المغاربة ليسوا دعاة حرب!
أمام الانتصارات المتوالية التي ما انفك المغرب يحققها بفضل القيادة الحكيمة والرؤية المتبصرة لقائده الملهم الملك محمد السادس، وفي مقدمتها بسط نفوذه الكامل على أراضيه الجنوبية المسترجعة، يبدو أن النظام العسكري الجزائري المفلس لم يعد لديه ما يخسره، وهو الذي خسر ملايير الدولارات من أموال الشعب الجزائري المقهور في نزاعه المفتعل حول الصحراء المغربية، عدا جر المغرب لحرب لا تبقي ولا تذر، لاسيما بعد أن اتضح له أن “جبهة البوليساريو” الانفصالية والإرهابية تمر بمرحلة الاحتضار …
إذ أنه عوض الارتقاء إلى مستوى التعامل الفعال الذي يعتمد الحكمة والتفاعل الإيجابي مع مبادرات العاهل المغربي الذي لم يفتأ يمد يده إلى أشقائه الجزائريين قصد طي صفحة الماضي وتجاوز الخلافات، التي تحول دون العمل المشترك في اتجاه النهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشعبين الشقيقين الجزائري والمغربي، يصرون على التمادي في استفزاز المغرب ومعاكسة وحدته الترابية، مستعينين بأبواقهم الإعلامية الصدئة، التي لا تتوقف عن تمرير المغالطات وتغذية الكراهية بين الشعبين.
فعلى إثر انتخاب عبد المجيد تبون رئيسا للجزائر في دجنبر 2019، بعث إليه ملك المغرب ببرقية تهنئة، داعيا إياه إلى فتح “صفحة جديدة”، لكنه ومباشرة بعد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء في دجنبر 2020، وتنظيف القوات المسلحة الملكية منطقة الكركرات من عصابات البوليساريو، سارعت الجزائر إلى تجديد تأكيدها بأن “الصحراء قضية تصفية استعمار” وأن حلها يكمن في تطبيق القانون الدولي. وفي خطابه السامي ليوم 31 يوليوز 2021 بمناسبة الاحتفال بالذكرى 22 لاعتلائه العرش، أعرب العاهل المغربي عن أسفه للتوترات المستمرة بين البلدين الجارين، ودعا مرة أخرى حكام الجزائر إلى فتح الحدود البرية، لكنهم لم يلبثوا أن ردوا بالإعلان عن “إعادة النظر” في علاقاتهم مع المغرب، متهمينه بالتورط في الحرائق التي اجتاحت شمال الجزائر، ثم بادروا من جانب واحد إلى قطع العلاقات الدبلوماسية معه في 24 غشت 2021 بسبب ما أسموه “أعمالا عدائية”.
وليت الأمر توقف عند هذا الحد بل أصر “الكابرانات” على مواصلة استفزازاتهم الخرقاء، حيث أقدمت الرئاسة الجزائرية على اتخاذها قرارا يوم 31 أكتوبر 2021 يقضي بعدم تجديد عقد استغلال خط أنبوب الغاز الذي يمر عبر التراب المغربي لتزويد إسبانيا، مرورا بإغلاق المجال الجوي أمام جميع الطائرات المدنية والعسكرية المغربية وفرض تأشيرة دخول أراضيها على المواطنين المغاربة. والأخطر من ذلك كله استهداف ميليشيات البوليساريو الانفصالية والإرهابية بإيعاز من السلطات الجزائرية شرق الجدار الأمني في منطقة المحبس، من خلال إطلاق مقذوفات يوم السبت 9 نونبر 2024 على مهرجان احتفالي بمناسبة الذكرى 49 للمسيرة الخضراء، فضلا عما سبق ذلك من تفجيرات في مدينة السمارة وخرق اتفاق وقف إطلاق النار في عديد المناسبات، واعتداءات الجيش الجزائري على واحة “العرجا” قرب مدينة فكيك، وقتل شبان مغاربة في شاطئ السعيدية، والاستفزازات اليومية على الحدود المغربية من جهة السعيدية إلى تندوف…
فبناء على هذه الممارسات العدائية التي ينهجها عساكر الجزائر وما يرافقها من حملات إعلامية هوجاء واعتداءات متواصلة، يتأكد بالفعل أن هناك اتجاها جزائريا نحو إشعال فتيل الحرب مع المغرب، وهو ما صرح به وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة يوم الجمعة 8 نونبر 2024 أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، حيث قال: “الجزائر تخطط لمواجهة عسكرية مع المغرب”، منبها إلى خطورة الوضع في ظل هذا الكم الهائل من الحقد الذي يكنه شنقريحة وأتباعه للمغرب والمغاربة كافة، ولاسيما بعد الانتصارات المتتالية للدبلوماسية المغربية في ملف الصحراء.
إذ بدل اتجاه “الكابرانات” نحو منافسة المغرب في مساره التنموي الناجح والقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية، والعمل على مواجهة مطالب المواطنين الجزائريين وحسن تدبير شؤونهم الداخلية، ولاسيما أن هناك ضعفا صارخا في الخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة وتشغيل وإسكان، ويتطلعون إلى تحسين ظروف عيشهم بعيدا عن الادعاءات الكاذبة، خصوصا أن بلادهم تنتج من النفط والغاز أضعاف ما تنتجه دول الخليج، فإن هؤلاء الحكام غير الشرعيين لا يحسنون عدا اختلاق المشاكل وتقديم صور وهمية عن مؤامرات خارجية في محاولات يائسة للفت أنظار المواطنين عن أزماتهم الحقيقية، وإلا ما معنى الانخراط الكامل في دعم مرتزقة البوليساريو، وتركيز كل اهتماماتهم على قضية الصحراء المغربية؟
إننا لا نعتقد أن تصريح وزير الخارجية ناصر بوريطة جاء من فراغ، فقد يكون ناتجا عما تراكم لديه من معطيات استخباراتية وغيرها، وأراد بذلك التنبيه لما يسعى إليه “الكابرانات”، الذين باتوا مستعدين لمزيد من التهور والقيام بأي فعل إجرامي يساهم في خلط الأوراق للبقاء في الحكم، وكبح جماح المغرب الذي ما انفك يحصد ثمرات جهوده على عدة مستويات، ومنها ترسيخ مغربية الصحراء عبر ما تحقق من نهضة تنموية في الأقاليم الجنوبية ودعم دولي متواصل للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية…
فالمغاربة على عكس من يستهويهم دق طبول الحرب ويدعون إليها بمختلف الوسائل للتغطية على فشلهم المبين وأزماتهم الداخلية، لم يكونوا أبدا وعلى مر التاريخ دعاة حروب، بقدر ما كانوا ومازالوا يساهمون على الدوام في تعزيز السلم والأمن ويقرعون أجراس السلام في العالم، لكنهم يرفضون بقوة الاستكانة للظلم بمختلف أنواعه، وقادرون على رد الصاع صاعين لمن توسوس لهم شياطينهم باغتصاب حقوقهم المشروعة ومحاولة المس بالوحدة الترابية لوطنهم الحبيب.
المصدر: العمق المغربي