اخبار السودان

تنامي التهديدات الإرهابية في بحيرة تشاد يزيد من تعقيدات الوضع في الساحل الأفريقي

تزايدت وتيرة الهجمات الإرهابية مؤخرا في منطقة بحيرة تشاد، مما أدى إلى تصاعد القلق بشأن استقرار هذه المنطقة الإستراتيجية. ففي أحد أكثر الهجمات دموية على القوات التشادية منذ عام 2020، فقدت تشاد حوالي أربعين جنديا في هجوم على قاعدة عسكرية، يُعتقد أن جماعة بوكو حرام مسؤولة عنه. ويعكس هذا الهجوم مدى تعقيد التحديات الأمنية التي يواجهها الساحل الأفريقي، حيث تتشابك فيها العوامل المحلية والدولية.

تُعتبر بحيرة تشاد محورا رئيسيا للنشاط الإرهابي، حيث تتخذ منها جماعات مثل بوكو حرام وتنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا قواعد لها. انطلقت عمليات بوكو حرام من شمال شرق نيجيريا عام 2009، لكنها سرعان ما توسعت إلى دول أخرى في المنطقة، ومنها تشاد، مستفيدة من الهشاشة الأمنية والتضاريس المعقدة، مما يسهّل عليها شن هجمات مفاجئة. كما أن عوامل مثل الفقر والتهميش تجعل الشباب في هذه الدول عرضة للتجنيد في صفوف الجماعات المتطرفة، التي توفر لهم سبل العيش في غياب فرص التنمية.

وفي محاولة لاحتواء التهديدات المتصاعدة، أطلقت تشاد عملية عسكرية لتعقب المهاجمين، بقيادة الرئيس محمد إدريس ديبي الذي أشرف على العمليات بنفسه. ومع ذلك، تواجه القوات التشادية صعوبات كبيرة في التعامل مع هذه الجماعات التي تعتمد تكتيكات الكرّ والفرّ، وهو ما يجعل القضاء عليها تحديا كبيرا. يُضاف إلى هذه الصعوبات افتقار تشاد إلى تنسيق فعّال مع دول الجوار، مما يؤثر سلبا على قدرة القوة متعددة الجنسيات المشتركة على اتخاذ خطوات فعّالة للقضاء على التهديدات الإرهابية.

تبني تعاون دولي وإقليمي فعّال يُعد خطوة أساسية نحو تحقيق الاستقرار الذي لا يقتصر أثره على تشاد فقط، بل يمتد ليشمل منطقة الساحل الأفريقي بأسرها

من جانب آخر، تسهم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة في تعقيد الأزمة. فسكان منطقة بحيرة تشاد يعيشون في ظل أوضاع إنسانية صعبة، حيث يؤدي نقص الموارد وتدني مستوى الخدمات الأساسية إلى خلق بيئة خصبة للتطرف. وتتزايد فرص انضمام الشباب إلى الجماعات المسلحة كنتيجة طبيعية لمعدلات الفقر والبطالة المرتفعة، ما يزيد من حدة التوتر في المنطقة ويجعلها أكثر عرضة للعنف.

ولا تتوقف التحديات الأمنية في منطقة الساحل عند الحدود المحلية، بل تتعداها إلى تعاون بين جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات المتطرفة في غرب أفريقيا، بهدف توسيع نفوذها. ويترجم هذا التعاون إلى تقديم دعم لوجستي ومالي لتلك الجماعات، مما يمكنها من تنفيذ عمليات مشتركة عابرة للحدود، ويمدها بوسائل تمويل من شبكات تجارة الأسلحة والمخدرات، ما يرفع من مستوى التهديدات الأمنية في المنطقة.

وفي ظل المخاوف المتزايدة من استخدام منطقة الساحل كنقطة انطلاق لتهديد المصالح الإقليمية والدولية، تسعى بعض الدول الغربية، مثل فرنسا، لإعادة تقييم وجودها العسكري هناك. في الوقت ذاته، تعمل الولايات المتحدة على تعزيز التعاون الأمني مع دول الساحل لمواجهة النفوذ المتنامي للجماعات المتطرفة، مما يؤكد أن الاستقرار في منطقة بحيرة تشاد لم يعد مجرد مسألة محلية بل بات قضية ذات أبعاد دولية.

ولمواجهة هذه التحديات، تحتاج الدول المتضررة إلى اتّباع نهج شامل يجمع بين الجهود العسكرية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية. ومن الضروري تعزيز التعاون الإقليمي من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية وتنفيذ عمليات عسكرية مشتركة. إضافة إلى ذلك، يجب الاستثمار في برامج تعليمية وتطويرية تهدف إلى تقليل معدلات البطالة، مما يسهم في خلق بيئة أكثر استقرارا وأقل عرضة للتطرف.

وتبقى الهجمات الإرهابية في منطقة بحيرة تشاد تهديدا مستمرا يتطلب إستراتيجيات متكاملة تراعي الأبعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. إن تبني تعاون دولي وإقليمي فعّال يُعد خطوة أساسية نحو تحقيق الاستقرار الذي لا يقتصر أثره على تشاد فقط، بل يمتد ليشمل منطقة الساحل الأفريقي بأسرها.

د. عبدالمنعم همت ـ العرب

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *