حي حسان الجنوبي بالرباط .. قلب العاصمة المظلم في “مدينة الأنوار”
في إطار البرنامج الملكي الطموح “الرباط مدينة الأنوار: عاصمة المغرب الثقافية”، الذي يروم تحويل العاصمة إلى واحدة من كبريات الحواضر العالمية، تم إطلاق سلسلة من المشاريع الاستراتيجية لتحسين البنية التحتية، الحفاظ على البيئة، تثمين التراث وتعزيز جودة حياة السكان. هذه الرؤية، التي أطلقها الملك محمد السادس، تتجسد في مشاريع تهدف إلى تعزيز جمالية المدينة، تطوير تجهيزات النقل وتوفير خدمات القرب بشكل يليق بعاصمة المغرب.
ورغم الإنجازات الكبيرة التي تحققت في إطار هذا البرنامج، إلا أن بعض الأحياء الأساسية، على رأسها حي “حسان الجنوبي”، ما زالت تواجه تحديات تهدد هذه الرؤية الطموحة.
يقع حي حسان في القلب الاستراتيجي لمدينة الرباط، ويحتضن معالم بارزة كمقام ملوك المغرب، إلى جانب مؤسسات سياسية ودبلوماسية وإدارية. كل هذه العوامل تجعل منه واجهة المدينة، لكنه يعاني من مشاكل تعكس غياب الاهتمام الكافي من طرف الجهات المسؤولة.
حي “حسان الجنوبي” بات رمزًا للفوضى والتسيب، مع تدهور ملحوظ في البيئة الحضرية وعدم احترام المعايير البيئية، مما يناقض التزامات المغرب الدولية في هذا المجال. كما أن هذا الحي، الذي يُفترض أن يعكس رؤية البرنامج الملكي، يعاني من تدنٍّ في مستوى الخدمات وسوء تنظيم عمراني، مما يسيء إلى مظهر العاصمة ويؤثر سلبًا على جودة حياة السكان.
الأوضاع في هذا الحي لا تنسجم مع مقتضيات الفصل 31 من الدستور المغربي، الذي يكفل للمواطنين الحق في السكن اللائق وفي بيئة سليمة. كما أن استمرار الوضع على ما هو عليه يعكس تراجعًا في الجهود المبذولة لتحقيق التنمية الحضرية المتكاملة، التي تعد جوهر رؤية “الرباط مدينة الأنوار”.
المطلوب اليوم هو تدخل حازم من السلطات المسؤولة لتأهيل هذا الحي وضمان انسجامه مع المعايير التي يضعها البرنامج الطموح. فقط من خلال هذه الخطوات يمكن أن تستعيد الرباط بريقها كمدينة تنبض بالثقافة والجمال، وتجسد طموحات المملكة في تحقيق تنمية حضرية مستدامة وشاملة.
حي سكني أم صناعي؟
رغم أن الأصل في حي “حسان الجنوبي” أن يكون حيًا سكنيًا هادئًا، إلا أنه تحول للأسف إلى منطقة شبه صناعية بسبب انتشار عشوائي لمحلات إصلاح السيارات ومهن أخرى ذات طبيعة “ضجيجية”، ما أضر بشكل كبير بجودة حياة الساكنة.
وتحدث أحد سكان الحي، فضل عدم ذكر اسمه، عن وجود “محلات لإصلاح السيارات، تعمل بشكل عشوائي وسط الأزقة، محدثة ضوضاء متواصلة وكلمات غير لائقة طيلة ساعات العمل”، مؤكدا أن “هذا الوضع لا يقتصر على التلوث السمعي فحسب، بل يشمل أيضًا تصاعد الدخان الكثيف والملوث الناتج عن السيارات، ما أجبر السكان على إغلاق نوافذهم وكأنهم يعيشون في زنزانات محرومين من التهوية الطبيعية”.
وأضاف المشتكي أن “تفاقم المشكلة يتجلى أيضًا في ضيق مساحات هذه المحلات، ما يدفع أصحابها إلى احتلال الأرصفة والأزقة المحيطة، الأمر الذي أدى إلى انتشار زيوت المحركات والمحروقات المتسربة على الطرقات، مسببًا تلوثًا بيئيًا خطيرًا”، مبرزا أن “الأضرار لا تقف عند هذا الحد، بل طالت المباني السكنية التي أصبحت تغطيها طبقات من السواد، ناهيك عن الروائح الكريهة والغازات الضارة التي تؤثر مباشرة على صحة السكان”.
وأردف قائلا: “الأخطر من ذلك هو أن بعض هذه المحلات تعمل في طلاء السيارات باستخدام مواد كيميائية سامة ومخصصة أساسًا للمصانع المغلقة، ما يشكل تهديدًا خطيرًا لصحة الإنسان وفق ما أكدته الجهات القضائية المختصة. بالإضافة إلى ذلك، يتم استخدام غازات ومواد قابلة للاشتعال يفترض أن تُستخدم في مواقع صناعية مؤمنة، وهو ما يعرض الحي لخطر حدوث انفجارات أو حرائق قد تكون كارثية في أي لحظة”.
وترى ساكنة الحي أن هذا الوضع المتردي يتطلب تدخلًا عاجلًا من السلطات المعنية لفرض تنظيم صارم والحد من هذه الفوضى، حماية لحقوق الساكنة في العيش في بيئة سليمة وآمنة كما ينص عليه الدستور.
ملاذ للفوضى والانحراف
لا يشتكي سكان الحي من هذا الوضع فقط نهارا، فما إن تقفل المحلات أبوابها حتى تجدهم مع معاناة من نوع آخر، وقال مشتك ثان بهذا الخصوص: “أصبح الحي ملاذًا للمشردين وهواة الانحراف الذين يحتلون أزقته لممارسة مختلف أشكال العربدة والسلوك المشين. تتنوع هذه المظاهر بين شرب الخمر، تعاطي المخدرات، وإقامة تجمعات صاخبة تتخللها المشاجرات والكلام البذيء”.
وتحدث المصدر ذاته عما وصفه بـ”الشجرة الملعونة” داخل المنطقة، وهي شجرة كبيرة تقع في قلب مفترق طرق داخل الحي، كان يُفترض أن تكون عنصرًا طبيعيًا يضيف لمسة جمالية وبيئية، “إلا أنه تحت هذه الشجرة، يجتمع العديد من الأشخاص للسهر وشرب الكحول وتعاطي المخدرات، مما يجعلها مصدرًا دائمًا للإزعاج، وسط تجاهل السلطات المسؤولة رغم البلاغات المتكررة من السكان”.
وقال مشتك آخر إن “هناك قطعا أرضية فارغة في شارع مولاي إسماعيل، كان من المفترض أن تكون محاطة بأسوار لحمايتها أو مهيأة لاستغلالها في أنشطة منظمة، لكنها تحولت إلى قاعات مفتوحة للسُكر والعربدة وأوكار للفساد، مما يضاعف من معاناة سكان الحي”.
المصدر: هسبريس