مستقبل الاقتصاد الاسرائيلي… إلى أين؟
أمد/ الموازنة العسكرية كانت ومازالت العنصر المسيطر على الاقتصاد الاسرائيلي، بسبب وزنها الكبير في مجمل الناتج الاجمالي المحلي وموازنة الدولة، و هناك اجماع بين صفوف الاقتصاديين في اسرائيل أن انخفاض وتراجع الاقتصاد الاسرائيلي حقيقة لا يمكن منع حدوثها بسبب فاتورة الحرب وما يليها من ترتيبات عسكرية وأمنية وسياسة من أجل ضمان الأمن القومي الاسرائيلي على ضوء تجربة الحرب وما سبقها من أخطاء أشارت إليها عدة تحقيقات أجراها الجيش الاسرائيلي وجهات أخرى.
ومن الجدير بالذكر، أنه يعتبر حجم الانفاق العسكري الاسرائيلي بالنسبة لحجم الناتج المحلي الاجمالي هو الأعلى بين دول (OECD) بل يعتبر من بين الأعلى في دول العالم أسرها، فرغم أنه تقلص من ٣٠% من حجم الناتج المحلي الاجمالي عام ١٩٧٥م إلى ٥.٥% عشية حرب “السيوف الحديدية” عام ٢٠٢٤م، إلا أن سرعان ما نسبة الانفاق الأمني من الناتج المحلي ضاعفت من نفسها بل زادت عن ذلك، وبذلك باتت اسرائيل في مواجهة تحدي “العقد الاقتصادي المفقود”، الذي تلى حرب اكتوبر عام ١٩٧٣م، والذي أدخل الاقتصاد الاسرائيلي بأزمة التضخم والتراجع الذي وصلت ذروتها في أواسط الثمانينات من القرن الماضي، فهل سيكون بقدرة إسرائيل إعادة نسبة الإنفاق العسكري من الناتج المحلي لنسب منطقية خلال السنوات المقبلة دون الحاجة لسنوات طويلة من أجل فعل ذلك؟ أم أن الاقتصاد الاسرائيلي سيجنح إلى عقد اقتصادي مفقود آخر على غرار ما حدث عقب حرب ١٩٧٣م ؟
الأجابة على هذا التساؤل يتطلب تحليل لأداء حكومة بنيامين نتنياهو والإجراءات السياسية والاقتصادية التي تنتهجها لمواجهة هذا التحدي الكبير، ليس فقط بالجانب الاقتصادي بل الأهم بالجانب السياسي الذي يعتبر ترجمة لنتاج الأفعال العسكرية الدائرة الآن، وهنا تكمن المعضلة الأكبر للحكومة الاسرائيلية، الذي يعتمد رئيس وزرائها نتنياهو على الحلول العسكرية واستمرارية الحرب والقتال، مع اغفال الجوانب الأخرى للردود وفي مقدمتها الجانب السياسي، الأمر الذي بات محل انتقاد من غالبية المحللين السياسيين والعسكريين الاسرائيليين، وهنا يمكننا الإشارة إلى نقطتين تدور حولها أزمة حكومة نتنياهو الحالية في التعاطي مع هذا التحدي:
الأولى، طبيعة نتنياهو نفسه، الذي دوما يبتعد عن أخذ القرارات المصيرية ذات التأثيرات الاستراتيجية، وتمركزه دوما بفكرة إدارة الازمات الحالية، والعمل على المناورة بينها دون حلها، وهنا تبرز “عقيدة اللا حل” التي اشتهر بها نتنياهو، ليس فقط بالنسبة للقضية الفلسطينية، بل بكل القضايا المصيرية الإسرائيلية من قانون التجنيد، إلى القضاء وغيرها، والأمر الذي زاد من ابتعاد نتنياهو عن الحلول الاستراتيجية في هذه الفترة بالذات، وجود شركاء من اليمين الديني الاستيطاني الفاشي في الائتلاف الحكومي، استقرار الائتلاف مرتبط بهم بشكل أساسي وبقاء حكومته، هؤلاء الفاشيين كل ما يسيطر عليهم أفكار التهجير والضم والابادة الجماعية والتطهير العرقي للفلسطينيين، و يرفضون تقديم أي حل مهما كان للفلسطيني، حتى ولو كان المقابل التطبيع مع كل العالم العربي والإسلامي وفي مقدمتها السعودية، هذا التطبيع المرتبط باستثمارات ومشاريع كبرى تعيد للاقتصاد الاسرائيلي عافيته، حسب الرؤية الأمريكية لليوم التالي للحرب في الشرق الأوسط.
ثانيا، أزمة قيادات الحكومة الحالية باسرائيل، و تركيبتها الحزبية، التي ينظر كل حزب بها أنه ممثل لقطاع معين من المجتمع الاسرائيلي يسعى لخدمته وتوفير متطلباته حتي ولو على حساب المصلحة المجتمعية العامة للكيان، واكبر دليل على ذلك الحريديم الرافضين للتجنيد والمطالبين بزيادة موازنة قطاعاتهم، والأمر ينسحب أيضا على المستوطنين في الضفة الغربية، وخاصة مع تولي بتسلئيل سيموتريتش وزارة المالية، اللاعب الرئيس في تحديد موازنة الدولة، والمعادلة الأساسية في موازنة إسرائيل هي أن “الزيادة الكبيرة في الموازنات المجتمعية وبالرفاه مرتبطة بتقليص الموازنة العسكرية”، وهنا يرفض شركاء نتنياهو تقليص موازنات قطاعاتهم المجتمعية بالمطلق، بل يطالبون بتوسيعها، في الوقت أن موازنة الجيش والأمن تضاعفت، وهذا التضاعف ليس مرتبط فقط بفاتورة الحرب، بل أيضا مرتبط بما كشفته هذه الحرب من تهديدات متعددة يحتاج الجيش الاسرائيلي لمزيد من الانفاقات لتنفيذ خططه لمواجهة تلك التهديدات مستقبلا، خاصة أن هدوء بعض تلك الجبهات هدوء آني وليس دائم، وكل هذه الضغوطات الاقتصادية ستقع على عاتق الفئات الفاعلة في الجيش والاقتصاد، الأمر الذي سينتج دائرة مفرغة تغذي ذاتها بذاتها لتراجع الاقتصاد الاسرائيلي طالما بقيت الخارطة السياسية الاسرائيلية الحالية دون تغيير جوهري.