اخبار السودان

الجوع يحلق فوق رؤوس السودانيين بمدينة أم درمان

قصف ام درمان

يعيش أكثر من مليوني شخص في منطقة أمبدة أزمة في نقص الغذاء، وتُعقد الآمال على المطابخ الخيرية لإنقاذ الأطفال.

تشهد أحوال سكان مدينة أم درمان تدهوراً مروعاً، حيث أصبح شبح الموت جوعاً يلاحق الآلاف، لا سيما الأطفال وكبار السن. إذ يؤدي سوء التغذية المستمر إلى وفاة المئات بسبب نقص الطعام والدواء، بالإضافة إلى صعوبة التنقل وندرة الموارد المالية.

يواجه أكثر من مليوني شخص في محلية أمبدة أزمة نقص حادة في الغذاء، ومنذ أكتوبر 2023 المنطقة تحت الحصار نتيجة النزاع المسلح بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”. ولا يتم السماح بدخول البضائع والسلع من سوق صابرين في محلية كرري. بالإضافة إلى ذلك، تعاني مناطق المربعات والفتيحاب وأبو سعد والصولحة من تدهور كبير في الأوضاع المعيشية والإنسانية.

تفاقم الأوضاع

إلى ذلك، أفادت غرف الطوارئ المحلية في أمبدة، التي تُعد أكبر المحليات في مدينة أم درمان من حيث الكثافة السكانية، “بوفاة 29 شخصاً نتيجة سوء التغذية، من بينهم 10 أطفال و15 شخصاً من كبار السن، بالإضافة إلى 8 نساء”.

وأفادت في بيان لها أن “إجمالي الإصابات بلغ 6500 حالة، ومعظمها بين الأطفال وكبار السن والنساء، خاصة الحوامل”، مشيرة إلى أن “45 من أصل 50 مطبخاً خيرياً توقفت تماماً عن تقديم خدماتها بسبب نقص التمويل”.

تقوم المطابخ الخيرية في منطقة أمبدة بتلبية احتياجات ما بين خمسة آلاف إلى سبعة آلاف أسرة يومياً، حيث تقدم لهم وجبات تحتوي على العدس والفول والبليلة العدسية. وتعتمد هذه العائلات اعتمادًا كاملًا على هذه الوجبات لتلبية الحد الأدنى من احتياجاتها اليومية من الطعام.

 أمراض ووفيات

في مناطق الصالحة والمربعات غرب أم درمان، التي تسيطر عليها قوات “الدعم السريع”، أدى نقص الغذاء وارتفاع مستويات الجوع إلى تفشي أمراض سوء التغذية الحاد بين الأطفال وكبار السن والحوامل، مما أدى إلى وقوع عدد من الوفيات.

رأى أبوبكر الخضر، أحد المتواجدين في منطقة الصالحة، أن “الكثير من الأهالي يشعرون بالعجز لعدم قدرتهم على تأمين الطعام لصغارهم الذين يستيقظون ليلاً بسبب الجوع، مما تسبب في تدهور صحتهم، ويعاني المئات من مشاكل سوء التغذية”.

وأشار إلى أن “معظم المواطنين كانوا يعتمدون يومياً على الوجبات المقدمة من الجمعيات الخيرية للحصول على الطعام، لذا فإن توقف إمدادات السلع والمواد الغذائية من الأسواق زاد من معاناتهم وأصبح يهدد حياة العديد من سكان المنطقة، وذلك يتزامن مع عدم توفر السيولة النقدية وتوقف الأنشطة اليومية”. وتابع الخضر بأن “الكثير من الجيران قد لا يتناولون وجبة واحدة على مدار اليوم، وغالباً ما نسمع بكاء الأطفال بسبب الجوع، في حين أننا لا نستطيع تقديم أي مساعدة لأسرهم”.

ضعف المناعة

وفيما يتعلق بالأوضاع في جنوب أم درمان، أوضح وليد الصديق، أحد المتواجدين في منطقة أبو سعد، أن “غالبيّة السكان فقدوا الكثير من أوزانهم بسبب تناولهم وجبة واحدة فقط يوميًا، بالإضافة إلى ضعف المناعة الناتج عن الجوع، مما أدى إلى زيادة حالات الإصابة بسوء التغذية الحاد”.

ونبه إلى أن “الأشخاص العالقين في مناطق جنوب أم درمان أصبحوا عرضة لموجات الجوع المتفشي بشكل مخيف، خاصة في ظل سيطرة المجموعات المسلحة على نقاط الدخول للسلع والمواد الغذائية.” وأوضح الصديق أن “الجوع والمرض يفتكان بالمواطنين في مناطق الأمير والسلام والبقعة يومياً، حيث تم تسجيل حوالي 32 حالة وفاة خلال الأسبوع الماضي نتيجة سوء التغذية والأمراض وضعف المناعة التي بدأت تنتشر وتحصد أرواح الأطفال وكبار السن بشكل خاص.”

تمدد المجاعة

على نفس الصعيد، أفادت أخصائية التغذية نادية الشريف بأن “الحرب ساهمت في تفشي أمراض سوء التغذية الحاد بين الأطفال وكبار السن والنساء الحوامل نتيجة تمدد المجاعة، وغياب السلع والبضائع، ونفاد المدخرات المالية. ونتيجة لهذه الظروف، ارتفعت حالات الإصابة في أم درمان إلى أكثر من 800 حالة، وفي بحري 900 حالة، بالإضافة إلى 1200 حالة في الخرطوم، فضلاً عن مئات الوفيات”. وأشارت إلى أن “واحداً من كل ثلاثة أطفال في محلية أمبدة يعانون من سوء التغذية الحاد أو الهزال، بالإضافة إلى كبار السن والنساء الحوامل”.

وأشارت الشريف إلى أنه “حتى إذا لم يتعرض الأطفال للموت جراء الجوع أو الأمراض نتيجة ضعف جهاز المناعة، فمن الممكن أن يواجهوا تأخراً في النمو والتطور خلال مرحلة الطفولة وما بعدها”. وأوضحت أن هناك “مشكلة كبيرة في تغذية الأمهات المرضعات في العاصمة، وخاصة في مدن الخرطوم وأم درمان وبحري، مما يقلل من قدرتهن على إرضاع أطفالهن”. وأبرزت أن “في منطقة غرب أم درمان، من بين 300 مولود، هناك 15 حالة وفاة نتيجة سوء تغذية الأمهات الحوامل، ويعاني المئات من الأطفال من فقر الدم، وتعود الأسباب إلى ارتفاع معدلات الفقر وصعوبة توفير غذاء جيد للشباب”.

أخطار وتحديات

في سياق متصل، أكد المتخصص في الشأن الإنساني علي حارن أن “انتشار سوء التغذية في العاصمة وبالأخص في مدنها الثلاث بسبب الجوع لا يزال يشكل تحدياً صحياً. وهذا يستدعي بذل المزيد من الجهود من قبل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لوقف الحرب، بالإضافة إلى أهمية وضع استراتيجيات فعالة وتدابير وقائية للحد من تفشي المجاعة وإنقاذ أرواح المتضررين”. وأشار إلى أن “الوضع يبعث على القلق، ويجب البحث عن حلول لإنقاذ أوضاع الأطفال المزرية والمسنين، إذ إذا استمر الوضع لعدة أشهر قادمة، فإن الموت سيهدد الجميع في أم درمان والخرطوم وبحري”.

وأضاف حارن أن “فئة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات هي الأكثر تأثراً بمشكلة سوء التغذية، مما يؤدي إلى فقدان الوزن وهزال الجسم، وبالتالي قد يصابون بإعاقات وتأخر في النمو”.

تحذيرات دولية

من ناحية أخرى، حذرت ثلاث وكالات تابعة للأمم المتحدة من تدهور كبير في تغذية الأطفال والأمهات في السودان، مشددة على الحاجة إلى اتخاذ إجراء عاجل.

صرحت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” ومنظمة الصحة العالمية وبرنامج الأغذية العالمي في بيان مشترك أن “حياة الأطفال في السودان مهددة، مما يستدعي اتخاذ تدابير عاجلة لحماية جيل كامل من خطر سوء التغذية والأمراض والوفاة”.

وفقاً لدراسة حديثة قامت بها “يونيسف” وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية، فإن “النزاع الحالي يعمق من أسباب سوء التغذية لدى الأطفال ويؤثر على توفر الغذاء ومياه الشرب، مما يزيد من مخاطر الأمراض”.

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *