في الذكرى الرابعة لرحيله: الإمام الصادق قائد معركة الديمقراطية ومناهضة الإستبداد
في الذكرى الرابعة لرحيله:
الإمام الصادق قائد معركة الديمقراطية ومناهضة الإستبداد.
محمد الأمين عبد النبي
“أفضل الناس في هذا الوجود شخص يترحم مشيعوه قائلين قد شيعنا حقاني إلى الحق” كانت هذه العبارات الملهمة آخر ما كتبه قلم الحبيب الإمام الصادق المهدي عليه الرضوان قبل موته ينعي نفسه ويواسي في فقده، وكانت هذه الكلمات بمثابة وصية بالالتزام لجانب الحق مهما كان حجم المخاطر والتضحية.
إحياء الذكرى الحبيب الإمام الرابعة دعوة لإستحضار مأثره وأعماله الباقية في صفحات تاريخ الفكر والسياسة والثقافة نظراً لمنهجه الوسطى المعتدل في توليد الأفكار والرؤى، وتجربته العظيمة في منافحة الإستبداد والطغيان وسبر اغوار عوالم السياسة والإجتماع، والدفاع عن الديمقراطية مؤكداً إنها راجحة وعائدة، وداعياً الي مرجعية إسلامية متجددة متحررة من التعامل الانكفائي مع الماضي والتعامل الاستلابي مع الوافد، ومستبصراً حالنا ومآلنا على ضوء التحولات الإقليمية والدولية، وحاملاً لواء مشارع الحق بصدق وارادة تنظيراً وتطبيقاً وتنويراً، ممسكاً بعبق التاريخ والزمان وعبقرية الجغرافيا والمكان، منطلقاً من مبدئية لا تضاهى وإدراك عميق وممارسة طويلة، فكم من نبوة صارت واقعاً تمشي بين الناس لنظرته بعيون زرقاء اليمامة.
الإمام الصادق مفكر ترسَّخ اسمه بإنتاجه الفكري في أنساق المعرفة فقد خلف إرثٍ عظيم في ضروبها المتعددة، وزعيم محنك خّبرته دهاليز السياسة وعركته التجربة في المعارضة والحكم، ومثقف منصهر في حب بلده، منخرط في هموم شعبه وأمته، مدافع عن الحرية والكرامة وحقوق الانسان، مناصر لقضايا المرأة والجيل الجديد والتعليم والفن والرياضة، مشتبك في قضايا التجديد الديني والإصلاح السياسي، مشبع بالانسانيات السودانية، مدرك لتعقيدات الواقع التقليدي ومداخل التعامل معه ويمتلك مفتاح التمييز بين الغث والثمين من الحداثة، مناهض للعنصرية والكراهية والعنف، غني المعارف والتفكير تجد عنده الرأي السديد والحل الممكن لكل مسألة، ومازال الرهان على فكره ومدرسته في كشف بواطن الأمور ولو بعد حيـن.
حلّت الذكرى الرابعة على رحيله، وبلادنا تتقاذفها أجندات الطغاة والغلاة والغزاة من كل صوب، وتشتعل في مركزها واطرافها حرباً سريالية، وشعبنا مشرداً في أقاصي الدنيا في ظل ظروف مأساوية، وعالم اليوم في متاهة من التوترات المتفاقمة، وبفقده فقدت البلاد حكيمها، وفقد الشعب مناصره الأول، وفقدت منطقتنا أحد مثقفيها وهي في أشد الحاجة إلي أمثاله.
بالتأكيد ليس هناك من يملأ الفراغ الكبير الذي تركه، سوى العودة إلى أثره الباقي وذخيرته الثرية ورؤيته الثاقبة التي ترسم معالم ميزان التقدمية المؤصلة، صحيح لو كان بيننا اليوم لأنار الطريق ببصيرته الفاحصة للخروج من مأزق الحروب وفك الاشتباك لصالح المستقبل، وعزانا انه ما زال حاضراً بفكره ونهجه الذي يحفز على الفعل الراشد ويرسخ وحدة البلاد وإدارة التنوع ويبث الأمل، فما زالت كلماته في الآذان لكل من ألقى السمع وهو شهيد (السايقة واصلة والمطرودة ملحوقة، والفش غبينتو خرب مدينتو، والمزايا في طي البلايا والمنن في طي المحن)، كيف لا وقد ارسى أدباً سياسياً لن ينضب وقدم عطاءاً بلا من ولا أذى يمثل منبعاً للرشد والحكمة والحصافة، ورغم غيابه الحتمي الإ أنه الحاضر الغائب، وكأنه ينادي بصوت عال أن العهد الديمقراطي قادم، وأن الاستبداد والحروب الي زوال، والرجوع للحق فضيلة.
رحم الله حبيبنا الحقاني، واسكنه فسيح جناته..
المصدر: صحيفة التغيير