وصاية جزر الكناري على المهاجرين القاصرين غير النظاميين تلقى رفضا بالمغرب
عبّر حُقوقيون وباحثون مغاربة في مجال الهجرة عن رفضهم لمقترح فرناندوا كلافيجو، رئيس جُزر الكناري، إيواء القاصرين المغاربة غير المصحوبين الذين وصلوا بطريقة غير نظامية إلى أراضي الأرخبيل الإسباني في مراكز بالمملكة بتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة؛ على أن يظل هؤلاء “تحت الوصاية القانونية” لحكومة الجارة الشمالية.
وقال كلافيخو، في تصريحات صحافية عقب زيارته لجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، إن مُقترح الذي تقدّم به لا يتعلّق “بعملية ترحيل”؛ مُبرزا أن “حُكومة جزر الكناري ستحتفظ بالوصاية القانونية على هؤلاء القاصرين، حتى إذا تمت رعايتهم في مكانهم الأصلي أي المغرب، وذلك بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة”.
وأكد المسؤول الإسباني أن “هذا المُقترح يهدف إلى تمكين القاصرين المغاربة من التواجد في بيئتهم الأصلية وبين أسرهم دون فقدان الارتباط بالمجتمع”، مُشيرا إلى أن حُكومته ترغب في استكشاف هذه الإمكانية في إطار قانون الهجرة وصيغ التعاون التي بحثها مع ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، خلال زيارته إلى العاصمة، الرباط، قبل أسبوعين.
وشدد حُقوقيون، تحدثوا لجريدة هسبريس الإلكترونية، على أن “أية عملية ترحيل أي طفل مغربي قاصر من الأرخبيل الإسباني يجب ألا تتم أساساً إلا بعد الحسم في انطوائها على مصلحته الفُضلى”، مُضيفين أنه “على إثر ذلك ينبغي البتّ في ما إذا كانت المصلحة الفضلى للمعادين تقتضي إعادتهم إلى أسرهم أو مؤسسات للرعاية الاجتماعية يُشرف عليها المغرب”، مؤكدين أن “صون سيادة المغرب وحقوق الطفل في آن يقتضي عدم قبول الوصاية الإسبانية عليهم أو على أية مراكز لإيوائهم”.
وحسم باحثون في مجال الهجرة، بدورهم، أن “المغرب من المستبعد أن يقبل بمقترح كهذا الذي يدخل في إطار سعي المسؤولين الإسبان إلى تهيئة أرضية لطرح مراكز الإيواء والعودة على طاولة النقاش مع المغرب”، لافتين إلى أن “الرفض المغربي الحاسم لهذه المراكز ينطلق من حرصه على الحفاظ على صورته كإحدى الدول المتبنية لمقاربة إنسانية في تدبير هذه الهجرة من جهة، والتجاوب مع مطالب الجمعيات الحقوقية المغربية المدافعة عن حقوق المهاجرين من جهة أخرى”، وفقهم.
“إشكالات حُقوقية”
شددّ عادل تشيكيطو، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، على أن “عملية ترحيل أي طفل مغربي قاصر غير مصحوب من جُزر الكناري يجب ألا تتم مُباشرتها إلا بعد التأكد والحسم في انطباقها على مصلحته الفضلى؛ احتراما لمقتضيات اتفاقية حقوق الطفل، لا سيما المادة 3 منها التي وضعت مبدأ حماية الأطفال في حالات الهجرة في الصدارة، وهي الاتفاقية التي صادق عليها المغرب وإسبانيا كذلك”.
وأضاف تشيكيطو، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه “في حال كانت هناك حالات استثنائية تخص الأطفال المغاربة الذين يُعد ترحيلهم إلى أرض المملكة متلائما مع مصلحتهم الفضلى، فينبغي أن تُراعى هذه المصلحة كذلك في اتخاذ القرار بشأن مكان إبوائهم”.
وأوضح: “بالنسبة للأطفال الذين يثبت أن مصلحتهم الفضلى تقتضي إعادتهم إلى كنف أُسرهم وبين أحضانها فذلك ما يتعيّن على الجانبين فعله؛ في حين إذا كان الطفل مشردا أو مجهول النسب أو ثمة احتمال لتعرضه لسوء المعاملة من قبل أُسرته في حال عاد إليها؛ فإن مراعاة مصلحته الفضلى تقتضي تكفل الدولة برعايته”.
ورفض رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان “إيواء المهاجرين القاصرين المغاربة بمراكز بالمملكة، على أن يظلوا تحت وصاية الجانب الإسباني؛ لأنه ينطوي على انتهاك لسيادة المملكة، وعدم ثقةٍ في مؤسسات الرعاية الاجتماعية المغربية، فضلا عن الضرب في المقاربة الاجتماعية التي يعتمدها المغرب سواء وضعية الأطفال في وضعيات خاصة أو حرجة والمهاجرين”؛ مستدركا أنه “يُمكن القبول بالتمويل الإسباني لهذه المراكز؛ ولكن تدبيرها والإشراف عليها يجب أن يكونا من قبل المغرب”.
وأوضح تشيكيطو أن “المغرب في حال قبل بهذا المقترح، فيجب أن يؤوي الأطفال الذين قد تجري إعادتهم إلى المملكة بمؤسسات الرعاية الاجتماعية سواء التابعة للتعاون الوطني أو وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة أو يُشرف بنفسه على أي مركز قد ينشأ لهذا الغرض”، مُشيرا إلى أن “التخوف من ملاقاة القاصرين المغاربة لسوء المعاملة، في حال كان الإشراف على هذه المراكز إسبانيا أو أجنبيا يبقى قائما، نظرا إلى وجود شواهد تعرض العديد من نزلاء مثل هذه المراكز بجزر الكناري وسبتة ومدريد إلى مُستويات من سوء المعاملة غير قابلة للوصف”.
“الرفض محسوم”
الباحث في شؤون الهجرة خالد مُونة قال إن “رئيس جُزر الكناري من خلال تصريحاته، إنما يحاول جس النبض وخلق أرضية لنقاش تنزيل هذا المقترح أو أي آخر يطرح فكرة مراكز الإيواء مع الجانب المغربي”، مُضيفا أن الأخير ظل دائما يرفض مُقترح إيواء المهاجرين بما فيهم القاصرون غير المصحوبين في مراكز للاستقبال؛ نظرا لأنها ستضعه أمام تحديات قانونية وحقوقية وسياسية كبيرة في نهاية المطاف”.
وأوضح مونة، مُتحدثا لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه “من غير الوارد أن يفتح المغرب النقاش بشأن هذا المقتر؛ نظرا لأنه حسم بأن مراكز الإيواء تنطوي على انتهاك لسيادة أراضيه، وتتلاءم مع المقاربة والسياسة التي يتبناها لتدبير ملف الهجرة”، لافتا إلى أن “الموقف المغربي من هذه المراكز راجع بالإضافة إلى الحفاظ على صُورته كأحد أبرز الدول التي تُغلب المقاربة الإنسانية في هذا الملف، إلى كونه يحاول تفادي أي ردود فعل من جمعيات المجتمع المدني”.
وتابع شارحا: “المغرب به عدد كبير من الجمعيات الوطنية والجهوية المدافعة عن حقوق المهاجرين، مقارنة بدول أخرى بالمنطقة كتونس أو الجزائر؛ ما يجعل قبول المغرب مُقترح رئيس جزر الكناري، قد يجعله يواجه مشاكل مع هذه الجمعيات التي تظل نشيطة ويقظة في هذا المجال؛ رغم كونها تشكو محدودية الإمكانات المادية.
“الحديث عن وجود مراكز إيواء بالمغرب في الوقت الحالي، يبقى مجرد إشاعات ولا يوجد أي تأكيد له لا رسمي ولا غير رسمي”، يؤكد الباحث في شؤون الهجرة، مُوضحا أنه ” كانت ثمة مركزين للاستقبال بالناظور وبني ملال؛ إلا أنه جرى إغلاقهما بسبب مطالبات الجمعيات الحقوقية الناشطة في مجال الهجرة”، وفقه.
المصدر: هسبريس