسا، وإثارة تفاصيل وجزئيات وعقد المقارنات، مع الاعتماد على بيبليوغرافيا تستقي المادة المعرفية من أصحابها الأصليين وبلغات متعددة.
وأوضح أن فرنسا تعرف في السنوات الأخيرة ديناميكية واهتماما أكاديميا لافتا بقضايا الحوار بين الأديان، يتجلى أساسا من خلال كثرة الدراسات والأبحاث والفعاليات والإصدارات العلمية الأكاديمية، مشيرا إلى نماذج بعض الكتب على غرار “تعايش الآلهة”، “الله وثورة الحوار”، “القس والإمام” وغيرها.
وفسر أسباب الاهتمام بقضايا الحوار في فرنسا بالتحولات والأحداث التي يعرفها المجتمع الفرنسي، خاصة في ظل بعض “الأحداث الإرهابية” التي كانت سببا في تبني ثقافة الحوار والمطالبة بضرورة الانفتاح، رغم بروز خلافات وخطابات إقصائية، خصوصا العنف والتوظيف السياسي للدين.
وخلص الباحث إلى أن الآفاق المستقبلية للحوار بين الأديان، تعتمد على تعزيز التفاهم المتبادل كهدف أسمى للحوار الديني، وتطوير برامج تعليمية لنشر ثقافة التسامح والتعايش، وتعزيز التعاون المجتمعي بين مختلف الطوائف الدينية، وتوسيع نطاق المبادرات لتشمل مزيدا من المجتمعات، مع تطوير منصات رقمية لتسهيل الحوار عبر الأنترنت.
الحوار.. عنصر حاسم
وخلال نفس المحاضرة التي عرفت مشاركة أساتذة وطلبة باحثين، من المغرب وخارجه، اعتبر عميد كلية أصول الدين، عبد العزيز رحموني، أن مجال الحوار والأديان ميدان علمي يفرض نفسه بقوة في الوقت الراهن، مشيرا إلى أن الكلية اعتمدت هذا الموسم تخصصا جديدا في سلك الماستر يواكب هذا التوجه، تحت اسم “ماستر الأديان والحوار الحضاري”.
وأوضح رحموني في كلمة خلال المحاضرة، أن الزخم المعرفي والأكاديمي الذي تعرفه كلية أصول الدين بتطوان، يعكس مستوى ورغبة الطلبة والأساتذة في خدمة البحث العلمي في مجال حساس ومهم في الحياة، وهو حوار الأديان، داعيا إلى الانفتاح أكثر على مثل هذه الفعاليات التي تعمق مستوى المعرفة بالآخر المختلف عقائديا وثقافيا وتكرس ثقافة الحوار معه.
من جانبه، قال مصطفى بوجمعة، منسق ماستر الأديان والحوار الحضاري بكلية أصول الدين، إن التجربة الميدانية التي عرضها الباحث يونس نويوار تدخل في صميم الأهداف العلمية لهذا الماستر، باعتبارها تمنح الطلبة نافذة على مشاريع واقعية في مجال دراساتهم في علم الأديان.
وشدد بوجمعة على ضرورة ترسيخ الحوار كثقافة جامعية ومجتمعية، في جميع الميادين، معتبرا أن الحوار في مجال الأديان عنصر حاسم في مد جسور التواصل وترسيخ التعايش المشترك والتسامح وقبول الآخر، لافتا إلى أن الخصوصية المغربية تتسم تاريخيا بالانفتاح وتقبل الآخر وبناء أسس مشتركة في مجالات مختلفة.
وأشار الأستاذ الجامعي إلى أن ماستر الأديان والحوار الحضاري يشتغل على مشاريع عملية في ميدان الحوار، تستند على أبحاث ودراسات ومبادرات مختلفة تهدف إلى ترسيخ قيم الحوار في المجتمع أولا، ثم تعزيز الانفتاح على الأديان والثقافات الأخرى بما يرسخ عالمية وإنسانية الدين الإسلامي، ورقي الثقافة والخصوصية المغربية.
المصدر: العمق المغربي