مُستقبل الاتفاق السياسِي في ظّل اختطاف القرّار السياسِي السُودْاني (٣/٢)
نضال عبدالوهاب
في الجزء الأول لهذا المقال توقفت عن ما هي الآليات التي تتوسع بها قاعدة المُشاركة السياسِية وفك احتكار العمل القيادِي وتحرير القرار السياسِي من الاختطاف، وكنت قد وعدت في توضيح هذا إضافة لتقدّيم مقترحات عملية في هذا الاتجاه، خاصة في ظرف بلادنا الحالي والحرب المُستعرة بها وإفرازاتها الإنسانية وانعكاساتها الكارثية علي السُودان وشعب السُودان بالداخل والخارج.
لكي يتم توسيّع قاعدة المُشاركة السياسِية من المهم والضروري، وفي ظل غياب الديمُقراطية وحتى الإستقرار السياسِي أن نبدأ بمجموع القوى والكيانات السياسِية أحزاب كانت أو فصائل سياسية مُختلفة، مُنفردة أو في شكل الكُتل والتحالفات الموجودة، من المُفيّد أن تُمارس جميّع هذه الكيانات والأحزاب والفصائل خطوات تنظيّمية داخلية لها علاقة بتفعيّل جميّع عضويتها، وإخراجها من حالة الركود وعدم الفاعليّة إلى الفعل والعمل المُستمر، وفق مقدرات عضويتها، وكذلك التدريب والتأهيّل لرفع مقدرات عضويتها بما يتناسب وبرامجها والأدوار والمهام التي يُمكن أن يقوموا بأدائها، ومن خلال العمل اليومي والنشاط وروح المُبادرة وتأدية التكاليف وإنجازها يُخْتَار الكادر القيّادي والعمل علي تدرجه الداخلي؛ ومن ثم رفع تأهيله والدفع به في نشاط الهيئات الحزبية أو الكيانات، ليقوم بإنجاز المطلوبات للعمل القيادي داخل تلك الكيانات، والحرص علي أن يتم كُل ذلك وفق السلوك والمُمارسة الديمُقراطية الداخلية السليّمة، ومن المُهم كذلك ليس التركيز أو الاستغراق في الخلافات أو الصرّاعات التي لا تفيد، ولا الاجتماعات التنظيمية الكثيرة والطويلة والمُرهقة للكادر نفسه، وإنما الذهاب لأجندة عمل يكون لديها مردودها الإيجابي في التوصل لحلول للمُشكلات المُختلفة والتحدّيات، وتُحقق مصالح جماهير تلك التنظيمات والكيانات السياسِية؛ وبالتالي مجموع مصالح السُودانيين علي مُختلف بحياتهم واتجاهاتهم.
ومن المُهم الحرص علي عقد المؤتمرات الداخلية لتلك الكيانات والتنظيمات والفصائل السياسِية، ولكن نسبةً لتعذر الوصول لهذا الهدف من واقع ظروف البلاد وغياب الإستقرار وكذلك طبيعة الواقع السياسي الحالي مع غياب الديمُقراطية، فيمكن تعويض عدم قيام المؤتمرات الداخلية، بطرح بدائل تُساهم في التغيير الداخلي لتلك الكيانات والتنظيمات، من خلال المُناقشات الداخلية حول قضايا مُحدّدة يتم أخذ رأي العضوية فيها واستكتابها لها، والوصول لخُلاصات لتلك المُناقشات ونتائج تساهم في القرار السياسِي، وتساعد على رسم الخط العام والسياسِي لتلك التنظيمات والكيانات والفصائل والمجموعات السياسِية، وأيضاً القيام بعمل الاجتماعات الموسعة للعضوية، والكادر القيادي، ويمكن الاستفادة من الكوادر التي لديها سهولة في الحركة لتقوم بعملية الربط وتوصيل قرارات الهيئات والمكاتب واللجان المختلفة قيادةً وقواعد، ويمكن الاستفادة كذلك من تقدّم التكنولوجيا في نقل المعلومات بشكل يُناسب النظام الداخلي لكل تنظيم أو كيان أو فصيل سياسِي، وفي عقد الاجتماعات نفسها، وإن كان في توقيت الحرب الحالية هنالك صعوبات حقيقية قد تواجه الجميّع في ظل الواقع الموجود، ونجد كذلك انتقال جزء كبير من قواعد وقيادات تلك التنظيمات لخارج السُودان.
ومن المُهم لتوسيّع قاعدة المُشاركة من طرح أسماء وكادر من خارج الإطار الضيّق، خاصة في الأساس والقواعد، علي أن يستمر مع هذا تجديد مُستمر في القيادات، وتنويّع في توزيع المهام والتكاليف للعمل، وعدم حصرها في عدد قليل أو كادر مُحدّد خاصة في المواقع القيادية، مع وجود خارطة تنظيمية ودليل تنظيمي يُتيح لتلك الأجسام والتنظيمات معرفة ما يُنْجَز للمهام والمطلوبات وفقاً للأدوار والتكاليف، ويتم به التقييم المُناسب.
هذا بالنسبة للتنظيمات التي تختص بالعمل السياسِي المُباشر، خاصة الأحزاب والكيانات والفصائل، أما المنظُومات والكيانات الأخرى التي تتكامل بها أدوار المُشاركة السياسِية، سواء في مُنظمات المجتمع المدّني أو الكيانات المُجتمعية، خاصة في ظل النظام الديمُقراطي، فمن المُهم أيضاً مُمارسة شكل من أشكال توسيّع المُشاركة، وتجدّيد القيادات وانتخابها، ولكننا في الواقع الحالي، فإننا نلجأ إلى عملية الترشيح والاختيار، والذي يُراعي معايير الكفاءة والمقدّرات، والمقدّرة علي إنجاز المهام، مع الانتباه لعوامل التوزيع الجغرافي وتغطية الإثنيات والمجموعات السُودانية المختلفة في عمليات التمثيل، إضافة للنوع، ورفع التمثيل لمشاركة المرأة والشباب والفئات العمرية المختلفة، وكل ذلك يزيد توسيع قاعدة المُشاركة، ولا يحصرها في إطار سياسي أو اجتماعي أو مناطقي وجُغرافي ضيّق، وبذلك نضمن مُشاركة واسعة في الوصول لقرار سياسِي لأكبر مجموع من التمثيل للسُودانيين، تتحقق به مصالح أكبر مجموع منهم.
أما شريحة، وفيه غير المُنتمين ومنضمون لتنظيمات أو أحزاب وفصائل سياسِية، وخاصة للفاعليّن منهم، فمن المُهم مُشاركتهم في طريق واتجاه اتخاذ القرار السياسِي وضمّن خارطة توسيّع قاعدة المُشاركة السياسِية واستيعابهم فيها، بحسب مقدّراتهم وقُدراتهم في العمل وتكوينهم الفكري والمعرّفي ووعيهم بما تمُّر به بلادنا، وضخاً لدماء تُفيّد في شرايين العمل ومطلوباته، وأيضاً يتم التعامل فيها بالترشيح بما يُحقق مصالِح العمل وفائدة بلادنا وشعبها.
ومن المُهم البُعد عن أمراض العمل التي عانينا منها في الفترات السابقة، والمُتمثلة في “التكتُلات” والشُلليّات، وتكرار الكوادر ومن يُمثلون، خاصة في مواقع القيّادة، وعدّم التعامُل بمفهوم “الحُب والكراهيّة والمزاج الشخصّي” عند الترشيّح أو الاختيار، مع وضع معايير تتناسب وطبيعة المهام والأداء والأدوار وظروف المرحلة الحاليّة لبلادنا، وكُل ما يواجه شعبنا السُوداني.
في الجزء القادّم والأخيّر نكتب عن كيفية التوصل لاتفاق سياسِي في ظل هذا الواقع، يُساهم في وقف الحرب وما بعدها.
المصدر: صحيفة التغيير