يوم التطوع العالمي نظرة إسلامية
يوم التطوع العالمي أو اليوم الدولي للمتطوعين هو احتفالية عالمية سنوية تحدث في 5 ديسمبر من كل عام حددتها الأمم المتحدة منذ عام 1985م. ويحتفل بهذا اليوم في غالبية بلدان العالم، ويعتبر الهدف المعلن من هذا النشاط هو شكر المتطوعين على مجهوداتهم، إضافة إلى زيادة وعي الجمهور حول مساهمتهم في المجتمع.
لقد حث ديننا الإسلامي على العمل التطوعي، والذي يعرف بأنه المجهود الذي يبذله الإنسان لإنجاز أمور خيرية نافعة لأمته والناس جميعا ولا يكون له مقابل أو مردود مادي، والدين الإسلامي لا يقوم على الأنانية أو الفردية، وإنما هو دين اجتماعي، يشد أفراده أزر بعضهم البعض كالبنيان المرصوص، وقد ندب الإسلام إلى التطوع كشكر على النعم التي منحها الله للإنسان التي عليه أن يستعملها في خدمة الإسلام والإنسانية.
وقد حث الإسلام على العمل عموما كما ورد في بعض الآيات والأحاديث النبوية، والعمل التطوعي من أهم الأعمال التي يجب أن يُعتنى بها، فكل إنسان ذكرا كان أو أنثى مطالب بعمل الخير بما يتناسب مع قدراته انطلاقا من قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، وفي إتقان العمل نجد توجيها نبويا كريما، حيث قال صلّى الله عليه وسلم: “إن الله يأمركم إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه”، لأن الله سيطلع عليه، لذا يطلب من العامل الإخلاص في العمل وإتقانه، ومن الآيات التي تحض على العمل والتعاون والتكافل أيضا: {ومن تطوع خيرا فهو خير له}، {وآتي المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}، {وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم}.
وقد اتخذت الصدقة في الإسلام صورة مؤسسية في شكل الأوقاف في صورها المختلفة، كما هو الحال في دواوين وصناديق الزكاة في الدول الإسلامية. والعمل أنواع، فمنه العمل البدني والعمل العقلي أو الذهني، وهناك أعمال نقوم بها دون انتظار مقابل من الآخرين، وهي الأعمال التطوعية.
والأعمال التطوعية هي أعمال خيرية تجد لها أصداء مجتمعية، ونتائج طيبة تعود على المجتمع، وتعمل على تقوية وتعزيز الروابط الاجتماعية والإنسانية، التي من شأنها رفع الروح المعنوية بين عامة الناس، لما فيه خدمة الوطن والمواطن.
وتبنى الأعمال التطوعية بجهود شخصية تقوم بها شريحة من الناس لتقديم خدمة أو خدمات تعود بالمنفعة العامة أو الخاصة، تعين فئات من أبناء المجتمع على تحمل أعباء الحياة، أو ترفع عنهم متاعبها، وهي أعمال غير مدفوعة الأجر، تكون بدافع إنساني ووطني، وعادة ما تعتمد مثل هذه الأعمال على فئة الشباب، باعتبار أنهم الشريحة القادرة على القيام بالمهام التطوعية.
وإن من أهم فوائد العمل التطوعي نشر رسالة “الإنسان لأخيه الإنسان” دون النظر للدين أو اللون أو العرق، فالسعي لخدمة الإنسان يعزز هذه الأخوة، ويفتح طريقا للتواصل عن طريق لغة العطاء والبذل والمساعدة دون مقابل، ما يجمع المجتمع الإنساني على رؤية واحدة، واستغلال طاقات الشباب في خدمة المجتمع، لشغل وقت الفراغ فيما ينفع، والقضاء على الملل الذي قد يؤدي إلى الأمراض النفسية وأعراضه السلبية على الفرد والمجتمع، وفي نفس الوقت مساعدة أجهزة الدولة على القضاء على الفقر والجوع والمرض، من خلال الخدمات النقدية والعينية للمحتاجين.
والعمل التطوعي في أي دولة دليل على الحضارة والتقدم وليس دليلا على التخلف، فوجوده دليل على تحضر الشعب ووعيه وسعيه لسد الفجوة بين ما تقوم به الأجهزة الحكومية واحتياجات بعض الفئات التي تتجاوز الاعتمادات الحكومية أحيانا أو غير المنظورة من قبل الحكومات، فهي دليل على إدراك معنى الحياة وتحقيق الذات وبث روح التعاون والتواضع والرحمة والرفق في التعامل مع الغير، وتكسب الفرد تعلم أدب الحوار وتبرز الأذكياء والموهوبين وتشجع على الابتكار والإبداع، فالعمل التطوعي هو عمل من أجل المساعدة أو المساندة والتنمية ونشر الوعي مما يعود بالنفع على الوطن والمواطن.
ولأن مجالات إعمار الأرض كثيرة ومتنوعة، وحاجات الناس ومشكلاتهم كبيرة ومتجددة، والأحداث في العالم عصيبة ومتلاحقة؛ وهذا يستدعي من العاملين لخير أمتهم ومجتمعاتهم: الجد في العمل التطوعي، الاستمرار فيه لأقصى درجة، عدم التأخر والتراخي عنه مهما اشتدت الظروف، وتطويره وتنظيمه ليواكب الأحوال والظروف ويحد من المصاعب والكروب.
وما أحوجنا جميعا في هذا الزمن الذي كثُرت فيه الكروب والحروب والمدلهِمات، إلى شحذ الهِمم وإذكاء العمل التطوعي بكل وجوهه وصوره، وعلى رأسها شريان الحياة الذي هو المال.