اقتصاديون ينادون بتسريع عجلة التشغيل وتقلص الأسباب البنيوية للبطالة
بعد أيام قليلة من كشف الحكومة سعيها لتوفير “إجابات مالية” لإشكالية التشغيل الذي تعده على رأس أولويات النصف الثاني من ولايتها، عبر إعلانها رصد ميزانية بـ14 مليار درهم لخارطة الطريق الوطنية للنهوض بالتشغيل خلال السنة المالية 2025، وفق ما كشفت عنه وثيقة مشروع الميزانية الفرعية لوزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، جاءت أرقام المندوبية السامية للتخطيط، ضمن مذكرة إخبارية حول “وضعية سوق الشغل في الفصل الثالث من 2024″، لتعيد النقاش بشأن الموضوع.
هذه “التقلبات” التي طالت سوق الشغل في المملكة لم تمر دون تجديد النقاش بين خبراء الاقتصاد المتخصصين حول مخاوف تفاقم البطالة التي ارتفع معدلها الوطني بشكل طفيف من 13,5% إلى 13,6%، بعدما انضم 58 ألف شخص إلى عداد العاطلين (42 ألف عاطل في الحواضر و16 ألفا في القرى)، ليصل العدد الإجمالي للعاطلين وطنيا إلى 1 مليون و683 ألفا.
عوامل هيكلية واقتصادية
عبد العالي فضل الله، أستاذ مؤهل في تخصص الاقتصاد التطبيقي والنمذجة الاقتصادية بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، أبرز أن بين الفصلين الثاني والثالث 2024، “زاد عدد الأشخاص في حالة شغل ناقص بـ 60 ألف شخص، ليصل إلى 1.066.000. وارتفع معدل الشغل الناقص من 9,6% إلى 10% على المستوى الوطني، ومن 8,1% إلى 8,8% في المناطق الحضرية، بينما بقي مستقرا عند 12% في المناطق القروية”.
وقال فضل الله، في تعليق تحليلي لهسبريس، إن “ارتفاع معدلات البطالة في المغرب وراءه مصفوفة من العوامل الهيكلية والاقتصادية”، أبرزها “ضعف النمو الاقتصادي وعدم قدرته على توليد فرص عمل كافية لاستيعاب العدد المتزايد من السكان النشطين، خاصة الشباب”.
يضاف إلى ذلك، “تداعيات توالي سنوات الجفاف، وتركز النشاط الاقتصادي في قطاعات جد حساسة للصدمات الخارجية متعلقة بتقلبات الأسواق الدولية كالفلاحة والخدمات، التي تشهد معدلات توظيف غير مستقرة وتتأثر كثيرا بالتقلبات الموسمية وظروف السوق”، كما أن “التوجه نحو أنماط عمل غير رسمية يساهم في انتشار البطالة المقنعة، إذ يعمل كثيرون في وظائف غير مستقرة أو ذات أجور منخفضة”.
وفي قراءته لـ”معدل التشغيل” الذي سجل “زيادة طفيفة من 37,4% إلى 37,6%، مع ارتفاع في المناطق الحضرية وانخفاض طفيف في المناطق القروية”، علق الأستاذ بمعهد الإحصاء بأن “المناطق الريفية والجهات النائية تستمر في معاناتها من نقص الاستثمارات والبنية التحتية، مما يحد من فرص التوظيف ويزيد من التفاوت الترابي في معدلات البطالة”، ملاحظا أن “خمس جهات تستحوذ على 72,4% من إجمالي السكان النشطين البالغين من العمر 15 سنة فأكثر، حيث تتصدر جهة الدار البيضاءسطات بنسبة 22,3%”.
مسارات للحلول الممكنة
“من الضروري تشجيع الاستثمار في القطاعات ذات النمو المرتفع مثل الصناعة، والطاقة المتجددة، والتكنولوجيا الحديثة”، يشدد الخبير في الاقتصاد التطبيقي، مبرزا إمكانات هذه القطاعات في خلق آلاف الوظائف والحد من الاعتماد على القطاعات التقليدية. بالإضافة إلى ذلك، “يمكن للدولة تحسين بيئة الأعمال لجذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية، عبر تسهيل الإجراءات الإدارية وتقديم حوافز ضريبية للشركات التي تساهم في توظيف العمالة المحلية”.
ولفت فضل الله إلى وجوب تركيز السياسات العمومية على “تحسين التعليم والتكوين المهني لملاءمته مع احتياجات سوق العمل المتغيرة، للمساعدة في تسليح الشباب بمهارات تتماشى مع متطلبات الشركات”، مقترحا أن يتم “تعزيز روح المقاولة من خلال توفير برامج تمويل ودعم مخصصة للشباب الراغبين في إنشاء مشاريعهم الخاصة”، وختم بالتشديد على ضرورة “تطوير برامج اجتماعية تستهدف الفئات الأكثر تضررا من البطالة، مثل النساء والشباب في المناطق القروية، مما يساهم في تحقيق توازن اقتصادي واجتماعي ويقليل الفوارق بين المناطق المختلفة”.
توزيع غير متكافئ للفرص
مركزا على “أسباب البطالة البنيوية وغير البنيوية”، قال المحلل الاقتصادي محمد عادل إيشو: “يجب النظر في العديد من المعطيات والأرقام التي وفرتها المندوبية السامية للتخطيط وتقييم العوامل المؤثرة التي تتطلب معالجة دقيقة لتحسين الوضع”.
ارتفاع البطالة خلال الربع الثالث من العام 2024، “يعكس تحديات مستمرة في خلق فرص عمل كافية لاستيعاب الأعداد المتزايدة من العاطلين عن العمل، خاصة في ظل نسبة مرتفعة من البطالة الحضرية تصل إلى 17%، مقابل 7.4% في المناطق القروية”، يرصد إيشو، مضيفا أن “التفاوت الجغرافي يحيل على إشكالية التوزيع غير المتكافئ للفرص، حيث تستقطب المدن الكبرى غالبية الأنشطة الاقتصادية، بينما تبقى المناطق القروية تفتقر للتنمية والبنية التحتية اللازمة لخلق فرص عمل محلية”.
ولفت المحلل الاقتصادي ذاته، ضمن إفادات لهسبريس، إلى أن “رؤية تحليلية شاملة تبين أن البطالة في المغرب متعددة الأبعاد، تتطلب رؤية دامجة للحلول البنيوية وغير البنيوية”، قبل أن يشرح: “يتطلب الحد من البطالة تحسين الكفاءات الملائمة لسوق العمل، وتوسيع قاعدة الاقتصاد ليشمل قطاعات جديدة وتوفير بيئة مشجعة على ريادة الأعمال”.
“جزء كبير” من البطالة بالمغرب عزاه إيشو إلى “أسباب بنيوية” مرتبطة بـ”بطء النمو الاقتصادي وضعف التنويع القطاعي، مع تحديات في قطاع التعليم وتكوين الموارد البشرية”.
وأوضح أن “الاقتصاد المغربي يعتمد عددا محدودا من القطاعات، مثل الفلاحة والسياحة، التي تتأثر بالتغيرات الموسمية والدولية، ما يعوق توفير فرص عمل دائمة ويزيد من هشاشة سوق العمل”، يضاف إليها “التوزيع غير المتكافئ للتنمية” بين المناطق القروية والحضرية، كما أن “ضعف البنية التحتية التعليمية يخلق فجوة بين ما يتم تدريسه وبين متطلبات سوق العمل، ما يفضي إلى عدم توافق تأهيل الكفاءات المتوفرة مع حاجيات قطاعات اقتصادية”.
وأثار المتحدث لهسبريس “أسبابا غير بنيوية”، تشمل أساسا “نقص المهارات والكفاءات الملائمة”، رادا ذلك إلى “ضعف ربط التعليم بسوق الشغل، بالإضافة إلى قلة البرامج التدريبية الفعالة التي تتماشى مع التطورات التقنية والمعرفية”.
“رغم الجهود الحكومية، إلا أن عدم كفاية الحماية الاجتماعية وإجراءات دعم التوظيف، يؤدي إلى استقرار فرص العمل المتاحة، حيث تتردد الشركات في التوظيف بسبب التكلفة العالية للموارد البشرية”، يقول أستاذ الاقتصاد، منبها إلى “التباطؤ في خلق بيئة ملائمة لريادة الأعمال وتحدياتها (صعوبة الحصول على التمويل والإجراءات البيروقراطية المعقدة)، مما يحد من إنشاء مشاريع جديدة تساهم في التوظيف”.
من خلال البيانات المذكورة، أجمل إيشو بأن “ارتفاع عدد العاطلين عن العمل ليصل إلى 1.683.000 شخص، بزيادة 4%، هو مؤشر على عدم فعالية السياسات الحالية في تقليص البطالة”، منبها إلى “زيادة معدل البطالة في المناطق الحضرية إلى 17% مقارنة بالمناطق القروية كمعطى يعني ضرورة تبني سياسات استثمارية قادرة على خلق توازن بين المدن والقرى. أما بالنسبة للنساء والشباب، فيظل معدل البطالة مرتفعا بشكل مقلق، مما يستدعي خططا خاصة لدعم توظيف هذه الفئات الهشة”.
المصدر: هسبريس