حماس وصفقة خيانة الأسرى أمد للإعلام
أمد/ مر حوالي 430 يومًا على أكثر حرب مدمرة عرفها الغزيون، والذين لا يفهمون حتى الآن ماذا حدث وماذا أرادت حركة «حماس» حقاً من هجومها المباغت في السابع من أكتوبر 2023 على إسرائيل، الذي غير شكل المنطقة وفتح أبواب الحروب والتغييرات، فالشيء الوحيد الواضح حتى الآن هو أن القطاع بالكامل تحول لمنطقة غير قابلة للمعيشة، ولا شيء يمكن أن يصف ألم الباقين على قيد الحياة الذين فقدوا نحو 50 ألفاً في الحرب المستمرة، وأكثر من 100 ألف جريح، إلا أنهم يأملون في أن تأتي النتائج ولو متأخرة بحجم الخسارة، لكن لا شيء يمكن أن يعوض ذلك سوى إقامة الدولة، وعودة الأسرى من سجون الاحتلال، وإعادة الحياة لهم.
وأعلنت حماس سابقًا بأن الهدف الرئيسي من هجومها كان أسر جنود إسرائيليين وعقد صفقة تاريخية، ثم تأتي الأسباب الأخرى، لكن لم يتوقع أحد حتى المخططون الرئيسيون، أن تنهار قوات الاحتلال الإسرائيلي بهذه الطريقة، ما سمح بالدفع بمزيد من المقاومين للدخول لمناطق أخرى في وقت وجيز، قبل أن يتسع نطاق الهجوم بهذا الشكل.
وأغلب الظن أن حركة «حماس» كانت تخطط لأسر عدد محدود من الإسرائيليين، وتدخل بعدها في معركة قصيرة مع إسرائيل تجبر فيها الأخيرة على الإذعان لصفقة تبادل، على غرار ما جرى بعد اختطاف الجندي جلعاد شاليط.
لكن الطوفان الذي خططت له «حماس»، جلب طوفانات على الفلسطينيين، وتحديداً في غزة التي ُدمرت ودفعت ثمناً لا يتناسب مطلقاً مع الهدف المراد تحقيقه.
وبدأت أصوات الغزيين ترتفع ويجاهر كثيرون بأن إطلاق سراح الأسرى لا يستحق كل هذا الدمار، ويقولون إن عدد الضحايا أصبح أضعاف أضعاف أعداد الأسرى، الذين بلغ عددهم قبل الحرب نحو 6 آلاف.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه حركة حماس عن وجود مفاوضات مع إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة وطي صفحة الحرب، زادت التوقعات بقرب إطلاق سراح معتقلي الحركة من السجون الإسرائيلية، خاصة بعد أن أعلنت حماس تسليمها قائمة بأسماء سجنائها إلى مصر وقطر باعتبارهما وسيطا الصفقة، ولكن، خلال الساعات الأخيرة، كشفت وسائل إعلامية عن فشل الصفقة، ونفت إسرائيل وجود أي اتفاقات، وقالت إن حماس لم تقدم على هذه الخطوة حتى الآن. وهذا يدل على الفشل الذريع لحماس، وسيكون ذلك بمثابة خيانة للأسرى ووطنهم وللشعب الفلسطيني، فعلى قيادة الحركة واجب ديني وأخلاقي في تأمين عودة أسراها من سجون الاحتلال، عملًا بقول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: “كلكم راعٍ، وكلكم مسئولٌ عن رعيته”، فعلي حماس الخضوع والتنازل عن أطماعها لتأمين إطلاق سراح أسراها، ورغم أن هذا هو المفترض إلا أن الحركة تفضل مصالحها على حساب الرهائن في سجون الإحتلال أو حتى الشعب الفلسطيني نفسه.
وطالعتنا وسائل الإعلام، بأن لجاناً فنية من قبل حماس ومصر، وإسرائيل، بدأت في مناقشة تفاصيل تنفيذ صفقة إطلاق سراح المختطفين، وأن جميع الأطراف في المفاوضات جادة بشكل غير كبير وغير مسبوق، غير أن التوصل إلى اتفاق حقيقي ودائم ويضمن إطلاق سراح الأسرى من الطرفين ليس له أي ملامح أو واقع حقيقي حتى هذه اللحظة.
ربما تعثر المفاوضات سواء من جانب حماس أو من جانب الاحتلال الإسرائيلي، لا يصب في صالح التسوية السياسية أو الشعوب أو حتى في صالح أسرى الطرفين، فبينما تصر تل أبيب على إفراج حماس عن أسراها، تظل الحركة رافضة كل المطالب الإسرائيلية ومتمسكة بورقة العودة إلى رأس السلطة في غزة وهو الهدف الأسمى لها حتى كتابة هذه السطور.
وعلى الرغم من أن إسرائيل تعول كثيرا على ملف الإفراج عن أسراها وتضغط بورقة الحرب والإبادة الجماعية لشعب غزة، إلا أن هذا لا يحوذ على اهتمام حماس، فالحركة لا ترغب إلا في المكاسب السياسية والتي على رأسها كما ذكرنا عودتها للسلطة في غزة مجددا، أما ورقة الإفراج عن سجنائها يظل النقطة الأخيرة في ملف المصالحة، وتبقي إمكانية إتاحة تنفيذه محل نقاش فقط غير قابل للتنفيذ، في ظل استمرار أوضاع إنسانية كارثية، فمازالتا إسرائيل وحماس تتمسكا بشروطهما في التسوية دون أي تنازلات من الجانبين، وهذا ما يؤكد على تفضيل المصالح السياسية على حساب الأسرى وحقوق الشعوب في العيش بهدوء وسلام.
وتظل الفرصة الأخيرة أمام حماس وإسرائيل هي التنازل عن بعض الشروط بهدف وقف إطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة في غزة وإدخال مساعدات وإطلاق سراح سجناء فلسطينيين من السجون الإسرائيلية ورهائن إسرائيليين، لوضع حلا أوليا للأزمة وبداية فتح صفحة جديدة.. ولكن من يعي ويكترث بأمر الأسرى؟!.