اخر الاخبار

سينبعث المشرق العربي حتما أمد للإعلام

أمد/ ليس ضربا من التنبّوء ولا دربا من التهيوء ولا تفاؤلا زائدا.. وليس تسريبا من لدن إنس أو جنّ.. إنما هي قراءة واقعية منطقية علمية للإحداث الدائرة في المشرق العربي مركز الكون ومركز صراع الحضارات مهد النبوات الشاهد على المنتصر والمندحر.. ومن جديد نعود لتدبر عبقرية المكان في مواجهة التحديات المستجدة.. إنها قراءة على لهيب نار الألم والمعاناة التي تمر بها أمتنا، لاسيما في فلسطين..

استعادة أهم عناصر النصر:

إنّ التسخين عبر الصدامات العنيفة الحادة في المشرق العربي من العراق إلى سورية وفلسطين ولبنان يكفي تماما لكي ينقشع الغبار وينزاح الصدأ وتطهّر العيون من القذى فتصبح الأشياء واضحة تماما، كما لم تتضح منذ قرون فلقد سكبت الأمة هنا الدماء بغزارة وقدمت تضحيات غير مسبوقة.. ان المسلمات السابقة التي حاولت ثقافة التبعية وثقافة الخنوع ان تجعلنا ننطلق منها وتلك المسلمات التي تسربت الينا على مراحل انهياراتنا الحضارية منذ سقوط الاندلس.. كل ذلك سقط فهي لم تصمد في تفسير الظواهر ولم تستطع أن تزودنا برؤية لما هو واقع حقا.. سقطت في هذه المرحلة الاخيرة اذ استطعنا استرداد أهم عناصر الخروج من قيود الهزيمة والذل والانكسار.. انه عدم الركون للدعة والارض وانتقالنا الى مستوى بذل الارواح وعدم الخشية من الرحيل عن هذه الدنيا بل لعل القوة الروحية الهائلة والمنتشرة تفيد بوضوح ان ما عند الله خير وأوفى.. وبهذا نستعيد المبادرة التاريخية التي رافقت البعث الاسلامي الأول حيث كانت الارادة وليدة الايمان والوعي هي قاعدة الانطلاق الحقيقية.

ان جيل المقاومة الفلسطينية لاسيما خلال 14 شهرا الأخيرة قدّم للأمة نموذجا قدوة يعطي تضحياتنا في العراق ولبنان وسورية وقبل ذلك في الجزائر حيث قدمت أمتنا ملايين الشهداء وعشرات الملايين المتضررين.. وبهذه الملحمة الكبيرة الطويلة تكسر التشبث بالحياة وتعزز التشبث بالكرامة والعزة والحرية.. وهنا نستطيع القول بوضوح أن البيئة الصالحة قد توفرت لمشروع النهضة وهذه القاعدة الأساس المتمثلة في بروز قيمة الارادة وعقيدة الحرية والكرامة..

في فلسطين والعراق واليمن وسورية ولبنان لم تعد المقاومة عملا نخبويا او فصائليا انما حالة عامة انخرط المجتمع كله فيها برضاه حينا او بتحصيل حاصل حينا فكانت المقاومة في هذه البلدان العربية هي المطهرة للمجتمع والنفس بحيث أصبح المعنى المراد هو الأبرز وتسامت المعاني القيمية وأظهرت سعوبنا قدرة متميزة في الصبر والعناد مقرونة بالانتصار على السلبيات النفسية والعقائدية.. وهنا من جديد تبرز قيمة ان تقدم المعاني والقيم على الحياة الدنيا ولعل هذا المعنى لم يكن بارزا على مستوى عام في أمتنا وشعوبها حيث تلقت الانكسارات والهزائم بفعل الهجوم الاستعماري العسكري والثقافي والمادي قرونا من الزمن.

لقد كان السؤال الكبير الذي يتسلل بذكاء الى عقولنا ونفوسنا ماذا ينقصنا للنهوض والانعتاق؟ وكثرت الإجابات والتفسيرات ولكن معظمها نهج سبيل الكلام الفلسفي والفكري البارد حيث أحيلت الى بعض العناصر المادية او العلمية المادية وأحيانا على الوعي السياسي والثقافي، وبالتأكيد نحن هنا لا نقلل من أهمية ذلك كله وضرورة حضوره، ولكن بلا شك يمكن أن تكون تلك الإجابات ترضي بعض المحللين والمثقفين لكنها تقف عاجزة عن إحداث الانعطافة التاريخية بل اتجهت أحيانا بأصحابها الى التنازلات والهزيمة النفسية أمام قوة العدو.. ولم تتمكن الإجابات الكثيرة المتنوعة ان تزود الناس بمبرر حقيقي للانطلاق نحو مستقبل الانتصار.. ولقد كتب مفكرون وباحثون مسلمون كتبا وأبحاثا عديدة للإجابة على هذا السؤال دون جدوى فاعلة فلقد كانت الاجابات باردة لا تلامس نقطة الانطلاق ولم تملك مفتاح التفعيل للطاقات الكبيرة.. ولذلك ظلت المحاولات معزولة عن الحاضنة الطبيعية ممثلة بشعوبنا ومجتمعاتنا، وفي ذاتها تعطلت قوة الدفع لدى النخب رغم محاولاتها نظريا فهم والاعداد لمراحل النهضة.. واستمر مسلسل التجارب والاخطاء متحكما في مسيرة مشاريع النهضة العربية والاسلامية والاجتماعية.. ومن هنا نكتشف الجديد في الملحمة الاخيرة وكيف حولت نار المواجهات الى تجديد معان كانت هي اهم اسباب انطلاقنا الحضاري الاول.

الانبعاث العربي من جديد:

لعلنا نستطيع بوضوح تحديد عناصر الاستطاعة والقدرة في نهوض العرب وهي تسكن الوجدان والقلب والوعي وقد كان لها عندما توفرت أن أحدثت التغييرات الإقليمية بل والعالمية ولأسباب جيواستراتيجية ودواعي نفس اجتماعية تميز العرب بأن لهم سبيل وحيد للانتصار والنهوض وان هذا السبيل متجذر في نفوسهم وهو الذي أعطى حركية الإسلام الأكتاف المناسبة التي حملته باقتدار فكانت العالمية العربية الإسلامية الأولى.. ولئن استطاعت القيم الجمالية “الغيرة والنخوة” قبل الإسلام ان توحدهم في معركة تاريخية ضد الفرس في موقعة ذي قار وان تسمح لهم بتسجيل انتصار ذي أهمية بالغة في النفسية العربية.. وفي حركية الإسلام توسعت منظومة القيم وأصبح ارتباطها بعقيدة التوحيد وليس بسطوة المجتمع وقيمه فقط.. أعظم هذه القيم ان الجهاد في الدفاع عن الحقوق وضد الظلم لا يقصر حياة ولا ينتهي بموت فالأجل حارس فان جاء لا يستقدمه أحد أو يستأخره وهو في لا ينتهي الى عدم إنما لحياة الخلود في كنف الرضا الإلهي.. فأصبح المؤمنون يتسابقون على الموت في سبيل الله فكانت هذه هي القوة الأساسية والتي في بوتقتها تصبح العناصر الأخرى ذات قيمة وفاعلية.

من الواضح ان هناك جملة مفاهيم تنبثق من العقيدة العميقة وهذا ما يمنح المفاهيم قدرة وسلطة على السلوك الفردي والمجتمعي فليس للفرد حرية التصرف تجاه هذه القيم بل هو يصبح مخلا ومتجاوزا ومخطئا بل جاهليا ان عبث بأي عنصر من عناصر المفاهيم التي حدد معالمها الاسلاممنهج الحياة وعلى رأسها أن الناس سواسية أمام التكاليف والواجبات والفرص، وان اكرمهم عند الله اتقاهم أي اكثرهم حرصا على النفع العام للناس والابتعاد عن المفاسد والمظالم.

العرب ليسوا قوما فحسب كما ان بلادهم ليست ارضا فقط.. ان العرب بسابقتهم العملية في حمل رسالة الاسلام يكتنزون روحا منتصرة وادراك بقدوات تاريخية وذكريات تمنحهم من اليقين والاحتماء من الهزيمة الروحية ما يجعلهم قريبين من العودة الى المنبع الصافي.. ثم انهم اصبحوا بفعل حركية الاسلام في العالمية الاولى سدنة الاسلام والمسؤولين تاريخيا عن مستقبله.. وان ارضهم تحوي كل مقدسات الاسلام الكعبة والمسجد النبوي والمسجد الاقصى والارض المباركة وهذه الارض لم تكن جدباء في يوم من الايام بل كانت مزودة في كل العصور بما يجعلها متميزة على المستوى العالمي وقد تمكنوا من نشر الاسلام مشرقا ومغربا وانخرطت شعوب الجوار معهم في صياغة العالمية الاولى..حتى اصبحت الكتلة الاسلامية هي الاكثر تماسكا دينيا بل والاكثر حضورا في فاعليتها وحراكها النشط.

في هذه المنطقة العربية المتوسطة في العالم تنشب اخطر معركة يخوضها النظام الدولي الجديد وتستنفر العصابة المالية الضخمة التي توظف الأديان والمذاهب والانحلال والإعلام والسلاح والعلم وكل شيء من اجل السيطرة على العالم مع إدراكها انه لابد من حسم المعركة مع الخطر الحقيقي الذي يتهدد مستقبلها القريب او المتوسط على ابعد احتمال انه الإسلام في بقعته الأساسية وهنا لابد من تأمل حجم الخسائر التي يمنى بها النظام الدولي في معاركه المتتالية في المنطقة وفي المقابل كم يبلغ تنامي الروح المتحررة من الوهن وانبعاث روح التحدي والقطيعة مع النموذج الاستعماري وفضحه على كل المستويات حتى داخل المجتمعات الغربية.. ويكفي نظرة سريعة للمشهد لنرى أي اهتمام يبلغه حرص الدوائر الاستعمارية بالمنطقة وتدخلاتها الفجة والمتسارعة.. وكم هي مهمة تخبطات الإعلام الاستعماري وخيبة أمل اللصوص في تمرير روايتهم في شعوبهم.. الامر الذي أوقف قطاعات كبيرة من المجتمعات الغربية أمام التساؤل الكبير: لمصلحة من يدفعون اموالهم؟ وعلى الصعيد الانساني استطاعت مظلمة الشعب العراقي والفلسطيني بشكل خاص كسر سطوة الرواية الصهيونية المقدمة خلال الاعلام الغربي.

المرحلة التاريخية الفاصلة:

رغم كل ما يبدو على السطح من ألم وتبعثر عربي بل وتجارب فاشلة في كثير من البلاد العربية، ورغم أن الأثمان التي تدفعها الأمة باهضة إلا أن الهزيمة لم تعرف سبيلا إلى الأمة الأمر الذي يدفع الأعداء الى المبالغة في الكشف عن حقيقتهم العنصرية العدوانية وانتهاج سبل التدمير والإبادات الجماعية.. ولكن مما لاشك فيه انهم فشلوا في مبتغاهم الحقيقي وهو تحييد الأمة وإخراجها من مسرح الحياة، صحيح ان المعركة لم تنته لصالحنا تماما ولكن أيضا صحيح كذلك انها لم تنته بعد وان اشتباكنا مستمر وحتى ان الهدنة المفترضة لا تحمل الا الشك والتربص والاحتمالات الكثيرة للاشتباك. كما أنه لابد من التذكر أن هذه الملاحم الرهيبة ارتقت بمشاعرنا الأخوية وبوعينا الأعمق بطبيعة عدونا كما أنها منحتنا فرصة للتأكد أنه بإمكاننا إيلام العدو وتوقيف هجمته وان لدى الأمة القدرة الذاتية رغم كل شيء على تسجيل بطولات نادرة وصمود أسطوري.. وهذا كله له قيمة في الجولات القادمة الحاسمة.

ان يقوم الشعب اليمني بهذه الصولات العظيمة تعبر بوضوح ان هؤلاء العرب استعادوا روحهم وكذلك الحال للشعب اللبناني كما أن العراقيين الذين قاموا الاحتلال الأمريكي وطردوه لم ينكسروا امام الخديعة التي ساقت إليهم على ظهر الدبابة حكام لا يدركوا روح الأمة وليسوا في مستوى طموحها فالعراقيون لم يترددوا في الاشتباك ضد العدو الصهيوني والمطالبة بتحرير أرضهم والأمر نفسه يقال عن لبنان المكبل بأوضاع راهنة مختلة من توزع طائفي.. وهكذا يجب النظر الى انعتاق الشعب السوري من حكم جائر عطل قدرته وإراداته وحاول كسر روحه وتحطيمه فها هو يخرج معبرا عن حريته التي تقوده حتما لتحسس مسؤولياته وعلى رأسها فلسطين الجزء العزيز من بلاد الشام..

أكيد أن المعركة لن تنتهي غدا مع الكيان الصهيوني، وربما يتم توقفها مرحليا لسنة او عشرة ولكن ما تركته هذه الملحمة في نفوس أبناء الأمة وروحهم وما قدمته لهم من نماذج بطولة وإقدام وفداء وتضحيات كانت مهمة جدا لإعادة صياغة مشاعر الأمة ومعرفة العدو أكثر عمقا..

المشرق العربي قادم على معارك أكبر ولن يستثنى من المشرق العربي أي بلد وستكون مصر جزأ أساسي في المعركة القادمة لأنه بدون مصر لن تكون حرب تحرير ولا نهضة للعرب، وسيتمدد الاشتباك الى المغرب العربي بالضرورة والذي يخوض معارك من أنواع أخرى في هذه المرحلة الحاسمة حيث يحاول الاستعماريون إلقاء قنابل صوتية ودخانية ليعطله عن المعركة الجوهرية وان كان وجدانه ووعيه مرتبط تماما بما يجري على ارض فلسطين..

ايران وتركيا لن تكونا بعيدتين عن الملحمة في بلاد الشام والعراق واليمن.. و لئن انتكست إيران بعد خروجها من سورية وشعرت بخسارة حليف أنفقت على صداقته الكثير من ثرواتها.. إلا أنها لن تتنازل عن القضية الفلسطينية ولا عن ما بذلته في المنطقة العربية وان كان الأمر يحتاج منها إلى تأمل في التجربة السابقة وإعادة ترتيب الخطاب والخطة بحيث تصبح أقل استفزازا للمنطقة، وأما تركيا فرغم عدم صفاء التوجه ومغامراتها الإقليمية إلا أنها تدرك ان البعد العربي أساس لمستقبلها فلا قضية نهضة يمكن ان تحدث دون محرك ودون قضية والعرب هم من يمتلك القضية الأقدس والمحرك الأنجع.. وهنا لعل تركيا تستطيع ترتيب موقفها بما فيه التناصر مع العرب في القضايا المشتركة وهكذا يصبح المشرق العربي موحدا للجار الإسلامي التركي والإيراني بعد أن أصبح واضحا لكلا الجارين فشل مشروعهما الإقليمي القائم على استبعاد العرب، وهذا سيكون دربا لا بديل عنه إمام إيران وتركيا في الانخراط في مشروع نهضة وحضارة تمثل الكتلة العربية 400 مليون نسمة مركزه الضامن لسلامة مسيرته واتجاهه.. ولن تجد إيران وتركيا بديلا عن ذلك بعد أن تكون كل منهما قد كبحت جماح طموحها الإقليمي.. “والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا”..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *