أطباء يستعجلون وهبي في إخراج مدونة المسؤولية وإنهاء “تعويضات خيالية”
من أجل توضيح الخطوط الفاصلة بين المضاعفات الناتجة عن التدخلات الطبية والجراحية والأخطاء المرتكبة خلالها، والجرائم، وإنهاء حقبة الحكم بتعويضات “خيالية” تقارب المليار سنتيم أحيانا، وضع أطباء مراسلة لدى وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، أول أمس الأربعاء، من أجل التعجيل بإخراج “مدونة المسؤولية الطبية” إلى حيز الوجود.
هذه المراسلة التي وجّهها الائتلاف المغربي لأطباء القطاع الحر حثّ فيها وزير العدل على “العمل سويا لإخراج مدونة المسؤولية الطبية”، كاشفا أنها “ستكون المؤطر للعمل والمسؤوليات في مجال الصحة، كما هو الحال في مجموعة من الدول”، و”ستمكن من تفادي الاعتماد على القانون الجنائي في محاكمة الأطباء على مضاعفات حدثت أثناء مزاولتهم مهنتم”.
ونبّه أطباء القطاع الحر، في المراسلة التي توصلت جريدة هسبريس الإلكترونية بنسخة منها، إلى أنه في ظل “الفراغ القانوني الحالي يتطلب الجزم بحدوث الخطأ الطبي من عدمه إجراء أبحاث طبية وتقنية وقانونية”، مبرزا أن “الاجتهاد القضائي والتقييم الجزافي للتعويضات يؤديان أحيانا إلى صدور أحكام قاسية، وتعويضات قد تثير الدهشة”.
وأكد الائتلاف سالف الذكر لعبد اللطيف وهبي أن “إرساء منظومة عادلة للمسؤولية الطبية من شأنه تيسير عمل المحاكم عن طريق تحديد مسؤوليات وواجبات كل من المريض والطبيب والمصحة؛ مع التمييز بين المضاعفة والحادث والخطأ الطبي والجريمة، وتحديد طبيعة ونسبة الضرر بدقة”، مضيفا أنه “بواسطة مدونة المسؤولية الطبية سيتم تقنين التعويضات وتفادي التقييم الجزافي للضرر، كما هو الحال بالنسبة لمدونات حوادث السير والشغل”.
اعتبارا لذلك، “وضمانا لسيرورة العمل في جو من الاحترام والمسؤولية بين الطبيب والمريض والمصحة، وكذا باقي مهنيي الصحة، بعيداً عن الابتزازات والمغالطات”، يدعو الائتلاف وزير العدل إلى العمل سويّة على إخراج المدونة المذكورة، مشددا على أن “الطابع الاستعجالي الذي يكتسيه هذا الملف يجعل التعامل معه ضرورة ملحة، خاصة في ظل ما تعرفه المنظومة الصحية بالمغرب من تغيرات تتمثل في إرساء قوانين جديدة”.
محمد أمين أوزيف، الكاتب العام للائتلاف الوطني لأطباء القطاع الحر، قال إن “هذه المراسلة جاءت في ظل وجود فراغ قانوني في تنظيم المسؤولية الطبية بالقطاع الصحي، وتصاعد عدد الدعاوى التي توجه ضد الأطباء بشأن الأخطاء الطبية، وتكون في بعض الأحيان مضللة وبلا أساس”.
وأضاف أوزيف، مصرحا لهسبريس، أن “الهدف من المدونة المنشودة هو تحديد مسؤولية وحقوق وواجبات كل من الطبيب والمصحة والمريض، وحقوقهم، والفرق بين المضاعفات العادية الناتجة عن تناول دواء أو عملية جراحية، والأخطاء وغيرها”.
وأشار الكاتب العام للائتلاف الوطني لأطباء القطاع الحر إلى أن “الأحكام التي تصدر في حق الأطباء في هذا الجانب قاسية؛ فرغم أنها لا تصل إلى العقوبات السالبة للحرية فإنها تقضي بتعويضات جزافية خيالية، فمثلا طبيب في الناظور حكمت عليه المحكمة بتعويض قيمته مليار سنتيم”، مردفا: “من غير المنطقي أن يجري الطبيب عملية بـ1500 درهم أحيانا، وبفعل خطأ طبي قد ينتج عن رجفة من المريض خلال العملية، يؤدي تعويضات تفوق هذا المبلغ بعشرات الأضعاف”.
واستحضر الطبيب عينه أنه “عند وقوع حادثة سير مثلا يكون التعويض عن الوفاة ضئيلا، بحيث يصل إلى 20 ألف درهم، مقابل الحكم لمن تعرّض لمضاعفات خلال إجرائه عملية بمليار سنتيم يؤديها الطبيب الجراح”، معتبرا أن “هذه المفارقة غير سليمة أو منطقية”، ولافتا إلى أن “الحكم بهذه المبالغ الخيالية يصطدم بغياب شركات تأمين تغطيها في المغرب، ويأتي في ظل هزالة المبلغ الذي تقام به العمليات الجراحية”.
وأكد أوزيف وجود “تعويل من لدن الأطباء على إخراج هذه المدونة، في ظل ما نشهده من إخراج قوانين تهم فئات أخرى”، مشددا على “وجوب ذلك والقطع مع الاستناد إلى القانون الجنائي والحكم بالتعويضات الجزافية”.
من جهته أفاد محمد الزوبي، النائب الثاني لرئيس الائتلاف الوطني لأطباء القطاع الحر بالمغرب، بأن “القاضي خلال إصداره أحكاما بتعويضات كبيرة في حق الأطباء الذين يتعرض مرضاهم لخطأ طبي أو مضاعفات يستند إلى وجود تأمين سوف يقوم بتغطيتها”، مؤكدا أن “شركات التأمين في الغالب لا تغطي هذه التعويضات، فضلا عن أنها تؤمن على المضاعفات فقط، لا على الخطأ”.
واعتبر الزوبي، مصرحا لهسبريس، أن “هذا الوضع يثير إشكال سعي الدولة إلى التعامل بمقتضيات قانونية بدول متقدمة، اجتماعيا وفكريا وسياسيا، في مجتمع عدد الأطباء فيه بالنسبة لعدد السكان قليل جدا”، مشددا على أن “الأطباء شأنهم شأن الصحافيين وعدد من الفئات المهنية يريدون القطع مع متابعتهم بالقانون الجنائي لكون الأخطاء التي قد يقعون فيها مهنية أساسا”.
وأكد الطبيب عينه على “وجوب التفريق بين المسؤولية التقصيرية، أي في حالة الإهمال، والخطأ الذي قد يتم خلال التشخيص أو العلاج، سواء كان طبيا أو جراحيا”، مشيرا إلى وجود “خلط كبير بين هذه المفاهيم والأفعال في صفوف المغاربة ووسائل الإعلام، يجب أن يتم إنهاؤه”.
المصدر: هسبريس