الحزب المحلول.. هل عاد نشاطه بموافقة وشروط الجيش؟
رئيس الحزب المحلول يعتزم تكثيف نشاطه وزيارة عدو ولايات لإطلاع الأعضاء على خطة العمل الجديدة بعد تكليفه بقيادة الحزب.
بورتسودان كمبالا: التغيير
بدأ حزب المؤتمر الوطني المحلول، يتحرك بصورة طبيعة بعد أن وجد الضوء الأخضر من قادة الجيش السوداني، وأصبح يمارس نشاطاته تحت مرأى وسمع الجميع، دون أن يتقيد بالقانون الذي أقر حله بأمر حكومة ثورة ديسمبر المجيدة، ما يطرح التساؤل هل كانت هذه العودة بموافقة وشروط الجيش؟!.
الشاهد أنه فور عودة رئيس الحزب المحلول المكلف إبراهيم محمود حامد إلى البلاد بدايات الشهر الحالي، تم استقباله في صالة كبار الزوار بمطار بورتسودان الدولي تحت لافتة القبيلة، ولكن سرعان ما تكشف الأمر بأن عودته جاءت بمباركة من الحكومة التي يسيطر عليها الجيش، وبترتيب من عناصر الحزب المحلول الذين استفادوا من حالة الفوضى التي خلفتها حرب 15 أبريل بحسب مصادر.
وأطاحت ثورة ديسمبر 2018م بنظام المؤتمر الوطني المحلول وتم التحفظ على رأس النظام عمر البشير قبل أن يتم إيداعه السجن برفقة أعوانه، وقبل إطاحته بأكثر من شهر، نقل البشير سلطاته الحزبية إلى نائبه المعين حديثاً حينها أحمد محمد هارون، وبعد اعتقاله في أبريل 2019م، كلف وزير الخارجية إبراهيم غندور، إلا أن اعتقاله أيضاً جعل رئاسة الحزب تذهب إلى إبراهيم محمود بشكل مؤقت، وبعد خروج غندور من السجن تمسّك محمود بمنصبه وأصبح ينازع غندور فيه، قبل أن يطيح به في يوليو الماضي ويكون أمانات جديدة للحزب.
إشعال الحرب
وكان اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة الانتقالي والوزراء لحكومة الفترة الانتقالية أقر في 2019م قانون “تفكيك نظام الإنقاذ”، ونص على حل حزب المؤتمر الوطني، وحذفه من سجل التنظيمات والأحزاب السياسية في السودان، علاوة على حل مجمل الواجهات التي كان يستخدمها والمنظمات الأخرى التابعة له، أو لأي شخص أو كيان مرتبط به، ومصادرة ممتلكاته وأصوله لصالح الدولة، وشرعت لجنة إزالة التمكين في مصادرة الأصول من قيادات الوطني وأودعت عدداً كبيراً منهم السجن.
لكن الحزب المحلول لم يلتزم بالقرار، وبعد انقلاب 25 أكتوبر 2021م الذي نفذه قائدا الجيش وقوات الدعم السريع، استعاد وقياداته نشاطهم عبر واجهات عدة، وساعد في ذلك قيام حرب 15 أبريل التي يتهم أنصار الحزب المحلول بإشعالها.
وبعد اندلاع الحرب انخرط عناصر الحزب المحلول والحركة الإسلامية في القتال بجانب الجيش عبر كتائب البراء والبنيان المرصوص وغيرها من المسميات، وأصبح الحزب ينشر بيانات رسمية ويحدد مواقفه بصورة علنية في جميع القضايا.
استقبال وتدشين
وتعتبر عودة إبراهيم محمود إلى السودان بعد قضاء أكثر من عام بالخارج، واستقباله بشكل رسمي، إعلاناً رسمياً لتدشين الحزب نشاطاته، إذ أنه وخلال مخاطبته الحضور، حيا حامد القوات المسلحة والمشتركة في دارفور، وقال إنها تخوض معركة بقاء السودان، وأثنى على وقوف السودانيين خلف جيشهم، وقلل من المخاوف الغربية والأمريكية بشأن أوضاع السودان، مؤكدا أنه إذا توحّد أهل السودان فلن تصيبهم مشكلة، ورأى التحدي في أن ينتصر الجيش في معركته وأن يتوافق أهل السودان وقواه السياسية على إدارة شؤونهم.
وقال حامد يومها، إن الشعب السوداني لن ينخدع مرة أخرى بـ”قصص وحواديت” المعارضة، من شاكلة أن “مشكلة البلد في الكيزان”، (أي الإسلاميين)، وأنه بذهابهم سيتحسن الوضع، وتابع “براكم شفتو الحصل شنو”.
خلافات على القيادة
ويرى مراقبون أن عودة إبراهيم محمود للبلاد نتيجة للخلافات داخل قيادة الحزب، التي وصلت مرحلة ما قبل الانشقاق، منذ أن أعلن نفسه رئيساً للحزب دون أن يجد المباركة والتأييد من المؤسسات التنظيمية للحزب برئاسة الرئيس الشرعي إبراهيم غندور.
لكن مصدراً مقرباً من الحزب المحلول، نفى وجود خلافات داخل الحزب، ووصفه بأنه في أفضل حالاته، وتجاوز ما تعرض له وأجرى مراجعات شاملة.
وقال المصدر لـ(التغيير)، إن التباين في وجهات النظر والخلل التنظيمي يمكن معالجته عبر مؤسسات الحزب، مشدداً على أن التعقيدات التنظيمية فرضتها الظروف التي مرت بها البلاد والحزب، وأن المؤسسات قادرة على تجاوزها.
شروط الجيش
فيما أكدت مصادر مطلعة لـ(التغيير)، أن رئيس الحزب المحلول عاد للبلاد بعد أن وجد موافقة مشروطة من قادة الجيش السوداني، ومنها ألا يتحدث الحزب عن قادته الأربعة الموجودين داخل السجن، فضلاً عن الدعم الكامل والوقوف إلى جانب الجيش في حرب الكرامة، وإبعاد كل من يخالف هذا الاتجاه.
وأكدت المصادر أن إبراهيم سيعمل على تكثيف نشاطه هذه الأيام، ويجري الآن زيارة لمدينة كسلا، وأشارت إلى أن الخطوة القادمة له هي زيارة ولايتي الشمالية ونهر النيل ليطلع أعضاء الحزب على خطة العمل الجديدة بعد تكليفه برئاسة الحزب.
مؤشر خطير
وكان مستشار قائد قوات الدعم السريع الباشا طبيق، وصف عودة رئيس الحزب المحلول إلى بورتسودان وظهوره في الساحة السياسية بأنها تعد محاولة لإعادة إحياء دور المؤتمر الوطني بعد أن استحوذت الحركة الإسلامية بقيادة علي كرتي على الأوضاع العسكرية.
وقال طبيق في تغريدة له على منصة “إكس”، إن هناك انقسامات عميقة داخل صفوف المؤتمر الوطني، حيث يمثل إبراهيم محمود جناح الدكتور نافع، بينما يمثل علي كرتي جناح علي عثمان محمد طه، وهو التيار الذي كان له دور في إشعال النزاع الذي اندلع في 15 أبريل.
وفي السياق ذاته، حذر الناطق الرسمي باسم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” بكري الجاك، من عودة حزب المؤتمر الوطني، واعتبر ذلك مؤشراً خطيراً يزيد من تعقيد الأوضاع السياسية وإطالة أمد الحرب.
وقال في تصريح سابق لـ(التغيير)، إن “ظهور إبراهيم محمود حامد بمدينة بورتسودان يؤكد أن كوادر المؤتمر الوطني ومليشياته بدأت ترتب للعودة لحكم البلاد بعد إشعالها الحرب”، وأضاف: “تحركاتهم الأخيرة تؤكد ذلك حتى لو كانت في ولاية واحدة”.
وعلى الصعيد، قال مساعد رئيس حزب الأمة القومي، صلاح مناع، إن عودة الرئيس المكلف لحزب المؤتمر الوطني “المحلول” إبراهيم محمود، إلى مدينة بورتسودان، تؤكد أن “معركة الكرامة” معركة الحركة الإسلامية.
وأضاف في تغريدة على منصة “إكس”، أن ظهور قيادات “الوطني” يؤكد أن الحرب ليست “حرب كرامة” بل لاستعادة ملكهم البائد وإجهاض ثورة ديسمبر”.
أمران أحلاهما مر
بدوره، يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الجميل الفاضل، أن تراجع موقف الجيش على الأرض، مع تنامي الضغوط الدولية، وفرض ما يشبه الحصار الدبلوماسي على حكومة الأمر الواقع، فضلا عن انحسار شعبية الحرب بعد دخولھا العام الثاني مع اتساع نسبي متدرج لجبھة رفض استمرار الحرب، “كل ھذه العوامل مجتمعة أدت لمراجعات وإن جاءت محدودة داخل صف الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني، وتبع ذلك صدور انتقادات علنية من إسلاميين بارزين لفكرة المضي في الحرب دون وجود بوادر انتصار محتملة”.
وقال الفاضل لـ(التغيير): “الإسلاميون يواجھون أمرين أحلاھما مر في النھاية، أمر الاستمرار في حرب ربما تقود التيار إلى ھزيمة ساحقة بعد انھيار الجيش المترنح، أو القبول بمبدأ التفاوض الذي يخرجھم عن معادلات مرحلة ما بعد الحرب، ومواجھة شبح المساءلة والمحاسبة عن الحرب، مع الذھاب في إجراءات أكثر صرامة تسعى لتفكيك بنية نظامھم وشبكاته وواجھاته التي اھترأت بفعل الحرب”.
المصدر: صحيفة التغيير