الحردلو (الأخيرة) الوداع الحزين: لا مصروف ولا زولاً بنتسلّابو..!
في بحثه (الحردلو صائد الجمال) الذي كتبه باللغة الانجليزية وتحوّل إلى كتاب نشرته جامعة نبراسكا بالولايات المتحدة..وضع “عادل بابكر” أحد عشر فصلاً (عدا مقدمة وملحقات ونماذج واستشهادات)؛ إلا أننا في تعريبنا بغير ترتيب لجزئيات من هذه الفصول والمتون في “سياحة خفيفة”، لم نتقيّد على مدار هذه الهوامش بالتسلل المنطقي أو البحثي..لهذا لا يعدو أن يكون ما تناولناه بالتعليق عبر هذه السياحة غير (إشارات مجتزأة) لا تزيد عن مجرّد الإعجاب بهذا الكتاب وموضوعه، وما يثيره من قضايا إبداعية عن الشعر البدوي السوداني، وما يحتوي عليه من كنوز وذخائر نفيسة لم تجد حظّها من التنويه التي تستحقه، بالرغم من كل ما كُتب عنها وما تم تقديمه منها عبر مختلف الوسائط والمنابر..!
**
تدرّجت فصول هذا الكتاب وفق منطق صاحب البحث من حياة الشاعر الضخم الحردلو ورحلته بحثاً عن الجمال. وقد تناولت الفصول عصر الحردلو، وجانباً من شعره المنسوب للرومانس بمعنى (العاطفة الرءومة)؛ ثم الحردلو الشاعر العاشق الموّله بالطبيعة؛ ثم أسلوبه الشعري؛ ثم فن المسدار وسياقه التاريخي؛ ثم يأتي فصل مسدار النجوم (رحلة عبر منازل النجوم)؛ ثم مسدار رفاعة (رحلة عبر البطانة)؛ ثم دور الشعر البدوي في تأسيس الذائقة الجمالية السودانية؛ ثم الميراث الحي والرسالة الثقافية المعاصرة للقصيدة البدوية ((The Bedouin Poem: a Living Legacy؛ ثم فصل آخر عن (المسدار وأغنية الحقيبة)؛ ثم الفصل الأخير بعنوان “المسدار المعاصر” واستخدامه في تناول القضايا الراهنة والمشاعر الثورية، ويقف هذا الفصل مطوّلاً عند أشعار محمد طه القدّال و(يا لله من شعر القدّال)..!
في الخاتمة أو الملاحق تأتي نماذج موحية لأشعار الحردلو بعناوينها: (مربوعات متنوّعة (Miscellaneous Quatrains)؛ أشعار الحنين(Nostalgia) ؛ أشعار الرومانس (Romance) كما سمّاها؛ ثم مربوعات الحزن والحسرة (Heartbreak) التي بثها الشاعر بنغمة كسيرة؛ ثم أشعاره خلال المحنة (The Ordeal) التي مر ّبها ؛ ثم مربوعات وداع الدنيا (Farewell)
“معاكي سلامة يا دنياي”..!
**
فيما يلي وفي نهاية هذه الخواطر العابرة عن كتاب وموضوع (يجب تناوله بغير عُجالة)..نورد مثالاً أو “مربوعاً واحداً” عن كل موضوع من هذه المجالات التي اختارها الكاتب :
في الحنين :
الخبر اللكيد الليله احمد جابو
قال الوادي سال واتقرّنن تبّابو
إن سعلونا نحن قعادنا شن اسبابو..؟
لا مصروف ولا زولاً بنتسلابو..!
Great news from Ahmad;
the valley is full to the brim, he said.
I can’t see why we should here stay
with no money to spend,
or a soulmate to drive boredom away
**
في الرومانس:
يا خالق الوجود أنا قلبي كاتم سرّو
ما لقيت من يدِرك المعنى بيهو أبرّو
بهمة منصح الوادي المخدّر دِرّو
قعدت قلبي تطوي .. وكل ساعه تفرّو
O Creator of the universe
I have been holding a big secret deep in my heart,
unwilling to share it
except with one who can appreciate it
The young oryx at the heart of the green valley
has been playing havoc with my heart,
folding and unfolding it
**
في الحزن والحسرة:
إتلموا الجماعة وقالوا ليّا تتوب
من العُنقو زيّ الشمعدان مصْبوب
فاتْ فيّا الفوات وبقيتا زي مجذوبْ
الحاس بيهو ما ظنيتو مَس ايوبْ
Repent her love, friends urged me
But how can I forsake one,
with such a neck, long and proud?
of me her passion wouldn’t let go,
beyond cure, like a mystic lover I grew
Don’t think even Prophet Ayyub
as much pain endured
**
في المِحنة:
يا عبد الله اخوي أنظر قدُر ما كان
ما شفتَ البهيم الصيد جنا الجديان
دجّن بالارض كسّوهن الدلقان
وا وجعي الشديد رقد أب سعد ياخوان
Look around, ‘Abdallah
You will see young oryxes,
tottering around in rags
What a grieving loss is abSa’ad, folks
**
في وداع الدنيا
زمْل القدرة جَنْ..وفي الوَطا ما خَتّنْ
طارن لى السماء ومِتْل القماري اسّتتّنْ
الجُود والحَياَ منّ العِقول انختَّنْ
طال الشوق على الوادي ابْ عِيوشَنْ شتّنْ
The heavenly camels have arrived,
like a flock of pigeons lined up on the horizon
Time to leave a world from which,
Alas, nobleness and modesty are gone
But I’ll always miss my beloved valley,
ever bountiful and green
**
طال الشوق علي الوادي اب عيوشاً شتن..!
**
ولأن شعراء البادية يحبون الحياة..فهم يودعونها بشوق غريب لمراتع صباهم وكهولتهم وليالي أنسهم..هذه الشجا والشجن نجده أيضاً عند (الطيب ود ضحوية) الهمباتي المهاجري النهّاض الشهير؛ فبعد أيام الفخر والجسارة..والسخرية ممن يجدون هواهم في جلسات القهوة وتنسّم ريحة (قلية البن) والعيش على فتات الآخرين:
ماني شغيل بيوت القليه كارف ريحا
وماني الأرمل النازل على التلقيحه
بازل مالي لي اللازمني شيك وضبيحه
وسايم روحي لليوم الخَطِوتو قبيحه..!
هاهو ود ضحويه يقول عندما أحس بدنو أوان الرحيل:
يوم بنداورالبكره ونمِصرو ثديها
ويوم بنشق عتاميراً بعيده وتيها
يا نفس السواد..المُتعه كمّلتيها
أبقى لزومه وكت القُرعه وقعت فيها..!
ثم:
كيف امسيتي يا المُزنه ام سحاباً شايل
وشِن سويتي في “السَلَمه” وبِليد “ناس نايل”..؟
واحدين في الخلا…وواحدين بسوقو الشايل
معاكي سلامه..يا الدنيا ام نعيماً زايل..!
المصدر: صحيفة الراكوبة