شركات الألعاب الإلكترونية لا تحمي اللاعبات من التَّحرُّش اليوم 24
تعرضت لاعبة مغربية إلى طريقة تشويه السمعة نفسها على الشات الجماعي لـ »إيفوني »، من اللاعب المصري ذاته، بحسب ملك، التي تقول إنها تعرضت إلى ثلاث مضايقات في غرفة الدردشة الجماعية للعبة؛ من لاعبين يحملون جنسيات عربية وأمريكية: « أول واحد دخل على شات اللعبة الجماعي، بعدها بدأ يلاحقني على فايسبوك وإنستجرام ».
تطلب الألعاب الأونلاين بعض الشروط للدخول، مثل التسجيل بالبريد الإلكتروني، أو بموقع التواصل الاجتماعي « فايسبوك »؛ فاختارت ملك الدخول بفايسبوك، للحفاظ على ترتيبها كلاعبة. تتكون هذه الألعاب من غرف جماعية، لإقامة تحالفات قتالية، ووضع خطط استراتيجية لإدارة المعارك الافتراضية ضد آخرين.
يؤكد أحمد حجاب، خبير السلامة الرقمية، أن النساء هن الأكثر تهديداً بالعنف الجنسي داخل الألعاب التشاركية: « تتعرض الفتيات لأنواع كثيرة من المضايقات منها التحرش والتعقب (…) فلو كتبت اللاعبة معلومات شخصية مع الإيميل الحقيقي، سيكون من السهل تتبع حساباتها على فايسبوك وإنستجرام ».
الجولة الثالثة: إنذار بالتحرش
طوّرت الألعاب الإلكترونية استخدام الشات الجماعي من الكتابة إلى الصوت؛ لنقل التجربة الاجتماعية كما هي، إلا أن اللاعبين كان يستغلون هذه الميزة بطريقة سلبية. توضح اللاعبة والمحامية هالة دومة: « في بابجي كنا بنفتح المايك حتى لو مقفول بتسمعي… كانوا بيركزوا على إن فيه بنت نازلة (اللعبة)، بعدها يبدأ التحرش؛ في حد سمعته بيعمل أصوات جنسية وإيحاءات وتأوهات ».
بين عمر 18 و19 عاماً، كانت تجربة هالة الأولى في الألعاب العالمية الأونلاين، من خلال لعبة بلياردو شهيرة، لكنّها لم تسلم من المضايقات. « لو اللعبة مربوطة بالبروفايل الشخصي، بتعرض لمطاردات وتعليقات إباحية لمّا كنت حاطة صورتي، ومديح غير مُرحَّب به، أو عبارات جنسية صريحة في شات اللعبة »، توضح هالة دومة.
يُرجع الدكتور علي النبوي، أستاذ الطب النفسي والأعصاب بجامعة الأزهر، سبب التحرش إلى الكبت الجنسي، قائلاً إن المجتمعات التي تعاني الكبت الجنسي وغياب الثقافة الجنسية، تمارس الكبت في الخفاء؛ على عكس المجتمعات التي تتعامل مع الجنس على أنه طبيعة بيولوجية، يضعون له قوانين مثل عدم ممارسته مع الأطفال، أو من دون رضا الطرف الآخر.
وأظهرت دراسة المجلة العربية لبحوث الاتصال والإعلام الرقمي، المنشورة في يناير 2022، أن 68.3 في المئة من العينة، أفادوا بحدوث التحرش اللفظي أثناء اللعب.
وكشفت الدراسة التي شملت 400 شخص، تبلغ أعمارهم بين 18 و35 عاماً، بمحافظتي القاهرة والجيزة عن الألعاب الإلكترونية الأكثر ممارسة بين العينة، وهي: الألعاب القتالية وأبرزها بابجي، وألعاب الأكشن والمغامرة GTA، وحصلت ألعاب المغامرة على المركز الأخير بين عينة الدراسة.
ونوه محمد الحارثي، خبير أمن المعلومات والإعلام الرقمي، إلى أن هناك شكاوى ضد بعض الحسابات على الألعاب الأونلاين، التي يعتمد فيها المبتز على استدراج الضحايا عبر محادثات من خلال الميكروفون أثناء اللعب، للحصول على معلوماتهن الشخصية منهم، وكذلك حساباتهن على المنصات المختلفة.
الجولة الرابعة: ما دور الشركات في حماية اللاعبات؟
في الثاني من يونيو 2024، استكملتُ جولتي في لعبة « توب توب »، المكونة من مجموعة ألعاب مثل ورق اللعب (الكوتشينة)، والنرد، بالإضافة إلى غرف دردشة صوتية. دخلتُ غرفة دردشة تضم مجموعة من اللاعبين العرب، بعد الترحيب بي، كتب أحدهم لي عبر الشات الخاص، وكان « عُماني » حسب قوله، وسألني عن عمري واسمي، وبعد ذلك سألني عن التوصيف الدقيق لجسدي: « ضعيفة أو متينة، طويلة أو قصيرة، بيضة أو سمرة؟ ». حين سألته عن السبب، أخبرني أنه مجرد « فضول »، قلت له إن اللعبة تحذرني من أن المحادثة غير لائقة؛ فاقترح إلغاء الصداقة.
بالفعل ظهرت رسالة على التطبيق تخبرني أن المحادثة غير لائقة، وتخيرني بين حظر لاعب « توب توب » أو إكمال المحادثة، وقمت بحظره. لكن قبلها دخلت على حسابه للتأكد من وجود تحذير مكتوب أو علامة حمراء على الحساب كما تفعل بعض تطبيقات الاتصال لكن لم أجد شيئاً.
بحسب ملك، فإن اللعبة لم تعد تهتم بمكافحة التحرش على النسخة المجانية: « التواصل مع فريق الدعم صعب، لأن اللعبة تهتم بشكاوى الناس اللي بتدفع مقابل اللعب… ده عميل VIP ».
يقول الحارثي: « هناك سياسات في الألعاب العالمية للإبلاغ والتعامل مباشرة مع الحسابات، لكنها لا تتمّ إلا في نطاق ضيق يصل إلى عشرة في المئة من مراجعة البلاغات ».
تقول ملك إن علاقتها تدهورت بأسرتها: « قريبي اتكلم بعدها بأسلوب سيء وزعقلي وشتمني في الشات الجماعي ». هذا السلوك يأتي منسجماً مع ما كشفته « دراسة الإعلام الرقمي »، بأن الألعاب الإلكترونية أثرت في التفاعلات والسلوكيات الاجتماعية.
فيما أخذتُ شهراً للتعافي من الأثر النفسي لهذه الجولات؛ يشير الدكتور علي النبوي، أستاذ الطب النفسي والأعصاب بجامعة الأزهر، إلى ظهور مجموعة من الأعراض الناتجة عن صدمة التحرش، مثل: ضعف الأداء الدراسي للمراهقات، والانسحاب من الأسرة، وارتفاع الشعور بالذنب، مضيفاً: « الضحية دائماً تلوم نفسها على أنها مشاركة في هذا التحرش ». وأكد النبوي ضرورة اللجوء إلى طبيب نفسي في حال ظهور أي أعراض نفسية.
الجولة الخامسة: هل تعيق مكافحة التحرش تنامي أرباح الألعاب؟
أرسلتُ من بريدي الإلكتروني الخاص باللعب في 13 يونيو 2024، رسالة إلى شركة « مون فروج » المُطوِّرة للعبة رمي النرد (لودو)، أخبرتهم بتعرضي لتحرشات لفظية من لاعبين، وبغياب الدعم من « إدارة دعم اللعبة ». ردت الشركة بعد يومين، وتعهدت بالتحقيق في الإساءة المُبلَّغ عنها، واتخاذ إجراءات صارمة ضد اللاعبين. كما أرسلت عدة إيميلات بصفتي الصحفية إلى الشركات الواردة في التقرير؛ لكن لم يصلني أيّ رد حتى تاريخ نشر التقرير.
تتضمن سياسة الأمان ومكافحة التحرش للعبة بابجي، وألعاب أخرى، أن « المضايقات خاضعة لقوانين كل بلد »، وفقاً لما هو مكتوب بسياستها. فعلى سبيل المثال، تتضمن سياسة الأمان في لعبة بابجي، حظر اللاعبين لمدة 30 يوماً فقط، عند ثبوت استخدام « سلوكيات تشكل تحرشاً جنسياً؛ مثل الكلمات البذيئة أو الأوصاف الجنسية ».
تقول المحامية هالة دومة: « من الصعب جعل هذه القضايا دولية، لأن قضايا الأفراد تخضع للقوانين المحلية… التحرش داخل الألعاب الأونلاين يخضع للقانون المصري »، مضيفة أن مباحث الإنترنت المصرية لا تعترف بـ »سكرين شوت » أو تسجيل فيديو للعبة؛ لذا عادة ما يكون الإثبات صعباً.
من جهته يؤكد الحارثي أن الشركات المالكة هدفها أن يلعب الجميع؛ لذا عادة ما يكون الإبلاغ موجوداً لكنه مخفي، أو يصعب الوصول إليه من المستخدم العادي.
ويطالب الحارثي بضرورة مكافحة التحرش، من خلال وضع زر للطوارئ، أو الدعم ضد الإساءات، فضلاً عن إضافة تحذير ضد حساب الشخص المسيء.
ويوضح الحارثي أن الشركات العالمية قادرة على وضع معايير لمنع التحرش والإساءات اللفظية، خاصة الصوتية، بعمل حظر للحسابات، واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لمعرفة نمط التحرش والالتزام بميثاق اللعبة؛ لكنّ الشركات لا تحاول الاستثمار في هذه النقطة.
المصدر: اليوم 24