الذكرى السادسة لثورة ديسمبر المجيدة (1)
محور اللقيا
د. عمر بادي
لقد تعودت عند كل ذكرى سنوية لثورة ديسمبر المجيدة أن أمعن النظر في مجمل أحداثها بالفحص والتحليل وبالنقد الهادف البنّاء ثم أقوم بالكتابة عنها. كان هذا ديدني الذي أفرز طرحي لمشروع كتابي عن ثورة ديسمبر المجيدة والذي يحتوي علي الحراك الثوري في السودان منذ أحداث الربيع العربي في عام 2011م مرورا بأحداث ثورة 19 ديسمبر 2018م المجيدة وإلي تكوين حكومة الفترة الإنتقالية الأولى. كنت أقوم ، كإحتفاء بذكرى الثورة ، بكتابة مقالات عدة تحت عنوان: (أحداث ثورة ديسمبر المجيدة من خلال مشاركاتي فيها) وإستمر هكذا الحال حتى أعددت كتابي هذا للطبع ولكن لم يكن في الإمكان طبعه في السودان إلي أن نشبت حرب 15 أبريل الضروس وكان إنتقالي إلي مصر وهناك طبعته بعنوان (أحداث ثورة الصمود وركوب الرأس توثيق لثورة ديسمبر المجيدة من خلال مدوناتي) ، وقد أقيم تدشين لكتابي هذا وبحمده تعالى وجد الإستحسان وأوصى بعض الأكاديميين بإعتباره مرجعا جامعيا.
في الفترة 22 24 يوليو 2022م أقيمت في دار المحامين بالعمارات في الخرطوم وبإشراف صحيفة الديموقراطي ورشة لتقييم الفترة الإنتقالية ، وعند الإعلان عنها قمت بإرسال أربع مقالات لي كنت قد كتبتها تحت عنوان (في نقد ثورة ديسمبر المجيدة) لكي يتم الإستفادة منها في مشروع التقييم ، وسوف أتطرق لما حوته تلك المقالات الأربع في الجزء الثاني من هذه المقالة.
أيضا في الفترة 03 06 ديسمبر 2024م الجاري تم إجتماع الهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديموقراطية المدنية (تقدم) في عنتيبي بجمهورية أوغندا ومن ضمن الأجندة المطروحة ناقش الاجتماع عدداً من المذكرات الداخلية وأخضعها لحوار عميق ووضع حلولاً شاملة لما طرحته من قضايا بما يعزز التماسك الداخلي لتقدم ويطوّر من ادائها ويمتّن من ديمقراطيتها الداخلية ليحافظ على ما حققته في الفترة الماضية من مكتسبات ببناء أوسع تحالف مدني ديمقراطي مناهض للحرب. هذا يدل أن (تقدم) تخطو في المسار الصحيح، وهذا يحثني أن أعيد هنا مقالة لي كنت قد كتبتها بتاريخ 11 مارس 2020م بعنوان (إنحسار دور الكتّاب الوطنيين في التشكيل الوزاري لثورة ديسمبر) ونشرتها في عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية ، وأظن أن ما تحويه من رأي يكون تم الإلتفات إليه ، فإليكم بها..
إنحسار دور الكتّاب الوطنيين
في التشكيل الوزاري لثورة ديسمبر .
د. عمر بادي
عمود : محور اللقيا
الكاتب المسرحي والمثقف التشيكوسلوفاكي فاكلاف هافل كان معارضا شرسا للحكم الشيوعي الشمولي في بلاده في ثمانينات القرن الماضي وكان يدبج المقالات النارية في مهاجمته ونقده وبذلك فقد تم إعتقاله وسجنه مرات عدة ولم تثنيه الإعتقالات عن الثبات علي مبادئه في الحرية والسلام والديموقراطية , وكان له دور مقدر في نشر الوعي خاصة بين الشباب الذين تفتقت أفكارهم ورؤاهم علي ما تلقنوه في ظل النظام الشيوعي الحاكم .
في نوفمبر 1989م إندلعت الثورة المخملية في تشيكوسلوفاكيا وقد سميت بالمخملية نسبة لسلميتها ونعوميتها , وكانت البداية تظاهرة سلمية قام بها طلاب الجامعات في براغ إحياءً ليوم الطلاب العالمي ولكنها قوبلت بوحشية ضارية من القوى الأمنية ولم يفت ذلك من عضد المتظاهرين بل زادهم عزما وإصرارا علي التغيير وتنادوا في ما بينهم وكونوا ما عرف ب (تجمع المنتدى المدني) من المعارضين السياسيين والمثقفين وممثلي الكنائس وتم إختيار باكلاف هافل لقيادته ونجحت الثورة في إقتلاع النظام الشمولي وتم تشكيل حزب جديد من تجمع المنتدي المدني بإسم الحزب الديموقراطي المدني وتم إنتخاب باكلاف هافل رئيسا لجمهورية تشيكوسلوفاكيا منذ ديسمبر 1989م وحتى يوليو 1992م عند تقسيم تشيكوسلوفاكيا إلي جمهوريتي تشيكا وسلوفاكيا وإستمر فاكلاف هافل رئيسا لجمهورية تشيكا في عام 1993م وحتى عام 2003م .
هل لاحظتم وجه الشبه بين قيام ثورة ديسمبر السلمية في السودان وتلك الثورة المخملية في تشيكوسلوفاكيا خاصة دور تجمع المهنيين ومن ثم قوى الحرية والتغيير ؟ إنني أتمنى أن نحذو حذو تشيكوسلوفاكيا ونكوّن كيانا سياسيا من تجمع قوى الحرية والتغيير ندخل به الإنتخابات القادمة قبيل إنتهاء الفترة الإنتقالية , فالإنتخابات القادمة سوف تلعب فيها التحالفات والإندماجات السياسية دورا كبيرا ومن المؤكد أن يتجمع المتأسلمون في ما دعا إليه عرابهم الترابي قبل وفاته وأسماه النظام الخالف .
لقد كان للكتاب المعارضين لنظام الإنقاذ دور كبير في نشر الوعي بين الجماهير وجذب إنتباههم لما يحدث من تمكين ونهب وفساد في الدولة فكان سلاح الوعي هو أمضى سلاح للثورة لكي تصمد رغما عن القمع الذي ووجه به الثوار. لقد كانت نوافذ تلقّي الوعي مشرعة ومتنوعة ولعبت فيها الصحف الناقدة والمعارضة أدوارا مرموقة كما لعبت أساليب المخاطبات السياسية والنقاشات التي يحبها السودانيون في الأماكن العامة أدوارا زادت من تعزيز الوعي .
يوجد لدينا كتّاب معارضون كثر عارضوا نظام الإنقاذ ولم يهادنوه طوال الثلاثين عاما من عمره وحوربوا في تواجدهم داخل البلاد وفي معايشهم وفيهم من هاجر ويوجد كتّاب عارضوا ثم هادنوا ثم إنزووا , وكتاب آخرون كانت معارضتهم متقطعة تشتد حيناَ وتصمت أحيانا . أقول لكم بلا تفكير عميق الآن تتراى لي أسماء لكتاب منهم الكاتب والمؤلف فتحي الضو والكاتب مولانا سيف الدولة حمدنا الله والكاتب الدكتور حيدر إبراهيم علي والكاتب الإستقصائي عبدالرحمن الأمين والكاتب معاوية يس والكاتب الدكتور النور حمد والكاتب المسرحي والشاعر هاشم صديق والكاتب شوقي بدري والكاتبة رشا عوض ومن الممكن إضافة آخرين إليهم ولكنني لن أضع نفسي تواضعا في قائمة الشرف هذه .
لماذا لم ترشح قوى الحرية والتغيير أمثال هؤلاء الكتاب الوطنيين الذين عانوا من النظام السابق بسبب كتاباتهم فتقوم بوضعهم في المراتب العليا لحكومة الثورة , حتى تضمن بذلك حماس حسهم الثوري في تسيير دواوين الدولة ؟ وليكن وضعهم حسب قواهم الجسدية إما في الجانب التشريفي أم التنفيذي أم الرقابي , أليس في ذلك خير كثير من سؤ إختيارهم للبعيدين عن الفعل الثوري والمتراخين والسلحفائيين ؟ الذين صار الواحد منهم بدلا من أن (يهدي الغير صبح محتار يكوس هدّاي) كما قال إسماعيل حسن وغنى وردي ! البعد الجغرافي عن السودان ليس منقصة إذا كان الإرتباط الوطني التفاعلي حاضرا وتم إختيار شاغلي وظائف الحكومة بناءَ علي شروط قحت في الكفاءة والخبرة والوطنية . لذلك فإن الدور الوطني مطلوب ومهم في تواجده . أتمنى أن تقوم قحت بالمراجعة والتصحيح حتى يتم تقدير من هم علي شاكلة فاكلاف هافل .
المواقع الإلكترونية : الراكوبة ، سودانيزأون لاين ، الفيسبوك
11/03/2020
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة