الرباط طهران .. التطبيع المحتمل
تداولت تقارير إعلامية، خبر وساطة عربية سعودية إماراتية بشأن عودة محتملة للعلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإيران، والمتوقفة بين البلدين منذ أكثر من ست سنوات، لما اتهمت الرباط طهران بتقديم دعم عسكري ومالي ولوجستي لمرتزقة البوليساريو عن طريق درعها حزب الله اللبناني، وهذه القطيعة ما هي إلا مرآة عاكسة لمسار طويل من العلاقات الثنائية، خضع في شموليته، إلى منطق التوتر والتصعيد والإغلاق والاحتراز، منذ ثورة الخميني، لما استقبلت الرباط الشاه الإيراني المخلوع، وما تلا ذلك من اعتراف إيراني بالجمهورية الصحراوية المزعومة. والحديث اليوم، عن التطبيع المغربي الإيراني، يأتي في سياقات جيواستراتيجية إقليمية ودولية، مترابطة ومتشابكة، من عناوينها البارزة:
اتساع دائرة الدول الداعمة لمغربية الصحراء منذ الاعتراف “الترامبي” التاريخي أواخر سنة 2020، وما تلاه من فتوحات دبلوماسية مبينة، كان آخرها الاعتراف الفرنسي بسيادة المغرب على صحرائه؛
توالي الهزائم الدبلوماسية التي تعرض ويتعرض إليها النظام العدائي بالجزائر حليف النظام الإيراني، مما يؤشر على بداية تلاشي ما حمله طيلة عقود من الزمن من أحلام وأوهام، بخصوص النزاع المفتعل حول الصحراء الغربية المغربية، خاصة في ظل المواقف الجديدة للقوتين الاستعماريتين السابقتين: فرنسا وإسبانيا؛
انخراط مجموعة من الدول العربية ومن ضمنها المغرب، في مسار التطبيع مع إسرائيل؛
التطبيع السعودي الإيراني، الذي قطع مع مسلسل طويل من التوتر والقلق والتوجس بين البلدين، ومهد لإمكانية توسيع دائرة التطبيع الإيراني في المجال العربي، خاصة مع المغرب؛
التصعيد غير المسبوق بين إيران وإسرائيل، على خلفية اغتيال على التوالي، اسماعيل هنية زعيم حماس في قلب إيران، وحسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، ودرع إيران بالمنطقة، بكل ما شكله ذلك، من ضربة موجعة لإيران وأدرعها في المنطقة العربية؛
عودة الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب للبيت الأبيض في ولاية ثانية، وتداعيات ذلك، على عدد من الملفات الشائكة عالميا، ومن ضمنها الصراع العربي الإسرائيلي والتوتر الإيراني الإسرائيلي، والحرب الروسية الأوكرانية، مما قد يعبد الطريق لدخول العالم في حالة من الانفراج والسلام؛
ما أطلقه جلالة الملك محمد السادس، من مشاريع ومبادرات قارية، ذات أبعاد اقتصادية وتنموية واستراتيجية، كمشروع أنبوب الغاز المغرب نيجيريا، ومبادرة إفريقيا الأطلسية، فضلا عن مبادرة تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي، ومبادرات من هذا القبيل، من شأنها ليس فقط، حسم ملف الصحراء المغربية، بل وتعزيز مكانة المغرب، كدولة مسؤولة وذات مصداقية، صانعة للتنمية والأمن والسلام والاستقرار، ما يجعله قوة صاعدة مؤثرة في محيطها القاري والعربي؛
إمكانية التعجيل بفتح قنصلية أمريكية بالصحراء المغربية بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، بالموازاة مع ما يروج من أخبار، بخصوص إمكانية فتح الصين لقنصلية مماثلة، مما يعبد الطريق أمام الطي النهائي لملف النزاع المفتعل حول الصحراء، والذي ظلت إيران، تستثمره، لاستهداف المغرب ووحدته الترابية، بتعاون وتنسيق مع النظام الأرعن بالجزائر؛
استحضارا لهذه السياقات المتعددة الزوايــا والأبعاد، واعتبارا لما تتفرد به الدبلوماسية المغربية من حكمة وواقعية وبراغماتية وتبصــر، وما يميزها من جنوح نحو خدمة قضايا الأمن والاستقرار والسلام والتعاون، فبدون شك، هي جاهـزة لتذويب جليد الخلاف مع إيـــران، وغيرها من الدول التي لازالت تصطف في طابـــور خصوم وأعداء الوحدة الترابية، لكـــن بشروط، تتقاطع في احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وقطع أنبــوب الاعتراف بجمهورية الوهم والسراب؛
وسواء تعلق الأمر بإيـران أو غيرها، فلابد من التذكير، أن ملف الصحراء المغربية، بات “النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم” و”المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس بــه صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”، كما أكد جلالة الملك محمد الســـادس، في الخطاب الملكي السامي الموجه إلى الأمة بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب، وفي هذا الصدد، فأي تطبيع محتمل مع إيران، لابد أن يمر عبر تغيير طهران لموقفها بخصوص قضية المغاربة الأولى، بالاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، على غرار ما أقدمت عليه دول وازنة من قبيل الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا وألمانيا وفرنسا، وقطع جميع أشكال الدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري لصعاليك تنـدوف، وأي موقف من هذا القبيل، سيعبد الطريق للتوافق حول الكثير من الملفات والقضايا الخلافية، التي حكمت على العلاقات المغربية الإيرانية، أن تبقى أسيرة الخلاف والتوتر والقلق والتوجس والقطيعة، منذ الثورة الإسلامية؛
الاعتراف الإيراني المحتمل بمغربية الصحــــراء إذا ما تحقق على أرض الواقع، لا يمكن البتة، قياسه بما حققه المغرب من فتوحات دبلوماسية وازنة منذ الاعتراف الأمريكي التاريخي بمغربية الصحـــراء، أو موازنته بالإجماع العربي حول سيادة المغرب على كافة ترابه، ولكن، ستكون له أهميته الدبلوماسية والاستراتيجية، لما له من دور في مواصلة معركة تحطيم جدار العداء للمغرب ووحدته الترابية، وتحييد المخاطر المهددة لأمن واستقرار المملكة، وفي كسب صداقة وشراكة نظام إيراني، تخندق طيلة عقود من الزمن، في صف النظام العدائي الجزائري، ومن خلاله في طابور خصوم وأعداء الوحدة الترابية للمملكة؛
لكن في ذات الآن، ليست قضية الوحدة الترابية وحدها، من ستعجل بالتطبيع مع إيران من عدمه، فلابد من الإقرار أن هناك قضايا أخرى لا تقل أهمية، منها “نشر التشيع” و”التحالف مع الجهات المعادية للمملكة” ومنها النظام الجزائري الأرعن وجماعة البوليساريو الإرهابية، و”الثوابت الدينية المغربية” التي تشكل “إمارة المؤمنين” إحدى دعاماتها الأســاس، وعليه، نرى أن الكرة ملقاة الآن في المرمى الإيراني، وإرادة صانعي القرار في إيران في المصالحة مع المغرب، تمر قطعا، عبر تقديم إجابات ومواقف حقيقية، بخصوص جميـع القضايا الخلافية، وفي المجمل، يبقى ملف الصحراء هو “نظارة المغرب على العالم”، التي يمكن للرباط من خلالها، قياس مدى صدق طهـــران، ومدى قدرتها على التحول من عابث بالأمن العربي، إلى صديق وشريك، داعم لقضايا الأمن والوحدة والاستقرار والتعاون والعيش المشترك…
المصدر: العمق المغربي