اخبار المغرب

خطاب المسيرة الخضراء 2024.. منعطف جديد في تعزيز ارتباط الجالية بوطنها الأم

شكل الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 24 للمسيرة الخضراء، أمس الأربعاء، منعطفا جديدا في مجال تدبير شؤون الجالية المغربية المقيمة بالخارج، بعدما أعلن الملك محمد السادس عن هندسة ملكية كبرى للمنظومة المؤسساتية التي تتولى تدبير شؤون مغاربة العالم.

وبدا لافتا أن موضوع الجالية المغربية المقيمة بالخارج جاء كامتداد لملف الصحراء المغربية في الخطاب الملكي، حيث أشاد عاهل البلاد مشيدة بـ”الروح الوطنية التي يتحلى بها المواطنون المقيمون بالخارج، وبالتزامهم بالدفاع عن مقدسات الوطن والمساهمة في تنميته”.

ويأتي هذا “المنعطف المؤسساتي” الذي دشنه الملك، مرتبطا بالخطاب الملكي في غشت 2022، والذي قام فيه بتشخيص واضح للحكامة الحالية لموضوع المغاربة المقيمين بالخارج، ودعا إلى إعادة التفكير العميق في عمل الدولة تجاه هذه الفئة، حيث تم التفاعل مع مضامين الخطاب الملكي، حينها، على مستوى القطاعات الوزارية المعنية، في إطار لجنة وزارية يرأسها رئيس الحكومة.

وتبعا لذلك، جاء خطاب 6 نونبر 2024، حيث قال الملك إنه “تعزيزا لارتباط هذه الفئة بالوطن، قررنا إحداث تحول جديد في مجال تدبير شؤون الجالية المغربية بالخارج، من خلال إعادة المؤسسات المعنية بها، بما يضمن عدم تداخل الاختصاصات وتشتت الفاعلين، والتفاعل مع حاجياتها الجديدة”.

وتبرز في الخطاب الملكي ليوم أمس، 3 أفكار رئيسية قبل تحديد الإصلاح و”الهيكلة المؤسسية الجديدة”، حيث إن أشكال الروابط والتعبيرات عن ارتباط المغاربة المقيمين بالخارج ببلدهم الأصلي أصبحت اليوم عديدة ومتنوعة، وهو تطور أساسي يجب أن يأخذه عمل الدولة ومختلف الفاعلين بعين الاعتبار من أجل تعزيز هذه الروابط أكثر، في إطار استراتيجية متجددة للتأطير الثقافي واللغوي والديني والهوياتي.

دفاع عن المقدسات

ويشير الخطاب الملكي إلى أن المغاربة المقيمين بالخارج يعدون سفراء ومدافعون باستمرار عن القضية الوطنية، ومن هنا جاء هذا الربط الذي يكتسي دلالة رمزية بالغة في خطاب 6 نونبر، بين القضية الوطنية وقضية الجالية المغربية المقيمة بالخارج.

ومع أن هناك عددا قليل من الخاضعين لأجندات خارجية، إلا أن الجالية المغربية بجميع أنحاء العالم معروفة بوطنيتها المتقدة، وتشبثها المتين والراسخ بثوابت الأمة، من خلال دفاعها الحيوي عن القضية الوطنية.

ويبدو واضحا أنه من خلال وطنيتها ودفاعها الحيوي والعفوي عن القضية الوطنية، أظهرت الجالية المغربية المقيمة بالخارج أنها حصن متين ضد كل النزعات الانفصالية والإغراءات المضللة التي تستهدف مصالح الأمة، حيث لم تنخرط الجالية المغربية بالخارج في هذا المخطط، ولم تبد أي تضامن مع ألاعيب “معارضة الخارج” لاستهداف البلاد ومؤسساتها.

ويبرز الخطاب الملكي كيف أن المغاربة المقيمون بالخارج يشكلون رافعة أساسية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية للمغرب، وهو ما يعكسه التزايد المستمر لحجم تحويلاتهم المالية، فهم مهتمون بشدة بتنمية بلدهم الأصلي، ويطمحون إلى مساهمة أكبر في هذه التنمية، لا سيما في ما يتعلق بالاستثمارات، ونقل الكفاءات والمعرفة. حيث بات ضروريا القيام بكل شيء من أجل إشراكهم في مسلسل التنمية، وإتاحة كل الفرص أمام كفاءاتهم ومواهبهم.

هندسة ملكية

وفي عمق الخطاب الملكي ليوم أمس الأربعاء، أعطى الملك محمد السادس تحولا جديدا ضمن هندسة ملكية تروم إصلاح الهيئات المكلفة بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، حيث يرتكز هذا الإصلاح إلى بنية مؤسسية جديدة تقوم على ركيزتين.

تتعلق الركيزة الأولى بمجلس الجالية المغربية بالخارج باعتباره مؤسسة دستورية ذات دور تداولي واستشاري، حيث بات من الضروري، بعد خطاب الملك، إصدار القانون المتعلق بمجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج، وتجديد تشكيلته، حتى يصبح أكثر تمثيلا، وجعله فضاء للنقاش والتبادل، وقوة اقتراحية حقيقية.

وتتعلق الركيزة الثانية بالمؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج، وهي وكالة عمومية جديدة سيتم إحداثها، لتشكل “الذراع التنفيذية” للسياسة العمومية تجاه المغاربة المقيمين بالخارج.

وستضطلع هذه المؤسسة الكبرى بأدوار وازنة ضمن حقائق جديدة وطموح جديد، وهو ما يمكن تسميته بـ”ثورة مؤسساتية”. ومن هنا تأتي تسميتها “المحمدية”، والتي تترجم العناية الملكية بمغاربة العالم، اعتبارا لخصوصية الروابط الروحية والبيعة التي ما فتئت تجمع هذه الشريحة من المواطنين بالملكية المغربية.

كما تجسد تسمية “المحمدية” الطبيعة الاستراتيجية بامتياز التي تكتسيها المؤسسة الجديدة للمغاربة المقيمين بالخارج، إلى جانب الضرورة الأخلاقية والرمزية التي ستقع على عاتق هذه المؤسسة، حتى تكون في مستوى انتظارات الملك، والمغاربة المقيمين بالخارج.

تجميع الصلاحيات

وستتمثل مهمة هذه الهيئة الجديدة في تجميع الصلاحيات المتفرقة حاليا بين فاعلين كثر، وفي المقام الأول القطاع الحكومي المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج (الذي ما فتئ يتغير شكله وارتباطه بتغير الحكومات)، كما ستقوم بتحضير وتأمين تنسيق وتنفيذ “الإستراتيجية الوطنية للمغاربة المقيمين بالخارج”.

إلى جانب ذلك، ستقوم المؤسسة الجديدة بتدبير “الآلية الوطنية لتعبئة الكفاءات المغربية المقيمة بالخارج”، التي أمر الملك بإحداثها، ويتعلق الأمر هنا بمهمة أساسية وواعدة في إطار الدفعة الجديدة التي أخذتها العلاقات متعددة الأبعاد للمغاربة المقيمين بالخارج مع بلدهم الأم، حيث ستحظى الكفاءات والمواهب المغربية، أخيرا، بمنصة/محاور وحيد ومُعين، يمتلك الصلاحيات والوسائل.

كما سيكون من بين مهام المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج، تنسيق/تنشيط أعمال التأطير اللغوي، الثقافي والروحي وإيصال صوت وانتظارات الجالية إلى مختلف الإدارات والمؤسسات الوطنية. ويتمثل التحدي المطروح أمامها في إعطاء دفعة جديدة لآليات تأطير مغاربة العالم، والتي يحتاج بعضها بشكل كبير إلى التحديث والمرونة.

وفي هذا الصدد، يتعين أن تكون المؤسسة الدعامة الأساسية من أجل عرض ثقافي عصري ومتعدد موجه لمختلف أجيال المغاربة المقيمين بالخارج، إذ يبحث مغاربة العالم بكافة الوسائل، عن تعزيز ارتباطهم بالمملكة، ويريدون إطلاع أطفالهم على دينهم، وثراء تاريخهم، ولغتيهم الوطنيتين.

في نفس السياق، أشار الملك إلى أن هذه المؤسسة الجديدة مدعوة إلى رفع تحدي تبسيط المساطر الإدارية بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج. ويتعين أن تنكب على هذا الموضوع بحزم، من خلال رفع رهان رقمنة أكبر عدد من الخدمات والمساطر الإدارية.

من جهة أخرى، دعا الملك محمد السادس إلى فتح آفاق جديدة لاستثمارات الجالية على مستوى المملكةن إذ رغم برامج التحفيز المتعددة، أنجز مغاربة الخارج 10 بالمئة فقط من الاستثمارات الخاصة بالمغرب، مما يدعو إلى مراجعة للآليات الحالية، بتنسيق وثيق مع المراكز الجهوية للاستثمار، والصناديق العمومية، بشراكة مع الأبناك المغربية.

وفي ظل هذه المعطيات، تبدو إعادة الهيكلة المؤسساتية لشؤون المغاربة المقيمين بالخارج، التي أطلقها الملك، لحظة تحول، من شأنها ترشيد مشهد المتدخلين المتعددين في المجال، وإعطاء رؤية أوضح في المجال، بعد تجربة من التردد حول ارتباط “قطاع” المغاربة المقيمين بالخارج.

خطاب 6 نونبر 2024

وكان الملك قد وجه الحكومة، في خطاب أمس، للعمل على هيكلة الإطار المؤسساتي للجلية، على أساس هيأتين رئيسيتين، الأولى، هي مجلس الجالية المغربية بالخارج، باعتباره مؤسسة دستورية مستقلة، يجب أن تقوم بدورها كاملا، كإطار للتفكير وتقديم الاقتراحات، وأن تعكس تمثيلية مختلف مكونات الجالية. وبهذا الخصوص، ندعو إلى تسريع إخراج القانون الجديد للمجلس، في أفق تنصيبه في أقرب الآجال”.

أما الهيئة الثانية، يضيف الملك، “فهي إحداث هيئة خاصة تسمى “المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج”، والتي ستشكل الذراع التنفيذي، للسياسة العمومية في هذا المجال”، مشيرا إلى أنه سيتم تخويل المؤسسة الجديدة، مهمة تجميع الصلاحيات، المتفرقة حاليا بين العديد من الفاعلين، وتنسيق وإعداد الاستراتيجية الوطنية للمغاربة المقيمين بالخارج وتنفيذها.

وبحسب الملك، فستقوم المؤسسة الجديدة كذلك، بتدبير “الآلية الوطنية لتعبئة كفاءات المغاربة المقيمين بالخارج”، التي دعونا لإحداثها، وجعلها في صدارة مهامها، وذلك لفتح المجال أمام الكفاءات والخبرات المغربية بالخارج، ومواكبة أصحاب المبادرات والمشاريع.

وتابع الملك قوله: “إننا ننتظر من هذه المؤسسة، من خلال انخراط القطاعات الوزارية المعنية، ومختلف الفاعلين، أن تعطي دفعة قوية، للتأطير اللغوي والثقافي والديني، لأفراد الجالية، على اختلاف أجيالهم”.

واعتبر الملك أن من أهم التحديات، التي يتعين على هذه المؤسسة رفعها، تبسيط ورقمنة المساطر الإدارية والقضائية، التي تهم أبناءنا بالخارج، مردفا: “كما نحرص أيضا، على فتح آفاق جديدة، أمام استثمارات أبناء الجالية داخل وطنهم. فمن غير المعقول أن تظل مساهمتهم في حجم الاستثمارات الوطنية الخاصة، في حدود 10 %”.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *