وسط مخاوف من انتشار التطرف .. رئيس جماعة دمنات يدعو الشباب لاعتزال السياسة
في وقت تتجه فيه المملكة المغربية نحو تعزيز مشاركة الشباب في الحياة السياسية، يبدو أن بعض المسؤولين لا يزالون يتجاهلون هذه الرؤية. فخطابات الملك محمد السادس، التي طالما دعت إلى ضرورة إشراك الشباب في تدبير الشأن العام، لم تجد صدى كافيا لدى بعض القيادات الحزبية، التي تواصل من خلال ممارساتها وتصريحاتها تكريس تهميش هذه الفئة في المجال السياسي.
وفي هذا السياق، جاء تصريح مثير للجدل من رئيس جماعة دمنات، نورالدين السبع، الذي يشغل أيضا منصب أمين جهوي لحزب الأصالة والمعاصرة بجهة بني ملال خنيفرة، ضمن برنامج يبثه الفاعل الجمعوي، علاء السحنوني، على حسابه بالفيسبوك، دعا فيه الشباب إلى “الابتعاد عن السياسة” وتركها “لأصحابها”، معتبراً أن هذا المجال مليء بالمشاكل والصراعات. وهو التصريح الذي اعتبره متتبعون معاكسا للرؤية الملكية التي تسعى إلى تحفيز الشباب على المشاركة الفعالة في العملية السياسية واتخاذ القرار.
وتثير تصريحات رئيس جماعة دمنات التابعة لإقليم أزيلال تساؤلات حول مدى التزام بعض الأحزاب السياسية بتوجيهات الدولة فيما يخص إدماج الشباب في الحياة السياسية. فبينما تعمل الدولة على فتح آفاق جديدة للشباب من خلال إصلاحات قانونية وتدابير تحفيزية، يظل البعض منهم متمسكا بمواقف تقليدية تساهم في استبعاد هذه الفئة من التأثير في صنع القرار.
عكس التيار ورغبة في الانفراد بالقرار
وحول هذا الموضوع، أشار الفاعل الحقوقي، أيوب الحجاجي، ضمن تصريح لجريدة “العمق” إلى أنه من المثير للتساؤل أن يدعو رئيس جماعة دمنات الشباب إلى “الابتعاد عن السياسة” بدعوى أن “السياسة لها أصحابها”. وقال إن هذا الموقف يعكس نظرة تفتقر للإيجابية تجاه مشاركة الشباب في الحياة السياسية، وهو يتناقض بشكل صارخ مع التوجهات الوطنية التي تشجع على تعزيز دور الشباب في صنع القرار والمشاركة في بناء المستقبل.
وذكر الحجاجي أن الملك محمد السادس شدد في عدة خطابات على أهمية انخراط الشباب في العمل السياسي، مشيرا إلى أن فئة الشباب هي عماد الوطن وركيزة استمراره وتقدمه. ففي خطاباته، يضيف الحجاجي، دعا الملك إلى فتح المجال للشباب داخل الأحزاب السياسية وتسهيل عملية إشراكهم في تدبير الشأن العام، باعتبارهم قادرين على تقديم رؤى جديدة وحلول مبتكرة تلبي تطلعات المغاربة وتواكب التحديات العصرية.
وقال الفاعل الحقوقي ضمن صفوف الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب إنه من المؤسف أن بعض المسؤولين المحليين، مثل رئيس جماعة دمنات، يعبرون عن رؤى تقلل من أهمية مشاركة الشباب، بدلا من تشجيعهم على التحلي بروح المسؤولية والمساهمة في البناء الديمقراطي، مؤكدا على أن مثل هذه التصريحات قد تزيد من شعور الشباب بالتهميش والإقصاء، بينما تتطلب المرحلة الحالية احتواء طاقاتهم وإشراكهم بفعالية لضمان استمرارية التنمية المستدامة في المغرب، وفقا لرؤية الدولة.
محمد أيت أزناك، وهو شاب دمناتي ومهتم بالشأن المحلي، أوضح أن تصريح رئيس جماعة دمنات، نورالدين السبع، يتناقض تماما مع التوجهات العامة للدولة التي تراهن على الشباب في تنمية الحياة السياسية، وهو ما يتجلى بوضوح في الفصل 33 من الدستور المغربي، الذي يلزم السلطات العمومية باتخاذ التدابير اللازمة لتوسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية.
وأشار أيت أزناك إلى أن هذا التوجه يشدد على أهمية إشراك الشباب في كل مجالات الحياة العامة، بما في ذلك السياسة، في وقت يسعى فيه المغرب إلى تعزيز دورهم في صنع القرار والمساهمة في تنمية البلاد. لكن ما ورد في تصريح “نورالدين” يظهر انحرافا عن هذه المبادئ، ويؤكد أن هناك من يصر على إبعاد الشباب عن الحياة السياسية.
ومن خلال تصريحاته، يشير أيت أزناك، يتضح أن الفاعل السياسي المحلي ينظر إلى الشباب كأداة لتحقيق مصالحه الذاتية، وليس كشريك في عملية التنمية المستدامة. إذ يرى أن الشباب لا يعدو أن يكون مجرد صوت انتخابي يُستغل في كل محطة انتخابية، فيما تقتصر وعودهم على مشاريع ظاهريا نبيلة مثل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي كثيرا ما توصف بالفشل، أو مشاريع “أوراش” التي تبقى محدودة التأثير. وقال إن هذا المنطق يعكس رغبة في الانفراد بالقرار السياسي بعيدا عن أية مشاركة حقيقية أو فعالة من طرف الشباب، ويكشف عن توجه بعيد كل البعد عن تحقيق تنمية شاملة ومستدامة.
وأشار المتحدث إلى أن مثل هذه التصريحات التي وصفها بـ”غير المسؤولة” سنتنج عنها آثاراً سلبية على الشباب، حيث تساهم في نشر خطاب تيئيسي يدفعهم بعيدا عن المشاركة السياسية. بدلا من تحفيزهم على الانخراط الفعّال في الحياة السياسية، يسيزيد هذا الخطاب من عزوفهم عن الممارسة السياسية ويفتح المجال أمام خطابات متطرفة قد تجد لها صدى في ظل غياب التأطير السياسي المناسب من طرف المؤسسات الحزبية. كما أن الفضاءات الثقافية التي يمكن أن توفر بيئة حاضنة للشباب مغيّبة أو غير متاحة للجميع، ما يزيد من تعميق العزلة السياسية والاجتماعية لهذه الفئة.
وفي ظل هذا الوضع، يبدو أن خطاب المسؤول المحلي يرسخ مفهوما مقلقا، حيث يظهر أن تدبير شؤون جماعة دمنات أصبح “إرثا” محصورا في فئة معينة، تتبادل المناصب السياسية فيما بينها دون منح الفرصة للشباب أو أي أطراف أخرى للمشاركة الفعّالة، على حد ما جاء في تصريح أيت ازناك لجريدة “العمق”.
إحباط وفتح لمجال التطرف
من جانبه، قال رئيس المكتب الإقليمي بأزيلال للجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، جمال وديع، إن دعوة رئيس جماعة دمنات الأخير gلابتعاد عن السياسة لا يمكن أن تكون في صالح المستقبل السياسي والاجتماعي للمغرب. مشيرا إلى أن هذا التوجه يعكس العزلة السياسية التي تهدد الشباب وتزيد من إحباطهم، مما يفتح المجال لتطرف الآراء والانضمام إلى الحركات التي تدعو إلى التغيير خارج الأطر السياسية الرسمية.
وقال وديع ضمن تصريح لجريدة “العمق” إن شباب اليوم ليسوا مجرد متفرجين في الحياة السياسية، بل هم فاعلون رئيسيون يسعون لإحداث التغيير. وأضاف أن الحركة الجماهيرية التي نشأت في 2011، والتي شكلت أحد أوجه انتفاضة الشباب ضد السياسة التقليدية، كانت بمثابة إشارة قوية لرغبتهم في تفكيك الهيمنة السياسية القديمة والبحث عن سبل جديدة للمشاركة الفعالة.
وأوضح أن الشباب في 2011 لم يكونوا مجرد متابعين، بل كانوا يحملون رؤية جديدة قائمة على العدالة والمساواة والمواطنة. جيل 2011 طمح إلى تجاوز الهيمنة الكلاسيكية للأحزاب السياسية التي كانت تستأثر بكل القرارات، وطرح بدائل حقيقية من خلال أفكار خلاقة وأساليب جديدة في المشاركة المدنية والسياسية.
وأشار الحقوقي ذاته إلى أن هذا الجيل كان يناضل من أجل تغيير حقيقي، وكان يسعى إلى بناء علاقات جديدة بين الدولة والمواطنين. لكن للأسف، هذه الرؤية تواجه مقاومة من بعض القوى التي ترفض التغيير، مما يؤدي إلى حالة من الاحتقان الاجتماعي والاحتجاجات التي نراها اليوم في الشارع المغربي.
وعبر عن أسفه من وجود بعض المسؤولين السياسيين الذين لا يزالون يصرون على تهميش الشباب وإبعادهم عن المساهمة في اتخاذ القرارات، ويفضلون سياسة الحفاظ على الوضع القائم وتحقيق المكاسب الشخصية والعائلية على حساب مصالح الوطن والمواطن.
وخلص الحقوقي ذاته إلى أن هذه السياسات تؤدي إلى نشر التفاهة وإشغال الشباب بقضايا غير هامة، بينما يتم إغفال مشاكل حقيقية تعاني منها البلاد. وأكد على أن إعطاء الفرصة للشباب، من شأنها إحداث نقلة نوعية في عدة مجالات، مشددا على ضرورة فتح المجال أمام الشباب للمشاركة الفعالة في بناء الوطن، لأنهم يمثلون المستقبل والقدرة على تجديد الفكر السياسي وتعزيز تكافؤ الفرص في جميع الميادين، وفق تعبيره.
وفي السياق ذاته، قال الكاتب الإقليمي للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بأزيلال، جمال بنعلا، ردا على تصريح رئيس جماعة دمنات، الذي دعا الشباب إلى الابتعاد عن السياسة، إن هذا الخطاب يتناقض مع روح الدستور المغربي وتوجيهات الخطب الملكية التي تحث على ضرورة مشاركة الشباب الفعالة في الحياة السياسية وصنع القرار، مشيرا إلى أن دعوة الشباب للمشاركة في السياسة ليست مجرد خيار، بل هي مسؤولية وطنية تهدف إلى تعزيز الديمقراطية وتطوير المجتمع بأسره.
وتابع بنعلا: “عندما يدعو رئيس الجماعة الشباب إلى الابتعاد عن السياسة، وهو نفسه يشغل عدة مناصب مسؤولية بفضل ممارسته السياسية، فإنه يتجاهل الطاقات والقدرات التي يمكن أن تساهم في النهوض بالوطن وتحقيق التنمية المستدامة”. وأضاف: “كان من الأفضل أن يشجع الرئيس الشباب ليكون لهم صوت فاعل في القضايا التي تمس حياتهم اليومية، وأن يشاركوا بجدية في تشكيل مستقبلهم ومستقبل وطنهم. بدلاً من أن يدعوهم لترك ممارسة حقهم الدستوري.
ويرى المتحدث أن هذا الخطاب الذي يدعو لليأس قد يؤدي إلى نتائج سلبية، مثل فقدان الثقة في مؤسسات الدولة، ويدفع الشباب نحو التهميش والتطرف. وأكد على أن قول الرئيس “السياسة صعيبة وعندها مواليها” يزرع اليأس في نفوس الشباب ويكرس أزمة الثقة في الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية والمدنية، خصوصًا في ظل غياب دور دار الشباب ودار الثقافة في مدينة دمنات، ليختتم تصريحه بالقول: “السياسة صعيبة” فعلا لأن السياسة التي تنعدم فيها الأخلاق و تجعل المصالح الشخصية من أولوياتها مستنقع خطير.
المصدر: العمق المغربي