فيضان النيل الأبيض.. أضرار كبيرة واختلاف حول الأسباب
غمرت مياه فيضان النيل الأبيض أجزاء واسعة من ولاية النيل الأبيض التي تقع جنوب خزان جبل أولياء بجنوب الخرطوم.
وقال مواطنون من النيل الأبيض لراديو دبنقا إن مياه الفيضان اجتاحت منذ الأسبوع الماضي عددا من الجسور الواقية في “الجزيرة أبا” كما تسببت في كسور على الجانب الشرقي من المدينة مما أدى لغمر المدينة بالمياه.
وأشار المواطنون إلى أن السيول اجتاحت شبشة وود النجومي كما اقتحمت المياه مدينتي كوستي والدويم في النيل الأبيض وعدد كبير من القرى، وهددت مدينة القطينة.
ووصلت مياه النيل الأبيض إلى مسجد كوستي العريق وبعض المناطق المتاخمة للنيل، كما غمرت المياه منازل المواطنين. وأفاد عدد من المواطنين إن مياه النيل دخلت إلى مقابر مدينة الدويم.
الأوضاع تزداد خطورة
وقال عبد الله إسحاق من مبادرة ” انا متطوع انا الجزيرة أبا” لراديو دبنقا إن الأوضاع في الجزيرة أبا اليوم الأحد هي الأكثر خطورة، وأوضح إن مياه النيل الأبيض غمرت حي زغاوة والإنقاذ (مربعات 1، 2،3، 12)، والمزاد وارض الشفاء من الناحية الجنوبية والغربية. وأشار متطوعون إلى انهيار (قنطرة) خور الجعليين تماما بالمجرى الرئيسي للنيل.
وأوضح اسحاق إن عدداً كبيراً من الأسر نزحت من الأحياء بينما أخرجت أسر أخرى مقتنياتها تمهيدا لخروجها. وأكد إن عدد كبير من الأسر لجأوا إلى مسجد الكون بينما يفترش عدد كبير منهم العراء.
وأكد إن المياه غمرت المدرسة الجديدة وكلية الشريعة، واختلطت بمياه الصرف الصحي محذراً من كارثة صحية، كما أعرب عن مخاوفه من ظهور العقارب والثعابين جراء غمر المياه للوديان ومختلف المناطق.
وكانت مصفوفة تتبع النزوح التابعة لمنظمة الهجرة الدولية كانت قد كشفت عن نزوح 40 أسرة من الجزيرة أبا خلال الأيام الماضية.
والجزيرة ابا هي مدينة تاريخية انطلقت منها الثورة المهدية وتضم عشرات الآلاف من السكان، وبعد الحرب نزح إليها عدد كبير من الفارين من العاصمة ومن الجزيرة وجنوب النيل الأبيض مما يفوق طاقتها.
تباين حول الأسباب
حملت جهات عديدة وخبراء قوات الدعم السريع مسئولية غرق قرى ومدن النيل الأبيض بسبب عدم فتح بوابات خزان جبل أولياء، فيما حمل خبراء آخرون الحكومة مسئولية الغرق لعدم صيانة الجسور الواقية.
وقال المهندس أبوبكر محمد المصطفي خبير واستشاري البنية التحتية والموارد المائية والسدود لراديو دبنقا إن منسوب مياه النيل الأبيض كان أعلى في 2023 منه عن 2024، وعزا الفيضان لأن الجسور في مناطق النيل الأبيض تآكلت بفعل الامطار ام الصيانة.
وأكد الخبير المائي إن المشكلة الرئيسية في السد ليس في الإغلاق بل تتمثل في انعدام التأهيل والتطوير منذ إنشائه قبل 90 عاماً، وعدم توفر الصيانة الدورية، بجانب انعدام التشغيل والصيانة العادية. وأشار إلى عدم توفر معلومات موثوقة عن تشغيل بوابات الخزان من عدم او تشغيلها بالكفاءة اللازمة.
ولكن المهندس الطيب محمد الحسن المدير العام الوزير المكلف لوزارة البني التحتية والتنمية العمرانية بالنيل الابيض يرى أن مناسيب النيل الأبيض تجاوزت كل معدلات الأعوام السابقة، وعزا ذلك لإغلاق خزان جبل اولياء بسبب قوات الدعم السريع.
وأكدت مصادر بوزارة الري والموارد المائية بالسودان أن إغلاق خزان جبل أولياء، وغياب مهندسي الري بسبب سيطرة قوات الدعم السريع، قد أسهم في تدفق المياه بشكل هائل، مما عمق الفيضانات.
وفي ذات السياق قالت هيئة شؤون الأنصار للدعوة والإرشاد إن مدينة الجزيرة أبا تتعرض لكارثة الفيضان بسبب إغلاق قوات الدعم السريع لخزان جبل أولياء كما يقول الخبراء، مما عرض سكان الجزيرة للخطر.
من جهته قال حزب الأمة القومي إن ارتفاع منسوب المياه هذا العام ساهمت فيه عوامل كثيرة مما أدى لإغراق المنطقة، وهي غياب مهندسي الري في خزان جبل أولياء بسبب الحرب، وسحب الحكومة للآليات وفرق المهندسين المشرفين على الجسور والتروس الحامية للمنطقة منذ عقود، فضلا عن وجود امتدادات سكنية في جزء كبير من الأراضي الزراعية المنخفضة.
وفي المقابل قالت جمعية صيانة الجسور ودرء الكوارث أنها اجتمعت عدة مرات مع وزارة الري من أجل إعادة وحدة صيانة الجسور والياتها لإزالة الخطر المتكرر كل عام ولكن لم تلتزم الوزارة بإرجاع وحدة الجسور ولم تلتزم بتوفير اليات الطوارئ التي التزمت بها.
وحمل احمد درديق، امين الاعلام بجمعية صيانة الجسور ودرء الكوارث بالجزيرة أبا، وزارة الري والموارد المائية والجسور كامل المسؤولية عن الاضرار التي لحقت بإنسان الجزيرة ابا من تلف في الاراضي الزراعية والمباني.
في المقابل، يقول المهندس الطيب محمد الحسن المدير العام الوزير المكلف لوزارة البني التحتية والتنمية العمرانية بالنيل الأبيض إن الوزارة أوفدت أربعة فرق عمل لكل من لمناطق الدويم، شبشه، وكرة، الكوة، ابوشاتين، الجزيرة أبا والمناطق المجاورة لها، العباسية بكوستي، الطويلة، قلي، الفشاشويه، وكل مناطق الهشاشة. ونوه إلى أن فرق العمل ستعمل على الحماية وتأهيل التروس الواقية بهذه المناطق.
مطالبات وحلول
حمّل المهندس أبوبكر محمد المصطفي خبير واستشاري البنية التحتية والموارد المائية والسدود في حديث لراديو دبنقا الحكومة والدعم السريع مسئولية غرق مدن وقرى النيل الأبيض.
ودعا طرفي الحرب للاتفاق حول السماح للجهاز الفني بالوصول إلى الخزان وتقديم المعونة الفنية والمادية لإعادة التشغيل وفتح البوابات ليتم انسياب المياه والتشغيل وفق معايير السلامة. وأكد إن الحكومة ووزارة الري تتحمل المسئولية في الإشراف على الجانب الفني. ودعا طرفا الحرب للوصول إلى بروتوكول للتعاون وطلب المعونة الدولية خاصة أجهزة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمراقبة بالأقمار الاصطناعية.
وفي حال تعذر الاتفاق، دعا المهندس ابوبكر الدعم السريع لتوفير جهاز فني محلي أو بمعونة دولية لتشغيل الخزان مبيناً إن المسئولية المباشرة بموجب القانون الدولي تقع على عاتق الدعم السريع، واعتبر ما يجري تهديداً للحياة الإنسانية مما يرقى لدرجة الجرائم ضد الإنسانية.
من جانبه ناشد الأمين العام لهيئة شئون الأنصار عبد المحمود ابو الجهات المسئولة والمنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة ومنظماتها ذات الاختصاص ومنظمات العون الإنساني والخيرين لنجدة أبا وانقاذها من الغرق، كما ناشد القوات المسيطرة على الخزان بالسماح لمسئولي الري والخبراء والفنيين أن يقوموا بفتح الخزان.
في ذات السياق، طالب حزب الأمة الطرفين المتقاتلين بضرورة تمكين مهندسي الري من الوصول إلى منطقة الخزان لتمرير المياه لخفض منسوب النيل من أجل لإنقاذ المواطنين في قرى ولاية النيل الأبيض.
مخاطر ومحاذير
يقول المهندس أبوبكر محمد المصطفي خبير واستشاري البنية التحتية والموارد المائية والسدود في حديث لراديو دبنقا إن خزان جبل أولياء قديم بدأ تشييده بواسطة مصر في 1933 انتهى عام 1937، وأشار إلى تسليمه للحكومة السودانية عام 1978.
وأوضح إن طول الخزان يبلغ 3 كيلومترات وعلوه 22 متراً، كما أن ارتفاع 381 متر فوق سطح البحر، مشيراً إلى أنه مشيد بالحجارة الرملية بتقنيات قديمة تعود إلى القرن التاسع عشر.
وقال إن السد به 50 بابا لتصريف المياه عشرة منها 10 احتياطية وهي أبواب ميكانيكية قديمة وتحتاج للصيانة كما أن الجسور الترابية للخزان تحتاج للصيانة
ونوه إلى ضعف الاهتمام بالخزان منذ تسليمه للجانب السوداني وأكد في الوقت ذاته إن عدم الاهتمام زاد منذ خمسة أعوام خاصة خلال فترة الحرب مشيرا إلى اخلاء الجهاز الفني من السد.
وحذر المهندس أبوبكر محمد المصطفي من انفجار السد بفعل الاعمال الحربية مثل القصف الجوي أو المدفعي، وأضاف حتى لو تم يصب القصف جسم الخزان فإنه سيتعرض للآثار الاهتزازية والارتدادية لأنه مبني من الصخور الرملية. كما حذر من تعرض السد لانهيار فجائي بسبب الاعمال الحربية او عدم الصيانة او الرقابة. وأضاف إن ذلك يمكن أن يؤدي إلى موجات تصادمية بارتفاع 22 مترا يمكن أن تؤثر على المناطق التي تقع على النيل حتى سد مروي وتعرض حياة 13 مليون نسمة إلى الخطر.
مبادرات
نشط الاسبوع الماضي، عدد من المبادرات في ردم الكسور بالجزيرة أبا. وقال متطوعون من مبادرة “انا متطوع انا الجزيرة أبا” لراديو دبنقا إن مئات المتطوعين من مختلف الأحياء ردموا كسراً في سد الجاسر يمتد لكيلومتر ب 300 جوال ممتلئ بالتراب، بينما نشط متطوعون من أحياء الطيارات والرحمانية في ردم الكسر الرئيسي في الناحية الشرقية.
وقال إن المبادرات اعتمدت على الجهود الشعبية في توفير القلابات ومعدات الردم وترحيل المتطوعين، موجها انتقادات لغياب الجهات الرسمية.
المصدر: صحيفة الراكوبة