مقاصد الفكر السياسي من منظور أصولي (1)
توطئة:
الفكر السياسي متجذر في الحياة الإنسانية منذ القدم. لأنه لا يمكن أن يعيش الإنسان دون التوظيف السياسي سواء كان مؤسسا أو عن طريق تغليب الاستعمال المصلحي. لأن أي فعل اجتماعي أو حضاري يصدر عن قرار سياسي. وهذا معطى أنثروبولوجي سواء تعلق الأمر بالدولة أو بالمجتمع أو بالقبيلة. بمعنى أن ما نقوم به اليوم على مستوي الفكر السياسي جاء نتيجة تدافع كبير داخل الفضاء الغربي، وأي تطور في هذا الباب مرتبط بأسئلة حارقة منبثقة من الحاضنة الغربية. هذا الغرب الذي أنهى دورته الاحتلالية للفضاءات الضعيفة بالشكل النهائي المستمر، استوردنا بضاعته من أجل تنمية حضورنا المدني لكن لم نرق إلى ما تعيشه الضفة الغربية لأنه شتان بين من يتعامل مع التطور كنتيجة لسيرورة نضالية وآخر اتخذه سببا لكن سقط في أعطاب متعددة. إذن أين الخلل؟ هل ما أنتجه الغرب إنتاجا صالحا للجميع ونحن لم نتقن طريقة الاستعمال؟ هل نحن في حاجة إلى فكرسياسي يمتح وجوده من الإنتاج الكوني مع استحضار خصوصية الواقع المعيش؟ هل عملية بناء أقطاب جديدة بعد المآسي التي نراها بفلسطين تتطلب من فضاءاتنا الاستفادة من الدرس السابق وإفراز ما يمكن أن يضمن لنا الحضور العالمي بين الأقطاب التي تستحوذ على القرار الدولي؟ ثم إلى أي حد يمكن أن نستفيد من مخزوننا الديني والحضاري من أجل التحضير للمساهمة العالمية والرفع من المستويات المتنوعة لدولنا وشعوبنا؟
لذلك ارتأيت أن أدلي بدلوي في التنقيب على الفكر السياسي المتعلق بالذات مع الأخذ بعين الاعتبار الإنتاج الكوني لأن هناك إشكالات فكرية اليوم عند كبار القوم التي تجيز لهم فتح معارك وهمية بين قطب الخير وقطب الشر. مع اعتماد معايير التصنيف للأسف لا تخدم الأمن والاستقرار الذي من أجله كانت السياسة والدبلوماسية.
1.الفكر السياسي الإسلامي (1)
الإشارة الأولي أننا أمام فكر. الذي يخضع لثنائية الخطأ والصواب وليس الحق والباطل أو الحرام والحلال. ثانيا مصطلح إسلامي لا تختزل الفضاء الإسلامي فحسب فهو مفتوح على الجميع، لأنه إنتاج فكري ورؤى متحررة من القيود. لكن لها منطق مرتبط بالزمان والمكان المحددين لاختيارات الممارسة. وهذا العمل خاضت فيه أقلام شتى كل من زاويته. بحجة أن المعلومة أصبحت مطروحة في الطريق بلغة الجاحظ. الطريق الرقمي اليوم والذكاء الاصطناعي والثورة المعلوماتية.
إن مدارسة الفكر السياسي الإسلامي مرتبطة بالثقافة والحضارة. قد تكون الحضارة الإنسانية واحدة مع تعدد الثقافات كما أن الدين واحد مع تعدد الشرائع. فلا تعصب ولا تهميش ولا تكفير لأن الرب واحد والنفس واحدة والتعارف واجب بين الناس. تعارف يخضع للتجديد في أمرالدين فما بالك بالسياسة.
من أجل مقاربة هذا الموضوع يمكن اعتماد خريطة الطريق الآتية:
التعريف ضرورة منهجية، في إطار رؤية تحدد أسس البوصلة التصورية. مع تنوع المراجع المعتمدة، وطرح الأسئلة الحقيقية الخاصة بذواتنا في العلاقة بيننا والمؤهلة لخوض السباق العالمي. هذا عمل يحتاج إلى رسم خرائط محددة لتموقع الحياة السياسية، مع وضع رؤية نقدية للموروث في هذا المجال حتى ننفخ في عملنا الروح الدينامية وتجاوز منظومة التحنيط. كل هذا في إطار منهجية واضحة واستراتيجية مستوعبة، مع تحديد المجالات والمآلات ورسم معالم الفاعلية. قد نجد اتجاهات في هذا الباب وهذا مقبول من حيث حسن تدبير الاختلاق خاصة على مستوى المداخل التي تتوزع بين الكلام والفقه والأخلاق والبعد الاجتماعي. هذا العمل يتم داخل منظومة الحداثة والتجديد باعتبار أن الحداثة ليست ملكا لأحد ولكل حداثته مع وجود الفارق بين الحداثة والتغريب. فالدول الأسيوية صنعوا حداثة خاصة بهم بعدما استفادوا من مرحلة التغريب، لكن تجاوزوها بإنتاجات ذاتية أصبحت تفرض نفسها على الآخرين. أما التجديد فهو سنة كونية وشرعية ولا محيد عنها. أما الآليات المعتمدة فيمكن استحضار تحديد المفاهيم وإعداد الأدوات التي تستهدف قراءة النصوص، وتحليلها، والبحث عن العلائق.
*يتبع.
المصدر: العمق المغربي