ورقة توصي باعتماد “جيل جديد” من الإصلاحات لتجاوز أعطاب مراكز الاستثمار
أبرزت ورقة بحثية صدرت حديثا أن إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار كان له أثر إيجابي في “تحسن ملحوظ لمؤشرات الاستثمار الجهوي، لكن استمرار عدة أعطاب يُحتِّم اعتماد جيل جديد من الإجراءات (الجيل الثالث) لإصلاح الإصلاح”.
ولفتت الورقة، التي أعدها عبد الرفيع زعنون، باحث في القانون العام والعلوم السياسية، ونشرَها المعهد المغربي لتحليل السياسات (مقره بالرباط)، إلى أنها “حاولت الإجابة عن السؤال المركزي التالي: إلى أيّ حد ساهم القانون رقم 47.18 والإصلاحات التي تلتْه في تعزيز فعالية المراكز الجهوية للاستثمار؟”، مُتوسلة في ذلك “رصدَ مؤشرات الأداء التدبيري للمراكز الجهوية للاستثمار ومستويات تأثيرها في ترسيخ التدبير اللامتمركز للاستثمار”، مع “استشراف سبل تجاوز الإكراهات التي تواجه حكامة الاستثمار الجهوي وتحُد من فعاليته”.
أبرز الخلاصات التي وصل إليها الباحث تؤكد “إسهام القانون رقم 47.18 المتعلق بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وإحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار في بث نفَس جديد في ديناميات الاستثمار الجهوي بفضل الارتقاء بالنموذج المؤسساتي للتدبير اللامتمركز للاستثمار، وتقوية صلاحيات وأدوات تدخل المراكز الجهوية واللجان الجهوية الموحدة للاستثمار”.
في المقابل يرصد كاتب الورقة، المعنونة بـ”المراكز الجهوية للاستثمار.. في الحاجة لإصلاح الإصلاح”، “تفاقم الأعطاب التي تحد من الأثر الاقتصادي والاجتماعي للتدبير اللامتمركز للاستثمار، في ظل ضعف التنسيق بين المتدخلين في الإشراف على الاستثمار الجهوي، ومحدودية التدابير الرامية إلى تعزيز فعالية واستدامة المشاريع الاستثمارية وانضباطها لاستحقاقات التنمية المستدامة والعدالة المجالية، وغيرها من الإشكالات التي تستوجب الانتقال إلى “الجيل الثالث” للتدبير اللامتمركز للاستثمار، بما سيجعل المراكز الجهوية للاستثمار قادرة على التدخل بالسرعة والكفاءة اللازمتَين للاستجابة لحاجيات المستثمرين”.
توصيات
وختم الباحث ذاته ورقته بأربع توصيات هامة اعتبرَها تحقق الانتقال إلى جيل التدبير اللامتمركز للاستثمار، أولاها “تعزيز مساهمة المراكز الجهوية للاستثمار في بلورة وتنزيل الاستراتيجيات الوطنية لإنعاش الاستثمارات بُغية ربح الرهانات المرجوة، وفي مقدمتها استحقاقات تفعيل الميثاق الجديد للاستثمار”.
التوصية الثانية تحث على “تسريع أجندة تفعيل ميثاق اللاتمركز الإداري”، خاصة فيما يتعلق بـ”نقل وتفويض الصلاحيات المتعلقة بتدبير الاستثمار”، مشددة على “مراجعة تركيبة المجالس الإدارية للمراكز واللجان الموحدة لتجسير العلاقة بين مختلف المتدخلين في الاستثمار الجهوي”.
أما الثالثة فتتعلق، وفق ورقة زعنون، بـ”بلورة آليات دائمة للتحفيز الترابي بشراكة بين المراكز الجهوية للاستثمار والمجالس الجهوية المنتخبة كوضع مراصد متخصصة وإرساء أبناك مشاريع وقواعد معطيات متقاسمة لإبراز المؤهلات التنموية للجهات وتثمين فرص الاستثمار بها”. فيما توصي الرابعة بـ”معالجة الأعطاب البيروقراطية التي تحُول دون التجسيد الفعلي للشباك الجهوي الموحد للاستثمار، بإعفاء حاملي المشاريع من الأعباء المسطرية وتسريع آجال معالجة الطلبات وتسوية النزاعات، مع مأسسة المهام المتعلقة بمصاحبة المقاولات”.
وفي ثنايا ورقته التي طالعتها هسبريس، ذكر الباحث في القانون العام بأهمية “إصدار القانون رقم 47.18 ضمن مساعي تجاوز الأعطاب الهيكلية التي حدت من سياسة التدبير اللامتمركز للاستثمار كما وُضِعت سنة 2002″، مضيفا “استهدَف القانون المذكور وما تبعه من نصوص تطبيقية وتدابير موازية مراجعة جذرية للإطار التنظيمي والوظيفي للمراكز الجهوية للاستثمار، وهي الإصلاحات التي ترتب عنها إحداث طفرة نوعية في ديناميات الاستثمار الجهوي في ضوء التحسن التدريجي لآجال معالجة طلبات الاستثمار، مع تنامي حجم الاستثمارات على صعيد الجهات”.
غير أن الممارسة، يتابع الباحث، تُؤشِّر على إشكالات عديدة، “منها ما يرجع إلى مرجعيات الإصلاح التي لم تُواكَب بالتَّحيِينات والتعديلات المطلوبة أمام تطور واقع الاستثمار الجهوي، ومنها ما يعود إلى عدم تلاؤم المقاربات المعتمدة في تنفيذ سياسة التدبير اللامتمركز للاستثمار مع خصوصيات عالم الأعمال، وغيرها من المؤشرات التي لم يعد بالإمكان تجاهلها في ظل ارتباط الاستثمار الجهوي بالأوراش الجديدة للتدبير العمومي”، ضاربا المثال بـ”تنفيذ ميثاق الاستثمار، والاستحقاقات الجديدة للعدالة المجالية بعد مرحلة 20172023، وإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، وتطوير نظام اللاتمركز الإداري، والإصلاح الترابي للدولة في ضوء مساعي تنزيل توجهات النموذج التنموي الجديد”.
المصدر: هسبريس