خارطة طريق تتولى تنزيل الشراكة الاستثنائية الوطيدة بين المغرب وفرنسا
أكد الملك محمد السادس وإيمانويل ماكرون، ضمن النقطة الثالثة من إعلان “الشراكة الاستثنائية الوطيدة” بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية، أن “الجهود المشتركة التي يبذلها البلدان على الصعيدين الثنائي والدولي ستظل قائمة على أساس المبادئ التالية: العلاقة بين دولة ودولة، والمساواة في السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وفي اختيارات السياسة الخارجية، واحترام الالتزامات المبرمة، والثقة، والشفافية، والتشاور المسبق، وتضامن ومسؤولية كل طرف تجاه الطرف الآخر”.
واسترعت هذه المبادئ الثمانية اهتمام خبراء العلاقات الدولية والمهتمين بتاريخ العلاقات الثنائية بين الرباط وباريس، إذ استفاضوا في منحها تفسيرات متعددة تصب أغلبها في سياق تأكيد البلدين على عدم إتاحة إمكانية “العودة إلى الوراء”، لاسيما بعد الأزمة الدبلوماسية الأخيرة، فيما فسّرها آخرون بأنها رسالة من المملكة المغربية للمنتظم الدولي حدّدت فيها طبيعة العلاقات المنتظرة مع الرباط مستقبلا.
في هذا السياق قال حسن رامو، الأستاذ بالمعهد الجامعي للدراسات الإفريقية والأورومتوسطية والإيبيروأمريكية، التابع لجامعة محمد الخامس بالرباط، إن “أهم مكسب من زيارة ماكرون إلى المغرب، إضافة الى الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء واعتبار الحكم الذاتي حلا وحيدا وواقعيا للقضية، هو الإعلان عن بداية صفحة جديدة في العلاقات المغربية الفرنسية، بل وكما جاء على لسان الرئيس الفرنسي ضرورة كتابة كتاب جديد (وليس صفحة) في العلاقات المغربية الفرنسية لمواجهة التحديات المستقبلية”.
وأبرز رامو، ضمن تصريح لهسبريس، أن “أولى الإشارات التي توضح طبيعة الكتاب الجديد من العلاقات المغربية الفرنسية هي ما توحي به الاتفاقيات الموقعة، التي تتقاطع كلها مع مصطلح السيادة، سواء في شكلها القطاعي، وخاصة السيادة الطاقية أو المالية أو الغذائية أو الاقتصادية أو الصحية، أو على مستوى اختيارات السياسة الخارجية، مع عدم التدخل في الشؤون الداخلية”، معتبراً أن ذلك “يتناغم مع الإشارات التي جاءت بها عدد من الخطب الملكية أو تصريحات وزير الخارجية المغربي من ضرورة التعامل مع المغرب كدولة ذات سيادة، وفاعل إقليمي مهم لا محيد عنه في الساحة المتوسطية والإفريقية والعربية والدولية، وذلك تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس”.
ويرى الخبير في العلاقات الدولية أن “تأكيد الجانب الفرنسي على أهمية الشراكة الاقتصادية والسياسية والثقافية مع المغرب يأتي وفق شراكة استثنائية وخارطة طريق إستراتيجية مستقبلية للسنوات المقبلة، وليس بناء على ما تمّ توقيعه من استثمارات، إذ تأخذ هذه الشراكة في الاعتبار طموحات ومصالح المغرب وفرنسا على قدم المساواة، وتأتي لمواجهة التطورات والتحديات الدولية بغرض التنسيق من أجل تعزيز التوجه الأورومتوسطي، الإفريقي والأطلسي، مع عدم التدخل في الشؤون الداخلية وفي اختيارات السياسة الخارجية”.
وذكّر المتحدث بأن هذه الشراكة “تدخل في سياق توجهات كان المغرب أطلقها سابقاً، خاصة مبادرة إفريقيا الأطلسية ومبادرة ربط الساحل بالمحيط الأطلسي، ورؤية المغرب لتنمية الفضاء الساحلي خاصة والإفريقي عامة، التي قد لا تتوافق تماما مع المصالح الفرنسية بالقارة”.
وخلص الأستاذ الجامعي ذاته إلى أن “هذه المقاربة الجديدة المتفردة للشراكة الإستراتيجية التي فرضتها المملكة، ومكانتها الجديدة الإقليمية والدولية، تأتي بالنظر إلى إمكانيات الاختلاف حول بعض القضايا الجيوسياسية بإفريقيا أو علاقات المنطقة المغاربية مع الفضاء الأورومتوسطي”، معتبراً أن ذلك “سيسمح للمغرب بالاستمرار في تنويع الشركاء الدوليين والحفاظ على الخط والمسار التفاوضي لعلاقاته الخارجية دون إملاءات أو ضغوط، الأمر الذي لم تستطع عدد من الدول المغاربية والإفريقية تحقيقه مع فرنسا”.
من جانبه اعتبر بوسلهام عيسات، باحث في الدراسات السياسية والدولية، أن “ما يُفهم من إعلان الشراكة الاستثنائية الوطيدة” بين الرباط وباريس، ومن المبادئ الجوهرية المؤطرة للجهود المشتركة التي يبذلها البلدان على الصعيدين الثنائي والدولي، “أننا أمام خارطة طريق إستراتيجية مؤسسة لطبيعة العلاقة الإستراتيجية على المديين المتوسط والبعيد بين البلدين ومع المنتظم الدولي، تتأسس على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية وفي اختيارات السياسية الخارجية”.
وأضاف عيسات، في تصريح لهسبريس، أن “هذا الإعلان الموقع من طرف أعلى سلطتين في البلدين يعني أيضاً أننا أمام مبدأ يجعل فرنسا تستند في تعاملها مع باقي أعضاء المجموعة الدولية انطلاقا من وحدة تراب المملكة المغربية وسيادتها على كافة أقاليمها دون تجزيء”.
أما في ما يخص مبدأ اختيارات السياسية الخارجية للمملكة المغربية، يورد الباحث ذاته، “فقد ذهب المغرب إلى تنويع شراكاته الإستراتيجية مع الدول الصديقة، ما مكّنه من تعزيز التعاون مع مختلف الدول والمجموعات الإقليمية”، معتبراً أن هذا المبدأ “فيه إشارة لباقي أعضاء المنتظم الدولي إلى تطلّع المغرب إلى مزيد من التعاون والشراكة مع الدول، مع التقيد بالمنظار المحدد من قبل جلالة الملك، وبباقي المبادئ الأساسية المشار إليها في نص إعلان الشراكة الإستراتيجية مع فرنسا”.
المصدر: هسبريس