اخبار

فصل الجبهات انتصار لدولة الاحتلال..

يشغل تفكير الكثير من الفلسطينيين واللبنانيين والمحللين السياسيين مسألة إذا ما كانت مفاوضات وقف إطلاق النار في لبنان تعني ضمناً موافقة المقاومة اللبنانية على فصل جبهتها عن غزة.
التساؤل هنا مشروع لأن موقف الجانب اللبناني الرسمي هو وقف لإطلاق النار وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701، الذي جرى وفقاً له وقف حرب دولة الاحتلال على لبنان العام 2006.
ومشروعية التساؤل تأتي من حقيقة أن المقاومة اللبنانية قد قالت إن ملف المفاوضات من جانبها مكلف به حليفها، رئيس مجلس النواب اللبناني السيد نبيه بري، الذي لم يتحدث عن وقف إطلاق النار في غزة ولبنان معاً، واكتفى بالحديث عن ضرورة وقف إطلاق النار في لبنان والالتزام بتنفيذ القرار الذي ذُكِر أعلاه.
حتى خطاب الأمين العام الجديد لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، الأربعاء الماضي كان فيه أيضاً عدم وضوح لجهة ربط الجبهات.
الشيخ قاسم تحدث عن صحة قرار المقاومة اللبنانية بإسناد غزة من الناحية الإنسانية والأخلاقية والشرعية وحتى النفعية (أي لجهة مصلحة لبنان)، لكن حديثه كان يحمل الغموض أيضاً.
هو من جهة أكد الاستمرار على نهج السيد حسن نصر الله الذي جعل من وقف إطلاق النار في غزة شرطاً لإغلاق جبهة لبنان وإجراء مفاوضات غير مباشرة تسمح بعودة مستوطني شمال فلسطين التاريخية إلى بيوتهم. لكن من جهة أخرى هو لم يتحدث صراحة عن الاستمرار في ربط الجبهات، قائلاً إن المقاومة تقبل بوقف إطلاق النار بشروطها هي دون أن يذكرها.
هل يعني ذلك أن المقاومة اللبنانية ستضع شرط التوصل إلى اتفاق مع المقاومة الفلسطينية، إذا ما وافقت دولة الاحتلال على وقف إطلاق النار مع لبنان وقبلت بالالتزام بقرار 1701؟
بمعنى هل سيتم وضع شرط الاتفاق مع المقاومة الفلسطينية لاحقاً وعندما يُصبح الحديث عن وقف إطلاق النار في لبنان مسألة مقبولة على الاحتلال الإسرائيلي بفعل عدم قدرته على تحقيق أهدافه فيها بالقوة العسكرية؟
لا يمكننا الجزم بأي شيء، لكن ما نعلمه هو الآتي:
أولاً، الراحل حسن نصر الله دخل معركة إسناد غزة بعد يوم واحد من بدء طوفان الأقصى معلنا أن جبهة لبنان لن تتخلى مطلقاً عن «غزة والضفة وشعب فلسطين المظلوم أياً كانت النتائج والعواقب».
أي تراجع عن هذا الموقف هو خروج عن إرث الراحل نصر الله. من المهم هنا التذكير، أن الكثير من قيادات المقاومة اللبنانية كانوا أيضاً جزءا من عملية اتخاذ قرار إسناد غزة ومنهم الشيخ قاسم.
ثانياً، أي فصل للجبهات هو تفريط بالتضحيات الكبيرة والعظيمة التي قدمها المئات من مقاتلي المقاومة اللبنانية والعشرات من قياداتها على طريق إسناد غزة.
المقاومة اللبنانية أكدت دائماً أن إعلان حرب شاملة عليها وعلى لبنان لن يمنعها من الاستمرار في إسناد المقاومة في غزة. الآن عندما أصبحت الحرب حقيقة فإن أي تراجع عن خطاب المقاومة اللبنانية السابق هو تقديم انتصار لدولة الاحتلال.
ثالثاً، هذه الحرب ستحدد مصير المنطقة، ومحور المقاومة يجب ألا يسمح بخروج دولة الاحتلال منتصرة فيها.
المقاومة اللبنانية التي تُعتبر العمود الفقري لهذا المحور لا يمكنها أن تسمح بخسارة هذه الحرب لأن تبعات ذلك كبيرة على محور المقاومة ككل وليس على فلسطين وحدها.
رابعاً، المقاومة اللبنانية لا تعمل وحدها فهي ورغم استقلاليتها التنظيمية والسياسية إلا أنها جزء من محور كبير فيه إيران، وبالتالي ومن باب الوفاء لحلفائها والالتزامات المترتبة عليها، يجب ألا تغادر موقع إسنادها لغزة، وهي تُدرك خطورة ذلك على كامل محور المقاومة.
خامساً، بيانات المقاومة اللبنانية ما زالت تبدأ بكلمات «دعماً وإسناداً لغزة ولشعب فلسطين المظلوم» ولو كانت هنالك نية لفصل الجبهات لما خرجت هذه البيانات بهذه اللغة.
لكل ما سبق، أميل للاعتقاد بأن المقاومة اللبنانية باقية على عهدها وعلى التزاماتها التي قطعها الراحل نصر الله، أياً كانت التضحيات في هذه الطريق.
لماذا إذاً لا تعلن المقاومة اللبنانية صراحة أنها لن تقبل بوقف إطلاق نار منفرد في لبنان، أو أنها لن توقف النار ما لم يتم التوصل إلى اتفاق مع المقاومة الفلسطينية؟
في تقديري أن المقاومة اللبنانية لا تريد أن تدخل في مواجهة داخلية مع خصومها في لبنان الذين يريدون تجريدها من سلاحها أو مع حلفائها الذين يقفون معها ولكنهم لا يريدون التورط في صراع مع دولة الاحتلال من أجل فلسطين.
قول ذلك صراحة بعد أن أعلنت دولة الاحتلال حربها الشاملة على لبنان سيدخلها في صراع جانبي يستهلك جهدها السياسي في الوقت الذي تعلم فيه أن أهداف دولة الاحتلال ليست تنفيذ القرار 1701 وإنما القضاء على قدراتها العسكرية، وإضعاف حضورها السياسي، وتحويل لبنان إلى ساحة لخدمتها وحفظ أمنها.
المقاومة اللبنانية تدرك أن الصراع مع دولة الاحتلال سيتم حسمه في جبهة القتال.
من يصرخ أولاً سيدفع الثمن. من يقدم التنازلات أولاً، سيدفع الثمن، والمقاومة اللبنانية ليس في نيتها الصراخ أولاً، وهي تراهن على أن صمودها وتكبيد الاحتلال خسائر يومية، سيدفعه هو للصراخ.
وإذا ما فعل ذلك، فإن المقاومة يُمكنها عندئذ أن تقول ما لا تريد قوله صراحة الآن حرصاً على عدم فتح صراع جانبي.
علينا أيضاً أن نتذكر أن المقاومة اللبنانية قد تعرضت في أقل من عشرة أيام من 17 إلى 27 أيلول الماضي (من تفجير البيجر إلى اغتيال السيد نصر الله) لضربات شديدة ومؤلمة جداً وكان من الممكن أن تنكسر. وبالتالي من الجائز القول، إن المقاومة اللبنانية في طور التعافي ولا ترغب في رفع السقوف قبل استعادتها لقوتها، والتي بدأنا نلاحظها في مقاومتها البرية أو في عملياتها العسكرية النوعية.
بكلمات أخرى، ربما تريد المقاومة اللبنانية أن يدرك الجميع أنها استعادت قوتها وعافيتها وأن تُثبِتْ ذلك في وعي دولة الاحتلال قبل الحديث العلني عن التمسك بوحدة الساحات.
بافتراض خطأ هذا التحليل، سيكون أي اتفاق منفرد مع دولة الاحتلال بداية انكسار المقاومة اللبنانية، وإهداء انتصار للاحتلال لم يتمكن من الحصول عليه في غزة رغم حرب الإبادة التي يقوم بها فيها.   

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *