جِلنار يا أخت الثوّار أمد للإعلام
أمد/ كُنت مسترسلا في أوج محاضرتي حول القضية الفلسطينية، في المركز الثقافي “خوسيه مارتي”، في مدينة ميريدا المكسيكية،على ساحل الاطلسي، في مقابل جزيرة كوبا،
والمركز الثقافي يحمل اسم بطل كوبا القومي الفارس والشاعر والاديب خوسية مارتي،
فجأة انفتح باب القاعة التي تعجّ بالحاضرين المهتمين بالمحاضرة حول فلسطين، يُلقيها سفير فلسطين في المكسيك، الذي يزور المدينة ذي الطقس المداري بدعوة من حاكم الولاية لحضور فعاليات سياسية وقفافية تقوم بتنظيمها المدينة بمهرجان سنوي،
انفتح الباب واخترقته، بصورة مُزعجة وبغتة دون مقدمات ولا ترتيبات ولا تهيّؤات، سيدة متقدمة بالسن طويلة نحيلة شعرها اشعث غير مرتّب، غزاه الشيب، ووجهها جاف جامد، تحمل في يدها علم اسرائيل، وتثرثر بكلام غير مفهوم،
واخترقت صفوف الجالسين الصامتين المنتبهين المنسجمين مع السفير المُحاضر،
كانت لحظة من “شبه الفوضى، الفوضى غير الخلّاقة!!!”،
اندفع نحوها مدير المركز الثقافي ومساعدته لاستجلاء الامر، “الطوشة المفاجئة”،
لكن ابرز واجمل وابلغ واكثر اثرا وبلاغة ونضارة في الموضوع هو قيام سيدة شابة من بين الحضور الجالسين، سيدة شابة حامل يندفع بطنها امامها بصورة جلية نافرة، وكأنها حامل في توأمين او اربعة توائم،
تصدّت السيدة الشابة الحامل للسيدة “العجوز” المقتحمة المُحتلّة قصرا للمكان” وقالت لها باسبانية فصيحة:
ألا تستحي على نفسك ان تقتحمي محاضرة بهذه الطريقة العنيفة غير المؤدبة؟؟،
وقفت السيدة المُقتحمة واجمة بعض الشيء وبدأت بتلعثم بالثرثرة بانجليزية مطعّمة باسبانية ركيكة، تقول ولا تقول ، تقول ولا احد يفهم ما تقول،
تداركت الموقف بهدوء وقلت للسيدة المقتحمة:
تفضلي اجلسي ونتحدّث بعد المحاضرة،
وهكذا كان،
توجّهت للسادة الحضور الجالسين لسماع المحاضرة وقلت لهم:
اترون يا سادة يا كرام هذه السيدة تقتحم خصوصيتنا ومحاضرتنا ومركزا ثقافيا وترفع علم اسرائيل في يدها وهي لا تعرف ما يقال في المحاضرة، وفقط جاءت للتشويش علينا، فما بالكم ماذا يصنع جنود الاحتلال الاسرائيلي المُدججين بالأسلحة عندما يقتحمون بيوتنا في فلسطين المحتلة ويروّعون اطفالنا؟؟!!،
كثّرت الهمهمات والتعليقات وردات الفعل المستنكرة من الحضور،
الآن وبعد انتهاء المحاضرة وشكر مدير المركز الوطني على الاستضافة بقي لدي مهمتان:
الاولى معرفة ماهية وكنه ولون “وخميرة” السيدة المقتحمة وسبب تصرفها غير الاخلاقي وغير المقبول،
والثانية معرفة من هي هذه “النشمية” السيدة الشابة الحامل، التي تصدّت للمهاجمة المحتلة بكفاءة وشجاعة وفصاحة،
انهيت سريعا المهمة الاولى وفهمت ان السيدة المُهاجمة هي امريكية تزور المدينة وعرفت ان سفير فلسطين يلقي محاضرة في المركز الثقافي فجاءت لتحتجّ على موقف السلطة، “التي ترفض السلام مع اسرائيل!!!”،
تصوّروا يا سادة يا كرام مدى التضليل في الدعاية الصهيونية وتأثيرها على امريكا؟؟!!
قلت لها الامر مقلوب تماما اسرائيل هي التي ترفض السلام وترفض الانسحاب من الاراضي الفلسطينية التي احتلتها بالقوة العسكرية، ورغم القرارات الدولية القاضية بوجوب انسحابها،
اما السيدة الشابة الحامل فقد تقدمت نحوها وسلّمت عليها وشكرتها بالاسبانية على موقفها وادائها مع تلك السيدة المُعتدية،
فقالت لي بعربية جميلة ولهجة لبنانية اجمل: “ولو سعادة السفير نحنا في خندق واحد،
اعجبني جوابها وقلت في نفسي يا لمحاسن الصدف وجميل الاقدار ان تُدافع لبنانية عن قضية فلسطين في مدينة ميريدا المكسيكية،
وأنا ادردش مع الصبية اللبنانية الحامل ظهر بجانبنا شاب بلحية قصيرة عرفّت عليه بانه زوجها،
اهلا وسهلا قلت له تشرفت بك وبالمدام “البطلة”،
ضحك الشاب وقال لي: “اتعرف من هي؟؟،
اجبته: لا ولكن حيّاها الله من تكون،
فقال لي انها ابنة نجاح واكيم،
فقلت له اذن طبعا: “هذا الشبل من ذاك الاسد”، وفرخ البط عوّام،
إنها جلنار ابنة القيادي التقدمي اللبناني نجاح واكيم، التي دافعت عن فلسطين في مدينة ميريدا في جنوب المكسيك.
كاتب ودبلوماي فلسطيني