و.بوست: أوهام أمريكا بإعادة تشكيل الشرق الأوسط
أمد/ واشنطن: عندما سحبت إدارة الرئيس الامريكي جو بايدن القوات الأمريكية من أفغانستان في عام 2021، رأى كثيرون أن هذه كانت لحظة فاصلة.
عندما غزت إسرائيل لبنان في عام 1982، كان هدفها إنشاء دولة أكثر مرونة، وبعد عقدين من الحرب، استنتج القادة الأمريكيون أخيراً أنه لا أمل في تحويل الشرق الأوسط الكبير باستخدام القوة العسكرية.
وقال الرئيس جو بايدن حينها: “لم نذهب إلى أفغانستان لبناء الأمة. ومن حق الشعب الأفغاني وحده أن يقرر مستقبله وكيف يريد إدارة بلاده”.
وتقول صحيفة “واشنطن بوست” أن هذا التواضع أثبت أنه لم يدم طويلاً. فعلى مدار العام الماضي، وجدت الولايات المتحدة نفسها منجذبة إلى حماسة بناء الأمة مرة أخرى، وهذه المرة من نوع أكثر نيابة عن الآخرين، فمنذ أن قتلت حماس ما يقرب من 1200 شخص في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تبنت الولايات المتحدة جهود إسرائيل لإعادة تشكيل جوارها بالقوة.
أما البيت الأبيض في عهد بايدن، الذي أدرك ذات يوم استحالة إعادة تشكيل المجتمع الأفغاني، فقد طالب بدلاً من ذلك بتغيير شامل للنظام في غزة.
وبحسب الصحيفة، فإن صناع السياسات الذين أيدوا انسحاب أغلب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط زعموا أن غزو إسرائيل للبنان يوفر “فرصة هائلة” لإعادة تشكيل النظام السياسي في البلاد وإعادة بناء جيشها”. وكما قال دبلوماسي أميركي لم يكشف عن هويته لمجلة “إيكونوميست” إن “الأمر أشبه بعام 2003 مرة أخرى”.
ومع عودة دونالد ترامب الوشيكة إلى البيت الأبيض، لا يبدو أن الولايات المتحدة ستتراجع، فترامب الذي سعى لإنهاء حرب أفغانستان، يأمل الآن في أن يتمكن المطورون من جعل غزة “أفضل من موناكو”.
وكما أظهرت فترة ولايته الأولى، فإن ترامب ليس لديه أي مصلحة في الانفصال عن إسرائيل عندما يتعلق الأمر بقضايا الأمن القومي.
وتشير قراراته المبكرة بشأن الموظفين، إلى أن هذا النمط سوف يستمر، فقد قال روبرت ويلكي، الذي يقود فريق ترامب الانتقالي في البنتاغون، الشهر الماضي فقط إن إسرائيل بحاجة إلى “إنهاء المهمة” ضد حزب الله في لبنان.
وقد يساعد هذا في تفسير سبب مسارعة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، إلى الإشادة بـ”أعظم عودة في التاريخ”، عندما فاز ترامب في الانتخابات الأسبوع الماضي.
وتلفت الصحيفة إلى أن هذه العودة إلى التفكير متوقعة، ففي حين تلاشت الحرب على الإرهاب من شاشات التلفزيون الأمريكية، استمرت العمليات في دول من اليمن إلى العراق وسوريا.
وعندما قصفت إدارة بايدن الميليشيات المتحالفة مع إيران في سوريا والعراق في وقت سابق من هذا العام، برر المسؤولون الأمريكيون الهجوم باستخدام نفس التفويض لاستخدام القوة العسكرية الذي أقره الكونغرس في الأيام التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول).
وتخضع حماس وحزب الله للعقوبات بموجب نفس القوانين التي تحظر التفاعل مع تنظيم “القاعدة” وتنظيم “داعش”.
وإذا كان الكثير من إطار السياسة لعام 2003 لا يزال قائماً، فهل من المستغرب أن تظل عقلية عام 2003 قائمة أيضاً؟
ودعم البيت الأبيض تحت إدارة بايدن التخطيط لشرق أوسط جديد.
وأمضى فريق بقيادة بريت ماكغورك، الخبير في شؤون الشرق الأوسط منذ فترة طويلة، والذي ساعد إدارة بوش في محاولة بناء الأمة في العراق، نهاية العام الماضي في كتابة خطط اللعبة لمستقبل غزة، والتي تراوحت بين فرض حكم السلطة الفلسطينية وإرسال قوات عربية للعمل كقوات حفظ سلام.
وكان الهدف، على حد تعبير المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر، هو “مسار جديد إلى الأمام يمكّن الفلسطينيين من إعادة بناء حياتهم وتحقيق تطلعاتهم دون طغيان حماس”.
وتستعد إدارة ترامب لمضاعفة هذا النهج. اقترح ديفيد فريدمان خطة عملية لغزة بعد الحرب حيث تتمتع إسرائيل “بالسيطرة الأمنية الكاملة على قطاع غزة”.
وقال ترامب نفسه إنه يأمل في تنشيط غزة بعد الحرب من خلال تطوير العقارات، وهو الاقتراح الذي يبدو أنه حصل عليه من صهره جاريد كوشنر.
صعوبات
ويشير التاريخ إلى أن هذا النهج يواجه صعوبات طويلة الأمد. فعندما غزت إسرائيل لبنان في عام 1982، كان هدفها إنشاء دولة أكثر مرونة على حدودها الشمالية، لكن النتيجة الأكثر ديمومة كانت إنشاء حزب الله، فيما تسبب مغامرات أمريكا بالشرق الأوسط في ظهور تنظيمي “داعش” والقاعدة الإرهابيين.
وتقول الصحيفة إنه لا يوجد أي سبب وجيها للاعتقاد بأن هذه المرة ستكون مختلفة، فعلى مستوى أساسي، كانت الولايات المتحدة غير متماسكة في سياستها تجاه مستقبل غزة، ومع ارتفاع حصيلة القتلى وتصاعد الضغوط السياسية على بايدن، استقرت إدارته في موقف متناقض: حماس منظمة شريرة بطبيعتها ويجب تدميرها، وحماس هي الطرف الذي ينبغي لإسرائيل أن تسعى معه إلى التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم.