اخر الاخبار

البرّ بالوالدين في الإسلام

 الوالدان في الأسرة لهما مكانة كبيرة، أما عن مكانة الأم في الأسرة المسلمة، فهي مكانة عظيمة أوصى بها الله تعالى في آياته الكريمة، كما أوصى بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم في أحاديثه للمسلمين. أما عن مكانة الوالدين، فقد أشار الله تعالى إليها بقوله: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}.

أمر الله تعالى بعبادته وحده لا شريك له، ثم قرن بهذه العبادة برّ الوالدين والإحسان إليهما، حتى ولو كانَا مشركين؛ يقول تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}، إلا أن الله تعالى أوصى بالأم وصية خاصة لما تلاقيه من عناء كبير وجهد عظيم، ونكران ذات في تربية أولادها التربية السليمة؛ يقول تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ}.

وكذلك أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بإيثار الأم في أحاديثه الكثيرة، فقد قدم رجل على رسول الله صلّى الله عليه وسلم يسأله عن أحق الناس بصحبته، فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك”. كذلك روى ابن ماجه أن رجلا قال: يا رسول الله، ما حق الوالدين على ولدهما؟ قال: “هما جنتك ونارك، وهذا يعني أن رضاهما يدخله الجنة، وسخطهما يدخله النار”.

وبذلك كان من أهم تعاليم الإسلام بر الوالدين وخاصة الأم، فإذا قام الإنسان على تربية أبنائه، فلا ينتظر مقابلا لذلك سوى البر والإحسان في الشيخوخة حينما يجف عوده، وينحني ظهره، لا أن يرسل الأبناء بالآباء إلى دور المسنين، أو يجافوهم، وإنما يصلونهم ويبرّونهم.. لأنه من سنن الحياة: “كما تدين تدان”.

فقد حض الإسلام الولد على طاعة والديه فيما لا معصية فيه، وجعل الله تعالى للمسلمِ الذي يطيع والديه فيما لا معصية فيه أجرا عظيما في الآخرة، بل من الناسِ من أكرمهم الله بأشياء في دنياهم قبل آخرتهم بِسبب بِرّهم لأمهِم كبلال الخوّاصِ رضي الله عنه الذي كان من الصالحين المشهورين.

فمن أراد النجاح والفلاح فليَبَرَّ أبويه، فإن بِر الوالدين بركة في الدنيا والآخرة. فكم هو عظيم بِر الوالدينِ، وكم هو عظيم بِر الأمهات وبِر الآباء. وكم هو عظيم عند الله ثواب برهم.
وإن عقوق الوالدين من الكبائر التي توعد الله فاعلها بالعذاب الشديد في النار. ومعنى العقوق أن يؤذي والديه أذًى ليس بهين، ومع ذلك فإيذاء الوالدين سواء كان أذى شديدا أو خفيفا فهو حرام. ومن الأمثلة على العقوق شتم الأم أو الأب أو ضرب الأم أو الأب أو إهانتهما أو أحدهما ولو بتأفف يسير.. {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}.

ومع الأسف فإن كثيرا من الأبناء يعاملون آباءهم وأُمهاتهم معاملة غير حسنة، ويغلظون لهم القول ولا يعاملونهم بالأدب والاحترام، بل يصل بهم الأمر أحيانا إلى حد الشتم والضرب…
وليُعلَم أن عذاب عقوق الوالدينِ عند الله تعالى عظيم حيث إن عاقهما لا يدخل الجنة مع الأولين، بل يدخلها بعد عذاب شديد مع الآخرين، وذلك لأن هذا الذنب هو من كبائر الذنوب، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “لا يدخل الجنة عاق”، أي لا يدخلها مع الأولين وليس المعنى أنه كافر محروم من الجنة.

وإذا حصل منهما ما يتأفف منه وجب أن يكون النصح لهما بالقول اللين الحسن الوقع في نفسيهما وهو ما يوضحه قوله تعالى: {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا}، والكريم من كل شيء الرفيع من نوعه، وتأتي بعد ذلك ترجمة القول الكريم إلى فعل في قوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذَّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ}، وهو أمر بالتواضع لهما إلى درجة التذلل لأنهما في حالة الكبر يحتاجان إلى معاملة خاصة وإلى دلّال كما يكون شأن الصغار.

ومن الإحسان إليهما أيضا أمر الله عز وجل بالدعاء لهما في قوله عز من قائل: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}، ويفيد قوله تعالى: {قُلْ} ادع لهما بالرحمة في حياتهما وبعد مماتهما، وهو دعاء مستمر يكون كل وقت وحين خصوصا عندما يكون العبد أقرب إلى ربه وهو ساجد أو في الأحوال التي يستجاب فيها الدعاء. اللهم اغفر لي ولوالدي، وارحمهما كما ربياني صغيرا، وأجزهما بالإحسان إحسانا، وبالسيئات غفرانا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *