حرب السودان وضياع الفرص السودانية , اخبار السودان
محمد بدوي
سؤال يتكرر في المجالس الرسمية والاهلية، وبالطبع في أذهان السودانيات/ن، واصدقاء السودان والديمقراطيات/ون ومناصري السلم والسلام والاستقرار، عن ماهي إمكانية وقف الحرب الراهنة في السودان؟
تصعب الإجابة بالطبع لأنها رهن بأطراف متعددة، مرئية في المشهد، ومستترة لكنها معروفة بحكم مواقفها تجاه أطراف الحرب .
أحداث رئيسية إلي جانب عوامل أخري سأعتمد عليها في تحليل المشهد، الأول هو حادثة القصف الجوي لمنطقة جبل مويه بولاية سنار، جاء القصف في اكتوبر٢٠٢٤ بعد سيطرة قوات الدعم السريع عليها، ليخرج قائد الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو ” حميدتي” بخطاب أهم ما ورد فيه هو اتهام دولة مصر العربية بالقصف الجوي، بينما سارعت الخارجية المصرية بالنفي، بغض النظر عن صحة الاتهام أو النفي، الا أن منطقة جبل مويه تمثل أهمية قصوي جغرافيا في سياق ملف مياه نهر النيل الذي ازداد تعقيدا بحالة سد النهضة وما أثاره من نزاع في المنطقة وصل إلي أضابير الاتحاد الافريقي ثم مجلس الأمن الدولي، ثم حدث انقلاب اكتوبر ٢٠٢١ جمد عضوية السودان بالاتحاد الافريقي، ومنح اثيوبيا فرصة للمضي قدما للملأ الرابع في فرصة لم تكن لتحدث في الظرف الطبيعي، لذا فاستمرار الحرب كشف بعد عام ونصف الاثار على دول الجوار على نسق ما ظللنا نردده أن ما يحدث في السودان لن يبقي طويلا في السودان لجوهرية موقفه ومواردة المتعددة، وعرقلة اي تغيير يفضي إلي التهيئة للتحول الديمقراطي.
ما ظل يرشح إعلاميا عن صراع حزب المؤتمر الوطني المحلول، بالرغم من محاولة تسويقه كاختلاف مواقف من الحرب الراهنة في تقديري أنه خطاب مفخخ ينتهي بالترويج لتعزيز مشاركة المؤتمر الوطني في المشهد السياسي المستقبلي للسودان، لأنه كحزب يظل الاتفاق داخله على مناهضة التحول السياسي وخروجه من المشهد، وجرت اختبارات كثيرة لعلاقته بالمصلحة العامة او الوطن، وفشل في إثبات ذلك، ولا حاجة لنا للغوص في السجل الطويل، بالنظر إلي الأمر من زاوية صراع المؤتمر الوطني علي الاقل منذ ٢٠١٥، ومواقف تلك المجموعات المختلفة حتي ثورة ديسمبر٢٠١٨ مثل موقف الفريقين عوض بن عوف وصلاح عبدالله قوش، المديرين السابقين للاستخبارات والامن الوطني، ثم التقاط القفاز من قبل مجموعة على كرتي القيادي الإسلامي ووزير الخارجية الاسبق باعتبارها مجموعة على سيطرة على الفئات بما شملت الضباط الإسلاميين بالقوات المختلفة، و التي اوصلت الحال إلي حرب أبريل ٢٠٢٣، ومحاولة الظهور بوجه جديد بتكليف المهندس الزراعي ابراهيم محمود حامد برئاسة الحزب لفض الاشتباك بين مجموعتي الدكتور نافع على نافع المدير الاسبق لجهاز الامن، وكرتي والاستاذ على عثمان نائب الرئيس الاسبق والمهندس أسامة عبدالله، إضافة إلي ذلك فإن تكليف ابراهيم محمود هدف إلي الاستفادة من نفوذ العشائري بشرق السودان، ولا سيما ان معسكرات المقاومة الشعبية في الشرق تمت غلى اساس قبلي، بما يسهل استخدامها حاليا ومستقبلا، لدعم خط المؤتمر الوطني وقطع الطريق أمام أي تحول ديمقراطي مدني مستقبلا، وتصدير تصور سيطرة الحزب لدول الجوار بإمساكهم بزمام الأوضاع، وأهمها الجوار الشرقي دون التحسب للنتائج الناتجة من استمرار القتال وتقلص المساحات الامنة للمدنيين، و ما ينتج من احتمال أو مؤشرات انتقال الحرب للشرق في رفع جرس الانذار لدي دول اثيوبيا واريتريا بذات ما حدث مع مصر بعد انتقال الحرب الي جبل مويه.
اثر صراعات المؤتمر الوطني سياسيا تنعكس في إضعاف استمرار الحرب، لأن التجربة اثبتت بأن التحولات المرتبطة بالصراعات داخله لا تنفك من التأثير الاستخباراتي الخارجي، يبصم على ذلك ما حدث لاحقا في ٢٠١٧ كنتاج اولي لبداية الصراع في ٢٠١٥ بخروج الفريق طه عثمان الحسين من مكاتب رئيس الجمهورية إلي المملكة العربية السعودية مستشارا عبر مطار الخرطوم ولم يجرؤ أحد على إيقافه أو حتي مجرد انتقاد موقفه علنا.
الأمر الثالث لا تثريب على ان تأثير حرب السودان على دولة جنوب السودان، فتوقف الخط الناقل للنفط منذ أكتوبر ٢٠٢٣ ضاعف من التضخم بالجنوب باعتبار النفط يمثل المورد الأساسي للميزانية العامة بنسبة٩٠%،وفشل جهود دولة الجنوب في التوصل إلي حل لإعادة تأهيل الخط واستمرار الضخ مع طرفي حرب السودان، فبدأ يلوح في الافق التدخلات الرأسمالية بعرض أحد الشركات الاماراتية إقراض الجنوب ١٣ مليار دولار أمريكي، فقا لوسائل الاعلام، بالضرورة ضخامة المبلغ يظهر بأن القدرة تفوق الشركات الخاصة باي حال، هذه يكشف أضن الحرب في تمددها تبصم على طبيعة الحرب المرتبطة بالموارد.
العوامل الأخرى ومرتبطة بطرفي القتال المباشرين، فميزانية الحرب واستمرارها بدأت تظهر أنهكاها للأطراف، والتي ظهرت مؤشراتها مؤخرا في نسق الانسحاب من مناطق/ مدن ودخول الطرف الثاني اليها، انسحابه منها، دخول الطرف الأول إليها، وهي طريقة حرب الاستخبارات التي فشل كل طرف في حسم عسكري مستدام لها بما جعل المدنيين تحت سيف الانتهاكات من الطرفين في كلا الحالات، إضافة إلي ظاهرة التدخل الخارجي في المشهد عبر ما ظلت تتناوله وسائل الإعلام من ظاهرة الطائرات التي تهبط في بعض المطارات بدارفور سواء لإجلاء الجرحى، أو لإنزال اسلحة متطورة كالمسيرات وغيرها، أو لنقل مقاتلين إلي الخارج للتدريب .
أضف إلي ذلك أن الضغط الدولي رغم أنه لم يراوح التلويح، صار ينبني على ضغط نوعي سواء خطورة تفشي حالة الكوليرا، التحدي بضرورة ضمان عقد امتحانات الشهادة السودانية لعام ٢٠٢٤، بما يشمل كل السودان حتي لا يثير الأمر عقبات مستقبلية مع اليونسكو .
حرب السودان كصراع سياسي في المقام الأول حول السلطة والموارد يتأثر بالنسق الرأسمالي من ململة رؤوس أموال شركات الاتصالات التي تضررت من التوقف الجزئي الواسع في مناطق واسعة بالبلاد، هذا يدفع للسؤال عن استمرار طرفي الحرب في تصدير الذهب طيلة فترة الحرب التي قصفت فيها الاعيان الطبية لكن لم يطال الأمر حقول الذهب، ولم تؤثر الحرب على تصدير أو تسرب الصمغ العربي إلي خارج السودان.
بالرغم من هذه الاحداث، إلا أنه بالمقابل لا تزال القوي السياسية الأخرى بعيدة عن التنسيق، فقد نجح الهجوم على تحالف تقدم في تراخي دوره، هذا بالطبع إلي عوامل اخري.
بالمقابل فقد نجح اعضاء تحالف ثلاثة من حركات التحرير بدارفور بقيادة الاستاذ عبدالواحد نور، الدكتور الهادي ادريس، الاستاذ الطاهر حجر التي اتخذت موقفا من الانخراط في الحرب، في أن تعزز مواقفها على الأرض عبر ما قامت به من تامين اجلاء المدنيين من الفاشر إلي مناطق امنه، ومؤخرا تأمين وصول مساعدات إنسانية بما شكلت الأدوية إلي الضعين بشرق دارفور، ومعسكر زمزم بالفاشر، بما يشير الأمر إلي تفاهمات غير معلنة على الأرض بين الأطراف المختلفة.
أخيرا: للإجابة على السؤال الرئيسي للمقال في تقديري، مرتبط بما سقناه في الفقرة قبل الأخيرة بالمقال حول دور القوي المدنية السياسية، وقوي الثورة، القيام بدورها في التنسيق وبناء التحالفات المرتبطة بالمرحلة، فغياب التحالف التنسيقي’ أو الحد الأدنى” يمنح كافة الأطراف سواء طرفي القتال المباشرين، الاسلاميين وجناحهم المؤتمر الوطني، الحلفاء الخارجين للأطراف التحرك في مساحة للمناورة اكثر بما ينصب في استمرار الصراع .
المصدر: صحيفة التغيير