مناورة نفطية في قلب الفوضى السودانية : تحالفات جديدة في ظل الصراع ..!!؟؟
د. عثمان الوجيه
في خضم الصراع الدامي الذي يشهده السودان منذ أبريل عام 2023م ، حيث تتناحر قوات الجيش السوداني مع مليشيا الدعم السريع المتمردة ، برزت على الساحة السودانية تحالفات جديدة غريبة الأطوار ، تحالفات تتجاوز الخطوط الحمراء التقليدية وتضع المصالح الاقتصادية في صدارة الأولويات ، ففي خطوة مفاجئة وغير مسبوقة ، أعلنت حكومة جنوب السودان عن إبرام اتفاق مع قوات الدعم السريع ، يتيح لها ضخ نفطها عبر الأراضي السودانية وصولاً إلى ميناء بورتسودان على البحر الأحمر ، هذا الاتفاق ، الذي تم إبرامه في ظل غياب تام لأي مشاركة رسمية من الحكومة السودانية ، أثار تساؤلات عميقة حول دوافعه وأبعاده الإقليمية ، فمن جهة ، تعكس هذه الخطوة يأساً كبيراً من حكومة جنوب السودان ، التي وجدت نفسها حبيسة بين مطرقة الحرب الدائرة في السودان وسندان الحاجة الماسة لتصدير نفطها ، وهو الشريان الرئيسي لاقتصادها الهش ، ومن جهة أخرى ، تكشف هذه الصفقة عن براغماتية سياسية بالغة من جانب ميليشيا الدعم السريع المتمردة ، التي تسعى إلى تعزيز مكانتها الإقليمية وتأمين مصدر دخل ثابت من خلال السيطرة على خطوط النقل الحيوية ، أما الحكومة السودانية ، فبدت وكأنها تقف على الهامش ، تتابع الأحداث بذهول وحيرة ، فالصمت الرسمي الذي اكتنف هذه الصفقة ، والذي فُسر على أنه موافقة ضمنية ، يعكس حالة الضعف التي تعاني منها الحكومة المركزية ، والتي فقدت السيطرة على مناطق واسعة من البلاد لصالح المليشيات المسلحة ، ولكن ما الذي يدفع حكومة بورتسودان إلى التغاضي عن مثل هذا الاتفاق الذي يتعارض مع سيادتها على أراضيها؟ ربما يكون الجواب يكمن في الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها السودان ، والتي تفاقمت بسبب الحرب الدائرة ، فالحكومة السودانية قد ترى في عائدات رسوم عبور النفط الجنوب سوداني فرصة لإنعاش اقتصادها المنهك ، حتى لو كان ذلك على حساب كرامتها الوطنية ، كما أن الحكومة السودانية ربما تخشى من تدخلات أجنبية في الشأن السوداني ، إذا ما أبدت معارضة قوية للاتفاق ، فالدول الكبرى والإقليمية لها مصالح كبيرة في استقرار السودان وتدفق النفط منه ، لذلك ، قد تفضل الحكومة السودانية أن تتجنب أي تصعيد قد يؤدي إلى تعقيد الأزمة أكثر مما هي عليه ، في النهاية ، يمكن القول إن الاتفاق بين حكومة جنوب السودان ومليشيا الدعم السريع المتمردة ، هو حل مؤقت فرضته ظروف الحرب والصراع ، وهو حل يخدم مصالح الأطراف الثلاثة ، وإن كان على حساب سيادة السودان ووحدة أراضيه ، ومع ذلك ، فإن هذا الاتفاق هش وغير مستقر ، وقد يتغير مع تغير المعطيات على الأرض ، فالحرب في السودان لا تزال مستمرة ، والتحالفات قد تتغير في أي لحظة ، يبقى السؤال الأهم : إلى متى ستستمر هذه الفوضى؟ وهل سيتمكن السودان من الخروج من هذا النفق المظلم؟.. هنا تحضرني طرفة فليسمح لي القارئ الحصيف بأن اوجزها في هذه المساحة وبهذه العجالة وهي : قصة سقوط الزعيم : حكاية الناظر و الحرب السودانية .. ففي خضم الحرب السودانية الدائرة رحاها منذ منتصف أبريل عام ألفين وثلاثة وعشرين ، برزت حادثة مثيرة للجدل كشفت عن الوجه القبيح للصراع وتوظيف القبيلة لأغراض سياسية ، كان بطل هذه الحادثة ناظر قبيلة المسيرية ، ذلك الزعيم الذي كان يُنظر إليه في السابق على أنه رمز للوحدة والتعايش السلمي، ظهر الناظر في مقطع فيديو متداول على نطاق واسع ، وهو محاط بجماعة من الشباب المسلحين وعناصر من مليشيا الدعم السريع المتمردة ، كان وجهه عابسًا وهو يحرضهم على القتال مستخدماً لغة قوية ومباشرة ، وقد أثار هذا المقطع موجة من الغضب والاستنكار في أوساط القبيلة وفي السودان كله ، لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تلاه تصعيد آخر من قبل الناظر وبعض المسؤولين القبليين ، حيث هددوا بتعبئة عشرات الآلاف من المقاتلين للانضمام إلى المليشيا ، وقد أثار هذا التهديد مخاوف كبيرة من اندلاع حرب أهلية واسعة النطاق ، ولكن سرعان ما جاء الرد الحاسم من قبل شريحة واسعة من أبناء القبيلة ، الذين رفضوا استغلالهم في حرب لا يرون فيها مصلحة لهم ، وقد قاد هذه الحركة شاب مثقف واعي ، هو الأستاذ قاسم موسى حلاوة ، الذي وجه انتقادات لاذعة للناظر وللمليشيا ، مؤكداً على أهمية الحفاظ على وحدة السودان ورفض الانجرار وراء المشاريع التي تهدف إلى تدمير البلاد ، لقد كشف هذا الحدث عن حقيقة مأساوية ، وهي أن الحرب السودانية قد استغلت الانقسامات القبلية والاجتماعية لتعميق الجراح وتأجيج النزاعات ، وقد استخدمت المليشيا المتمردة الزعماء القبليين كأدوات لتحقيق أهدافها ، دون أي اعتبار لتبعات ذلك على المجتمع السوداني ، ولكن الأمل ما زال موجودًا، فالشعب السوداني يدرك جيدًا مخاطر هذه الحرب ، ويسعى جاهدًا للخروج منها بأقل الخسائر ، وقد أثبتت حادثة الناظر أن هناك قوى داخل المجتمع السوداني تعمل على بناء جسور التواصل والحوار ، وتسعى إلى تحقيق المصالحة الوطنية ، إن قصة الناظر هي قصة تحذيرية ، تذكرنا بأهمية الحفاظ على الوحدة الوطنية ، ورفض الاستغلال السياسي للانقسامات الاجتماعية ، كما أنها تدعونا إلى التمسك بالقيم الأصيلة التي تربينا عليها ، مثل التسامح والتعايش السلمي ختامًا ، يمكن القول إن الحرب السودانية هي حرب الجميع ، وأن الخروج منها يتطلب تكاتف الجهود وتوحيد الصفوف ، فهل نستطيع أن نتعلم من أخطائنا ونبني مستقبلاً أفضل لأجيالنا القادمة؟
It can be said that the Sudanese war is everyone’s war, and that getting out of it requires concerted efforts and unified ranks. Can we learn from our mistakes and build a better future for our coming generations?
وعلى قول جدتي: “دقي يا مزيكا !!”.
خروج : “صمت القلم، ، جريمة في حق الحقيقة” ففي عالمٍ يعتمد على الحقيقة ، وفي زمنٍ تسود فيه حرية التعبير شعارًا ، ارتفع صوت الدماء بدلًا من صوت الأقلام ، صرخة استغاثة أطلقها الصحفيون ، الذين سقطوا ضحايا لإراداتٍ ظلاميةٍ ، وألسنةٍ نيرانٍ طمست نور الحقيقة ، ففي تقريرٍ أصدرته اليونسكو، كُشف النقاب عن حقيقة مرعبة : اغتيال الصحفيين بات جريمةً متفشية ، والإفلات من العقاب هو القاعدة لا الاستثناء ، في كل أربعة أيام ، يودع صحفيٌّ حياته ، وذلك لمجرد سعيه إلى كشف الحقيقة ونقلها للناس ، أرقامٌ صادمةٌ تكشف عن حجم الكارثة، فـ 85% من جرائم قتل الصحفيين منذ عام 2006م لا تزال بلا حل ، في ظل هذا الظلام الدامس ، تتوالى الأسئلة : لماذا يستهدفون الصحفيين؟ ما هي الجريمة التي يرتكبونها؟ الجواب بسيط ومؤلم في آنٍ واحد : الحقيقة هي الجريمة الكبرى فالصحفيون يشكلون تهديدًا حقيقيًا على من يحاولون إخفاء الحقائق ، وتشويه الصورة ، وفرض روايةٍ واحدةٍ على الجميع ، المكسيك وأوكرانيا وفلسطين ، وغيرها من البلدان ، شهدت جرائم قتلٍ بشعةٍ استهدفت الصحفيين ، صحفيونٌ سقطوا برصاص الغدر ، أو في أعقاب مداهماتٍ وحشيةٍ، أو ببساطةٍ لأنهم كانوا في المكان الخطأ في الوقت الخطأ ، ولكن الأخطر من ذلك كله ، هو استهداف الصحفيات بشكلٍ متزايد، ففي عام 2022م وحده قُتلت عشرة صحفيات ، من بينهن ماريا غوادالوبي لورديس مالدونادو لوبيز ، وشرين أبو عاقلة، رسالة واضحة أراد القتلة إيصالها : ليس هناك مكان للنساء في عالم الصحافة ، ولا حق لهن في البحث عن الحقيقة ، وفي ظل هذا الواقع المأساوي ، تدق اليونسكو ناقوس الخطر ، وتدعو الدول إلى بذل المزيد من الجهود لمكافحة هذه الجرائم ، وحماية الصحفيين ، وضمان محاسبة الجناة ، ولكن هل ستستجيب هذه الدول؟ وهل ستتحرك المجتمعات الدولية لإنقاذ صوت الحقيقة؟ إن قتل الصحفي هو قتل للحقيقة ، وهو ضربٌ للحرية ، وهو تهديدٌ للديمقراطية ، فالصحفيون هم حراسنا على الحقيقة ، وهم صوتنا الذي يفضح الظلم والفساد ، وعندما نصمت عن جرائم قتلهم ، فإننا نصمت عن أنفسنا ، ونقبل بالعيش في عالمٍ مظلمٍ بلا نور..
#أوقفوا _ الحرب ولن أزيد،، والسلام ختام.
المصدر: صحيفة الراكوبة