في مواقف الأطروحات الفكرية من القضية الفلسطينية ومن حرب غزة على الخصوص.. الفلاسفة نموذجا
بخصوص الصراع المأساوي الدائر بفلسطين وعموم المنطقة المحيطة، يبقى السؤال المطروح هو هيمنة التاريخ القديم على التاريخ الحديث في موضوع الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، فهل بوسع الفلسفة تجاوز الفكر القديم، وإن كان له ما يبرره، وتقديم أفكار معمّقة بهذا الشأن؟ أم أنّ هذه الفلسفة، الغربية خصوصا، متورّطة نوعاً ما في المشكلة، لكونها بقيت حبيسة المسألة الأقدم اتجاه القضية اليهودية ووفية للسردية التي تضخمها الحركة الصهيونية؟
كيف تعاملت الأصوات الفلسفية العربية مع القضية الفلسطينية وما وجه قصور مرافعاتها الفلسفية في الموضوع؟ وما دور ومهام الفلاسفة الأكثر موضوعية وتوازنا تجاه القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، عبر العالم، في مسألة معاناته ومحاولات تهجيره وإقلاعه من أرض فلسطين التاريخية بحرب إبادة جماعية حقيقية؟
نسنعرض في هذه الورقة، بإيجاز، أبرز المواقف التاريخية والحديثة في هذا الإطار في تفاعل مع ما حدث صباح يوم السابع من أكتوبر 2024، الذي عُرف بـطوفان الأقصى.
في محاولة لتخيل مواقف فلاسفة وجدوا قبل ظهور القضية الفلسطينية:
الغاية من هذه المحاولة هو مد بعض الأفكار التي شكلت وعي العالم الحديث واستقراء ما الذي يمكن أن تصل إليه في واقعنا المعاصر، بعرض مسار تلك العقول الفذة وإن كانت الأفكار لا تحاكم بأثر رجعي. وستكتفي الورقة بالتطرق للمواقف المتخيلة لأكبر الفلاسفة البارزين أمثال فريدريك هيجل و كارل ماركس و ونيتشة إيمانويل كانط)
الفيلسوف فريدريك هيجل، أحد أقرب الأكاديميين لدوائر السلطة في مملكة بروسيا أثناء فترة عمله أستاذًا للفلسفة بجامعة برلين، كان منسجما مع أطروحته القائلة التي تفيد ” أن الدولة كيان ضروري لتجلي منظومة القيم والأخلاق والإرادة الجماعية في مؤسسات موضوعية، ولتسيطر على الإرادات الفردية وما يمكن أن تصنعه من فوضى” هذا ما يفسر ولعه بإمبراطور فرنسا الفاتح نابليون بونابرت ووصفه له بروح العالم، بحيث أنه يرى بطله الفرنسي الغازي نابوليون، رغم مشاريعه الاستعمارية وما نتج عنها من مذابح، روح العالم والقوة التي تحرك التاريخ وتدفعه إلى التقدم باستمرار. فهيكل معروف بتوظيفه للمشاريع الاستعمارية فلسفيًا لخدمة فكرته عن حركة التاريخ.
من هنا يمكن أن يستشف كيف كان سيتفاعل هيجل مع القضية الفلسطينية، إذ لن يكون مفاجئًا لو وقف هيجل، كرجل نظامي خاضع للسلطة دائما، خلف الموقف الرسمي الألماني الداعم لإسرائيل صراحة، لكونه رجلًا يؤمن بأهمية الدولة بوصفها كيان سياسي وهيكل ميتافيزيقي يحفظ النظام ضد الفوضى.
يعتبر الفيلسوف كارل ماركس الشبح الذي أرعب أوروبا لعقود، ولا يزال ظله يثير كثيرًا من الإزعاج حتى اليوم. ذلك ما يؤكد افتتاحه لكتابه الشهير «البيان الشيوعي» بمعية فريدريك إنجلز بالجملة الافتتاحية الشهيرة “شبح ينتاب أوروبا”. ويعتبر البيان الشيوعي بمثابة البرنامج السياسي لما عُرف برابطة العدل.
على نقيض هيكل تماما، يعتبر ماركس ” أن الفعل الثوري هو المحرك للتاريخ”، كما يعتبر الدولة جهازًا قمعيًا وظيفته فقط الحفاظ على سطوة الطبقات العليا من المجتمع على الطبقات الأدنى، كما قدم ماركس أساسًا نظريًا متماسكًا في فلسفة الثورة، لقد كان رجلًا ثوريًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وقد دفع ثمن مواقفه غاليًا، ومن أهم ما قدمه ماركس لتاريخ الفلسفة برمته تأكيده على أن العالم لا يتغير بالأفكار ولكن بالعمل المادي والفعلي.
كما أدى نشاطه الصحفي والسياسي المناهض للحكومات والأنظمة الأوروبية إلى طرده من وطنه ألمانيا أولًا، ثم طرده من فرنسا، وبعدها بلجيكا، ليستقر أخيرًا في بريطانيا حتى وفاته.
انتقاد كارل ماركس للنظام السياسي والاقتصادي العالمي، ومساندته المبدئية للطبقات الأفقر والأضعف من المجتمعات يستنبط منه كيف يمكن أن يكون موقفه من القضية الفلسطينية والمقاومة ضد الاحتلال، لو تخيلنا ماركس بيننا اليوم، خصوصًا لمعرفته العميقة والدقيقة بعلاقة رأس المال بالقهر والفقر والبؤس الواقع في العالم لكان من أشهر داعمي القضية الفلسطينية في أوروبا والعالم.
وعلى منوال ماركس، سار الفيلسوف الأميركي اليساري المعاصر نعوم تشومسكي الذي يعتبر، أن “جزء من مأساة الفلسطينيين هو أنهم لا يحظون بأي دعم دولي، لسبب وجيه: إنهم ليس لديهم ثروة ولا سلطة، لذا ليس لديهم حقوق، هذه هي الطريقة التي يعمل بها العالم”.
الفكرة المركزية في فلسفة «نيتشه» هي “إرادة القوة”، و ” ازدراء الضعف والضعفاء” لقد قلب نيتشة منظومة القيم التي تأسست عليها الحضارة الغربية رأسًا على عقب، كان يحتقر ما يسميه ” أخلاق العبيد” أساس المنظومة الأخلاقية المسيحية حيث يكون الخير في الوداعة والتسامح والزهد العام. فهو يصف الأخلاق المسيحية بالعدمية لاحتقارها للطبيعة الإنسانية. و يؤكد “أن أخلاق السادة التي تمجد القوة وكل ما يتأتى عن القوة هي الممثل الحقيقي للخير”.
المصدر: العمق المغربي