الحياد التنافسي في المغرب ركيزة لتطوير الاقتصاد وجذب الاستثمارات
في ظلّ التطوّرات المتسارعة التي يشهدها الاقتصاد العالمي والتحديات الجديدة التي تطرحها التغيرات في هيكلة الأسواق، نظّم مجلس المنافسة، اليوم الأربعاء، ندوة دولية تتناول موضوع “الحياد التنافسي والولوج إلى الأسواق”، وهو ما جاء ليعكس أهمية وراهنية القضايا المرتبطة بنشاط الشركات المملوكة للدولة في الأسواق، والتي تثير أسئلة جوهرية تتعلق بمبادئ الحياد التنافسي والروابط القانونية والتنظيمية التي تربط هذه الشركات بالدولة.
في هذا السياق، شدّدت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، على أهمية إرساء قواعد المنافسة العادلة وتعزيز فرص الوصول إلى الأسواق في سياق الاقتصاد الوطني، معتبرةً أنّ هذه القيم تُعدّ من الدعائم الأساسية التي تقوم عليها رؤية المغرب للاقتصاد المستدام والمنفتح على التحديات العالمية.
وأوضحت الوزيرة أنّ المغرب، كغيره من الدول، يواجه تحديات كبيرة تتعلق بالحياد التنافسي، في ظلّ عالم اقتصادي يتسم بالتغير المستمرّ والتنافسية العالية، مضيفةً أنّ الدولة تعمل على تحقيق توازن بين ضمان العدالة في المنافسة والحفاظ على وظائف المصلحة العامة عبر القطاع العام، مشيرةً إلى أنّ “الحياد التنافسي والوصول العادل إلى الأسواق أصبحا من القضايا المحورية في سياساتنا الاقتصادية”.
تطوير الاقتصاد المغربي
وقالت الوزيرة: “إنّه في إطار تطور الاقتصاد العالمي، بات من الضروري وضع آليات تضمن تكافؤ الفرص بين جميع الفاعلين الاقتصاديين، بما في ذلك الشركات العامة والخاصة، لضمان بيئة تنافسية عادلة تدعم النموّ وتحقيق العدالة الاجتماعية”.
وتحدّثت فتاح عن الجهود المبذولة لإصلاح المؤسسات والشركات العامة في المغرب، وهي الإصلاحات التي تمّ إطلاقها بناءً على التوجيهات السامية لجلالة الملك محمد السادس، مؤكدةً أنّ الهدف من هذه الإصلاحات هو “تحويل الدولة من فاعل اقتصادي مهيمن إلى ميسّر ومنظّم للسوق، مع ضمان الحياد التنافسي في جميع القطاعات”.
وأضافت أنّ الإصلاحات التي تمّ تنفيذها تهدف إلى تحسين حوكمة الشركات العامة وتعزيز أدائها من خلال تعزيز استقلالية مجالس الإدارة وتطوير سياسات استراتيجية جديدة، كما تطرّقت الوزيرة إلى إنشاء الوكالة الوطنية لإدارة المشاركة الاستراتيجية للدولة، التي تهدف إلى ضمان التوازن في تمثيل الدولة كمستثمر والمساهمة في تحسين الأداء الحكومي والقطاعي.
الاستثمار الخاص
من بين القطاعات التي شهدت الإصلاح، أكّدت وزيرة الاقتصاد والمالية على القطاع الطاقي كمثال على التوجّه نحو مزيد من الانفتاح والمنافسة، قائلةً: “لقد قمنا بفتح قطاع الطاقة للشراكات بين القطاعين العام والخاص، ونعمل على إفساح المجال لمستثمرين من جميع أنحاء العالم للمساهمة في مشاريع الطاقة المتجددة. وهذا يتيح لنا ضمان تنمية مستدامة ويحقق تنافسية أكبر في القطاع”.
كما تحدّثت فتاح عن الإصلاحات التي شهدتها الشركات العاملة في إنتاج وتوزيع الكهرباء، حيث تمّ فتح المجال أمام الشركات الخاصة للمشاركة في الإنتاج، مما أسهم في زيادة حجم الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي، وقالت الوزيرة: “أكثر من 90% من إنتاج الكهرباء في المغرب اليوم يتمّ عبر شراكات بين القطاع العام والخاص، مما يعكس نجاحنا في خلق بيئة تنافسية في هذا المجال”.
وتطرّقت الوزيرة أيضاً إلى أهمية تشجيع الاستثمارات الخاصة في إطار تعزيز التنافسية الاقتصادية، مشيرةً إلى أنّ المغرب يسعى إلى تعزيز دوره كمركز اقتصادي عالمي من خلال تحسين مناخ الأعمال وجذب الاستثمارات الأجنبية.
وقالت: “نحن في مرحلة حاسمة من تاريخنا الاقتصادي، حيث نسعى لخلق بيئة تنافسية تفتح المجال أمام الاستثمارات الوطنية والدولية. وذلك من خلال تطبيق ميثاق الاستثمار الجديد الذي أُطلق في مارس 2023، والذي يشمل أكثر من 110 مشروعاً استثمارياً بقيمة 130 مليار درهم”.
وأوردت أنّ الحكومة المغربية تواصل دعم الشركات والمستثمرين من خلال أدوات متعددة مثل صندوق محمد السادس للاستثمار، الذي يهدف إلى دعم النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل في القطاعات الاستراتيجية.
وفي ختام مداخلتها، أكّدت نادية فتاح أنّ الإصلاحات التي تجري في المغرب تواكب التوجّهات العالمية لتحقيق اقتصاد أكثر تنافسية وشمولية، مشيرةً إلى أنّ المغرب يواجه تحديات كبيرة تتطلّب تكاتف جميع الفاعلين في الاقتصاد، مضيفةً بالقول إنّ “التحدي الكبير الذي نواجهه هو إيجاد التوازن بين تحقيق العدالة في المنافسة والحفاظ على القدرة التنافسية الوطنية في السوق العالمية، نحن على الطريق الصحيح، ولكنّنا بحاجة إلى العمل المستمرّ من جميع الأطراف المعنية لتحقيق هذا الهدف”.
تعزيز الشفافية
ومن جانبه، أكّد نور الدين بنسودة، الخازن العام للمملكة، في كلمته على هامش أعمال الندوة الدولية حول موضوع “الحياد التنافسي والولوج إلى الأسواق”، على أهمية الإصلاحات المتتابعة التي تنتهجها المملكة المغربية في سبيل تعزيز الشفافية والتنافسية في الأسواق، وخاصةً في ظلّ التحديات العالمية الراهنة التي تشمل شحّ الموارد وانقطاع سلاسل التوريد وظهور عوائق جديدة في التجارة الدولية.
وفي كلمته، شدّد بنسودة على أنّ المغرب، منذ عام 2011، عمل على جعل المنافسة مبدأً دستوريّاً، مما يعزّز من قدرة الاقتصاد المغربي على مواجهة المنافسة العالمية، مشيراً إلى أنّ الإصلاحات التي أقرتها المملكة في عام 2023، والمتعلقة بسوق الشراء العام، تأتي ضمن خطوات كبيرة نحو تحسين شفافية السوق وجعله أكثر جاذبية للمستثمرين.
وأضاف أنّ هذه الإصلاحات تتيح نشر برامج الشراء العامة بشكل علني، ما يضمن للمنافسين من القطاع الخاص رؤية واضحة للمشاريع المتاحة، وبالتالي تمكينهم من اتخاذ قرارات مبنية على معطيات شفافة.
أحد أبرز المحاور التي تطرّق إليها بنسودة هو إرساء نظام يضمن تكافؤ الفرص بين جميع المتنافسين، حيث أشار إلى أنّ الإصلاحات الأخيرة تعتمد على آلية جديدة لتقييم العروض المقدّمة في سوق الشراء العام، كما يتمّ التقييم بناءً على متوسط التكلفة السوقية المتوقعة بالإضافة إلى عروض الأسعار المقدّمة من المتنافسين، مما يمنع الاعتماد على العروض الأقلّ سعراً بشكل مطلق والذي قد يؤدّي إلى تقديم خدمات أقلّ جودة.
تحقيق الإنصاف
وأوضح المتحدّث أنّ هذه الخطوة تأتي لضمان عدم حدوث تلاعب في الأسعار، ولتجنّب ما وصفه بالـ”كسر في الأسعار” الذي قد يؤدّي إلى منافسة غير عادلة وإضرار بجودة الخدمات، ويرى الخازن العام للمملكة أنّ هذا النظام سيعزّز الثقة بين المستثمرين ويحفّزهم على المشاركة الفعّالة في السوق المغربية.
وفي خطوة مهمة لتعزيز الشفافية، تحدّث بنسودة عن إنشاء “مرصد الطلبات العمومية” الذي يتبع الخزينة العامة للمملكة، والذي سيتولّى مهمة جمع وتحليل البيانات المتعلقة بالصفقات العمومية، مؤكداً أنّ هذا المرصد يهدف إلى توفير معلومات دقيقة تسهم في تعزيز الرقابة وتقديم رؤى واضحة للمسؤولين وللقطاعات المعنية، بما في ذلك البرلمان. ويعزّز هذا الإجراء المسار الذي انتهجه المغرب في سبيل تحقيق الحوكمة الرشيدة، إذ يتيح للمرصد توثيق وتقييم المعاملات التجارية ويضمن بذلك مزيداً من الشفافية.
واختتم بنسودة كلمته بالإشارة إلى أنّ هذه الإصلاحات تعكس التزام المغرب بتحقيق النمو الاقتصادي العادل والمتكافئ، وأنّ تأثيرها الإيجابي على الاقتصاد الوطني بات ملموساً، مشيراً إلى أنّه منذ بداية العام 2024 وحتّى نهاية أغسطس، شهدت سوق الشراء العام نشر ما يقارب 27,300 عرض، بزيادة مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، مما يعكس نجاح هذه الجهود في تعزيز ديناميكية السوق.
ويرى بنسودة أنّ هذه الإصلاحات تشكّل نقلة نوعية في سياسة السوق المغربي، حيث ستعمل على جذب مزيد من الاستثمارات وتعزيز تنافسية الاقتصاد المغربي على المستوى الدولي، مؤكّداً أنّ المغرب ماضٍ في مواصلة هذا المسار بهدف تحقيق التنمية المستدامة والاستفادة القصوى من العولمة الاقتصادية.
المصدر: العمق المغربي