مشكلة السودان وأزمته في طرائق التفكير : جذورها وتأثيراتها
عوض الكريم فضل المولى
وحسن عبد الرضي الشيخ
منذ عقود ، يعاني السودان من أزمة عميقة تتجسد في طرائق التفكير التي تؤثر على تطوره السياسي والاجتماعي. يمكننا أن نرجع جذور هذه الأزمة إلى عدة عوامل فكرية وثقافية ، أبرزها السلفية الدينية والهوس الديني والفهم المتخلف للدين، إضافة إلى الطائفية والعشائرية والمناطقية. تتداخل هذه العوامل لتشكل تحديات جمة أمام النهوض بالمجتمع السوداني في مختلف جوانبه.
السلفية الدينية والهوس الديني
تشكل السلفية الدينية أحد أبرز مظاهر التفكير الذي ساد في السودان ، حيث يروج البعض لفهم ضيق ومتزمت للدين يقتصر على الظاهر دون النظر إلى عمق المعاني والمقاصد. هذا الفهم المتخلف جعل العديد من الأفكار الإصلاحية التي تنادي بالحرية الفكرية والتنوع الثقافي تتعرض للرفض والهجوم. في هذا السياق ، يتم إبعاد أي شخص يختلف عن التيار السلفي ويُتهم بالكفر أو الخروج عن الدين، مما يزيد من الفرقة والانقسام في المجتمع.
الفهم المتخلف للدين والطائفية والعشائرية
يؤدي الفهم الضيق للدين إلى تبرير الطائفية والعشائرية والمناطقية التي تُستخدم كأدوات لتقسيم المجتمع السوداني وإضعافه. في هذا الإطار ، يتم تعزيز الولاءات الضيقة على حساب الوحدة الوطنية ، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي والاجتماعي. ذلك أن الطائفية والعشائرية تخلق بيئة خصبة لنشوء الصراعات الداخلية التي تؤثر على استقرار الدولة وتطورها.
تشويه الفكرة الجمهورية
أحد أبرز الأمثلة على هذا التفكير المتخلف هو التشويه المستمر للفكرة الجمهورية ، وهي الفكرة التي نادى بها الأستاذ محمود محمد طه. هذه الفكرة تعتبر من أهم المحاولات الفكرية التي سعت لتطوير فهم الدين والتحديث في السودان. ولكن نتيجة للهوس الديني والتفسير المتشدد للدين ، تم دمغ الأستاذ محمود والجمهوريين بالكفر والخروج عن الدين. تم محاكمة الأستاذ محمود محمد طه بُعد اتهامه بالردة ، وكانت هذه المحاكمة تزييفاً للحقيقة ، حيث كان الهدف الحقيقي هو قمع الفكر المخالف الذي يدعو إلى التنوير والحرية.
تأثيرات هذه الأزمات الفكرية على السودان
إن هذه الأنماط من التفكير تؤثر سلباً على تطور المجتمع السوداني. فبدلاً من بناء مجتمع منفتح يعترف بالتعددية ويشجع على النقاش الفكري، تُفرض قيود على حرية التعبير والفكر. تُشجّع الهويات الضيقة والطائفية ، مما يعمق الفجوة بين الأفراد والمجتمعات المختلفة ويزيد من العزلة الثقافية. كما يُسهم في تصاعد التوترات السياسية والعسكرية التي عانى منها السودان على مرّ السنوات.
نحو تفكير أكثر انفتاحاً
من أجل تجاوز هذه الأزمة ، يحتاج المجتمع السوداني إلى مراجعة جذريّة لطرائق تفكيره ، والابتعاد عن الانغلاق الفكري والتعصب الديني. يجب أن تُشجع العقلانية والتعددية الثقافية والفكرية كقيم أساسية في بناء الدولة السودانية الحديثة. لا بد من فتح المجال أمام جميع الأفكار والآراء ، بغض النظر عن مصدرها ، شريطة أن تكون تلك الأفكار مبنية على أسس منطقية وإنسانية.
في النهاية ، لا يمكن للسودان أن يتحقق تقدمه إلا إذا استطاع أن يتجاوز هذه الأزمات الفكرية ويقبل بالآخر ، ويبني مجتمعه على أساس من الحرية الفكرية ، وقبول التنوع ، واحترام حقوق الإنسان.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة