لماذا غضبت الإمارات من الفيتو الروسي؟
جعفر خضر
َ ان اللغة السائدة في مشروع القرار الذي قدمته بريطانيا وسيراليون ، لمجلس الأمن ، بخصوص الحرب على السودان ، الاثنين الماضي ، هي لغة “طرفي النزاع” التي تساوي بين مليشيا الدعم السريع الإرهابية من ناحية ، ومؤسسة الدولة وجيشها من الناحية الأخرى.
ولن يغير من هذه الحقيقة تأكيد مشروع القرار التزام مجلس الامن بسيادة السودان. إذ أن المشروع يعترف بمليشيا الجنجويد ويطالب بالجلوس معها كحلقة جديدة في إعادة شرعنة وجودها.
وهذا إعادة لسيناريو شرعنة الاتحاد الأوروبي لمليشيا الدعم السريع في عهد الإنقاذ ، بعد ارتكابها لجرائم الإبادة الجماعية في دارفور. فقد اعترف بها الاتحاد الأوروبي وقواها ماديا وعسكريا بمنحها عشرات الملايين من الدولارات ، واستعملها لمكافحة الهجرة غير النظامية إلى أوروبا. وهو إعادة لسيناريو المفاوضات برعاية الاتحاد الأفريقي في أعقاب إسقاط ثورة ديسمبر للبشير ، التي أفضت إلى الوثيقة الدستورية ، التي دسترت وجود المليشيا.
إن إدانة مشروع القرار للهجمات التي تشنها قوات الدعم السريع ضد المدنيين في فقرة مباشرة ، ياتي من باب ذر الرماد في العيون ، فقد أدانت معظم الفقرات “الطرفين”.
ورغم أن مشروع القرار دعا جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة إلى وقف التدخل الخارجي الذي يؤجج الصراع في السودان ، فقد رحبت دولة الإمارات بمشروع القرار ، وتاسفت على الفيتو الروسي. وليس في الأمر عجب فدولة الإمارات تريد القرارات المبنية على المجهول ، القرارات التي لا تدينها، والتي لا تحول دون عدوانها على الشعب السوداني.
إن رضا دولة الإمارات عن مشروع القرار يعود الى إغفال ذكر التورط الإماراتي ، الذي أثبتته تقارير الأمم المتحدة نفسها.
استشاط غضبا وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي ، وارغى وازبد في كلمته بعد الفيتو الروسي ، واستنكر على روسيا استخدام مرتزقة لنشر الصراع والعنف بأنحاء القارة الأفريقية ، كأن الوزير يظن ان مليشيا الجنجويد ظلت توزع الورود على السودانيين في انحاء البلاد المختلفة.
إن إعراب البعثة الإماراتية لدى الأمم المتحدة عن خيبة أملها إزاء عدم اعتماد مجلس الأمن لمشروع القرار، وتأسف المستشار الدبلوماسي الإماراتي أنور قرقاش يؤكد خبث مشروع القرار البريطاني ، وربما يشي بأن الإمارات كانت شريكة في صياغته وراء الكواليس.
إن مشروع القرار البريطاني هذا يأتي في إطار عمل متكامل ومجهودات كبيرة تبذلها بريطانيا لتشكيل المشهد السوداني من خلال وزارة خارجيتها ، وعبر منظَمة شتام هاوس التي استضافت مؤخرا قيادات تنسيقية “تقدم” حليفة دولة الإمارات التي دعت الى خلق مناطق آمنة للمدنيين بالسودان محمية بوجود عسكري اجنبي.
ان الفيتو الروسي الذي حال دون تمرير مشروع القرار البريطاني بمجلس الامن والذي أغضب بريطانيا وامريكا والإمارات يصب في مصلحة الشعب السوداني.
ولكن هذا لا يعني بطبيعة الحال أن موقف روسيا مبدئي تجاه السودان ، وانما جاء موقفها هذا على خلفية التناقضات والصراعات العالمية. كما أن روسيا ايضا تعمل على تحقيق مصالحها ، وترغب في استمرار نهبها لمعادن السودان ، وعينها لم تزغ عن إنشاء قاعدة عسكرية لها في البحر الأحمر.
إن الخروج من دائرة هذه المؤامرات يتطلب اليقظة من القوى الثورية والوطنية. ولعل بداية الانعتاق من هذا التآمر يتطلب التصدي لمليشيا الجنجويد الإماراتية ، والعمل على تصنيفها كمنظمة إرهابية ، لإخراجها من المعادلة تماما.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة