الرئيس الفرنسي يدعم مغربية الصحراء بإجراءات عملية في المحافل الدولية
من تحت قبة البرلمان المغربي، جدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم الثلاثاء، تأكيد موقف بلاده الداعم لسيادة الرباط على أقاليمه الجنوبية، بالقول إن “حاضر ومستقبل الصحراء لا يمكن أن يكون إلا تحت السيادة المغربية”، معلنا في الوقت ذاته أن باريس ستترجم هذا الموقف إلى إجراءات عملية من خلال دعم هذا الموقف في المحافل والمنصات الدولية.
في سياق مماثل، أكد ماكرون، الذي يجري زيارة دولة إلى الرباط تستمر إلى غاية يوم غد الأربعاء، أن الشركات والمقاولات الفرنسية ستعمل على مواكبة تطوير وتنمية الأقاليم الجنوبية للمغرب من خلال عدد من المبادرات والاستثمارات، لافتا إلى أهمية تطوير الشراكة مع المملكة في مواجهة التحديات المستقبلية.
في تفاعله مع هذا الموضوع، قال محمد عصام العروسي، مدير مركز منظورات للدراسات الجيوسياسية والاستراتيجية، إن “ما جاء على لسان الرئيس ماكرون في خطابه أمام البرلمان المغربي، هو أولا إعادة تأكيد لما جاء في الرسالة الموجهة إلى الملك محمد السادس في أواخر يوليوز الماضي التي أعلن فيها دعم باريس للسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية في إطار مخطط الحكم الذاتي”.
وأوضح العروسي أن “تأكيد هذا الموقف ينطوي بالنسبة للرئاسة الفرنسية على أكثر من معنى سياسي، ذلك أنه يعيد السياسة الفرنسية إلى سكتها الطبيعية فيما يتعلق بأولوية العلاقات التاريخية مع المغرب، كما أن إعادة تأكيده من داخل قبة البرلمان تحمل رمزية كبيرة وأبعادا دستورية وقانونية مهمة بالنظر إلى تشابه المرجعيتين البرلمانية والدستورية لكل من فرنسا والمغرب، حيث إن معظم الدساتير المغربية تستمد روحها من دستور الجمهورية الخامسة”.
وبين المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الأمر يتعلق بتصريح وخطاب صادر عن رجل دولة يؤكد من خلاله أن الشراكة الاستراتيجية مع المغرب ستكون من داخل الاعتراف بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية التي ستكون مستهدفة بالاستثمارات الفرنسية، وبالتالي الاستفادة من الفرص الاقتصادية الواعدة في هذه الأقاليم، وهو ما يعد هو ترجمة عملية وإجرائية لهذا الموقف الفرنسي الجديد”.
وأشار إلى أن “حديث ماكرون عن فتح صفحة جديدة في العلاقات مع المغرب، هو اعتراف ضمني بأن الفترة السابقة كانت تتميز ببرود وجمود في هذه العلاقات. وعليه، فإن فرنسا تسعى لرد الاعتبار لهذه العلاقات بالنظر إلى زخمها الاستراتيجي ومن بوابة تأكيد سيادة الرباط على الصحراء”، مسجلا أن “باريس تسعى لتعويض فرصها الضائعة في إفريقيا، خاصة في ظل التنافس الدولي المحتدم في القارة”.
ولفت العروسي الانتباه إلى أن “الجانب الإجرائي يتمثل أيضا في ترجمة هذا الموقف إلى قرارات وسلوك للسياسة الخارجية من خلال تصريف هذا السلوك في دعم الموقف المغربي في المنظمات والهيئات الدولية، على رأسها مجلس الأمن والمنظمات الإقليمية كالاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وبالتالي التصدي للمناوشات التي تستهدف الوحدة الترابية للمملكة من داخل هذه المنصات، وهو ما من شأنه أن يساهم في إقناع المنتظم الدولي وباقي الدول المترددة بأن لا حل لقضية الصحراء خارج إطار الحكم الذاتي”.
من جهته، أكد مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، قيادي سابق في جبهة البوليساريو، أن “الموقف الفرنسي المعبر عنه بمناسبة خطاب إيمانويل ماكرون أمام مجلسي البرلمان، الذي يعد امتدادا للموقف الوارد في الرسالة الموجهة إلى الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش، ثم الإعلان المشترك ليوم أمس، هو أكثر موقف دولي معبر عنه بوضوح حتى الساعة بشأن الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء”.
وسجل المتحدث ذاته، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “تعهد فرنسا بالدفاع عن الطرح المغربي في المحافل الدولية، هو موقف قديم جديد، ويُثمن ويُقدر لدولة عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أقل فوائده أنه يشكل حصانة للمكاسب المغربية على مستوى هذا المجلس الأممي الذي سيصوت قريبا على قرار جديد بشأن قضية الصحراء”.
وأضاف أن “تزامن زيارة وخطاب ماكرون الذي أعاد فيه التأكيد على موقف بلاده في هذا الشأن مع جلسات مجلس الأمن بشأن نزاع الصحراء، يعطي دفعة معنوية للطرح المغربي، وهو بمثابة فيتو فرنسي مستقبلي وصمام أمان للمكتسبات المغربية على المستوى الدولي، غير أنه كنت أنتظر من الرئيس الفرنسي الإعلان عن فتح قنصلية في الصحراء كتجسيد عملي لكل ما صرح به، خاصة وأنه اعترف بأن الفاعلين الاقتصاديين والشركات الفرنسية سوف يرافقون الدينامية التنموية في المناطق الصحراوية عبر استثمارات ومبادرات دائمة”.
وسجل القيادي السابق في جبهة البوليساريو أن “الموقف الفرنسي جيد ومحمود على مستوى الخطاب، وهو الأكثر تقدما حتى الساعة من بين المواقف الدولية بشأن هذا الملف، إلا أنه يحتاج لبعض الجرأة في تكريس ما صُرّح به على أرض الواقع باعتماد قنصلية في الأقاليم الصحراوية، كتجسيد عملي للاعتراف بالسيادة المغربية عليها، وهو ما يحتاجه المغرب حقيقة من فرنسا، خاصة في ظل الأوضاع الدولية المضطربة في أكثر من زاوية من العالم”.
وخلص مصطفى سلمى ولد سيدي مولود إلى أن “المغرب بتاريخه العريق وموقعه الاستراتيجي، هو بوابة فرنسا إلى إفريقيا والعالم العربي والإسلامي. وبالتالي، فهو يحتاج من باريس في شراكتهما الاستراتيجية الدعم السياسي والمعنوي الذي يحرره كي تتحقق الاستثنائية التي عنونت زيارة الرئيس الفرنسي إلى الرباط”.
المصدر: هسبريس