“القاتل الصامت” يتربص بحياة الباحثين عن التدفئة خلال فصل الشتاء بالمغرب
في فصل الشتاء حيث يتحول البرد إلى عدو غير مرئي يلجأ العديد من المواطنين، خاصة بالمناطق الجبلية التي تصل فيها درجات الحرارة أحيانا إلى ما دون الصفر، إلى استخدام وسائل التدفئة الغازية ليحموا أنفسهم من القسوة الجوية، لكن الحماية تتحول أحيانا إلى فاجعة بسبب “القاتل الصامت” المتمثل في انتشار “أحادي أكسيد الكربون”.
فصل الشتاء يجب أن يكون فصل الدفء والأمان، لا فصل الخوف والمخاطر، وذلك من خلال الوعي بخطورة الغاز وأهمية الصيانة الدورية للأجهزة، والتهوية الجيدة، إذ يمكن تحويل “القاتل الصامت” إلى ذكرى من الماضي إذ عمل الجميع على جعل منازلهم ملاذا آمنا، حيث يمكن أن يستمتعوا بالدفء دون قلق من الخطر الداهم.
في حادثة مؤلمة توفيت ممرضة تعمل في المندوبية الإقليمية لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية بتنغير بسبب احتراق غير كامل للغاز أثناء وجودها في الحمام، وهذه الحادثة ليست معزولة، بل جرس إنذار لمخاطر متجددة تهدد السكان بسبب استخدام وسائل غازية غير مؤمنة لتسخين مياه الاستحمام، أو للحصول على التدفئة في هذه الفترة من كل سنة.
محمد أولغازي، أحد الناجين من “القاتل الصمت” في إقليم الرشيدية، يقول: “كنت نائما في غرفتي عندما استيقظت فجأة وأنا أشعر بدوار شديد وصعوبة في التنفس”، مضيفا: “لحسن الحظ تمكنت من الخروج من الغرفة ونقلتني أسرتي إلى المستشفى بسرعة. لقد كنت على وشك الموت ولم أدرك خطورة الوضع إلا بعد فوات الأوان”، وزاد: “كل ذلك كان بسبب سخان مائي نسيته مشغلا”.
وتروي فاطمة، وهي أم لثلاثة أطفال من إقليم أزيلال، بدورها كانت على وشك الموت: “كنا نستخدم سخان الماء الغازي في الحمام دون أن ندرك مخاطره، وفي إحدى الليالي شعرت بتعب شديد أثناء الاستحمام وكدت أفقد الوعي، ولولا صراخ ابنتي التي سمعت صوت سقوطي لكانت النتيجة كارثية”، مؤكدة أنها منذ ذلك الحادث لم تعد تستعمل سخان الماء الغازي، وغيرته بالسخان الكهربائي، الذي “رغم تكلفته المالية المرتفعة إلا أنه مؤمن بشكل كبير”، بتعبيرها.
مسؤول تابع لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية أورد في تعليق على الموضوع: “في فصل الشتاء تستقبل مستشفيات المغرب العديد من حالات التسمم بأحادي أكسيد الكربون”، مضيفا لهسبريس أن “البعض لا يشعرون بشيء في البداية، إلى حين الإغماء عليهم، ما يؤدي في غالب الأحيان إلى الموت”، وزاد: “نحث الجميع على توخي الحذر الشديد عند استخدام أجهزة التدفئة الغازية”.
ولم يخف مسؤول آخر تابع لجهاز الوقاية المدينة أن مصالح الوقاية المدينة بتنسيق مع السلطات المحلية والصحية وجمعيات المجتمع المدني تقوم بشكل دوري بحملات تحسيسية بمخاطر “القاتل الصامت” من بعض الوسائل المستعملة في المنازل، مردفا: “نقوم بحملات توعية مستمرة حول المخاطر، وللأسف مازلنا نشهد حوادث مؤسفة”، ومبرزا أن الجهات المسؤولة “تحث المواطنين على تركيب أجهزة كشف الغاز، وإجراء صيانة دورية لأجهزتهم، لتفادي كوارث إنسانية”.
وينصح الخبير في السلامة المنزلية عيسى الحمداوي المواطنين، خاصة بالمناطق التي تشهد انخفاضا كبيرا في درجات الحرارة، بـ”وضع أجهزة إنذار في كل غرفة تحتوي على جهاز يعمل بالغاز، مع تعليم جميع أفراد الأسرة كيفية التصرف للتقليل من المخاطر”، بتعبيره.
وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “التسمم بأول أكسيد الكربون يمكن أن يسبب أضرارا دائمة للدماغ حتى لو نجا الشخص، لذا من الضروري اتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة”، وتابع: “كما أنصح بتعلم أعراض التسمم للتمكن من التصرف السريع عند الضرورة”.
وكشف مسؤول في وزارة الداخلية أن الأخيرة، نتيجة ارتفاع حالات الوفيات والإصابات بسبب “القاتل الصامت”، بصدد إطلاق حملة وطنية شاملة للتوعية بالمخاطر، بالتعاون مع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، والوقاية المدنية وجمعيات المجتمع المدني، ستشمل توزيع منشورات توعوية، وبث إعلانات، من أجل إيصال الرسائل الضرورية إلى كل أسرة في المملكة والحفاظ على سلامة الجميع.
المصدر: هسبريس