قوات دولية لحماية المدنيين.. هل تواتي رياح السودان سفن الحاجة؟
بينما تستمر المعاناة الإنسانية في السودان وتتصاعد الدعوات لنشر قوة دولية لحماية المدنيين، تظل الأمم المتحدة مترددة في اتخاذ هذا الإجراء.
هذا التردد الذي يتناقض مع المخاوف الإنسانية الملحة التي أشارت إليها منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش، والتي تؤكد أن انتظار الظروف المثالية يعني «استمرار تجاهل معاناة المدنيين».
ويشير الخبراء والمسؤولون إلى أن نجاح أي مهمة دولية يتطلب توافقًا دوليًا واسعًا، بالإضافة إلى الدعم الكامل من الأطراف السودانية، خاصة أن تحديد ولاية هذه القوة وصلاحياتها يمثل تحديًا كبيرًا.
على طاولة مجلس الأمن
وفي ظل اتساع رقعة المعارك وتفاقم الأوضاع الإنسانية، يناقش أعضاء مجلس الأمن الدولي، الإثنين، تقريرا رفعه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غرتيريش.
وثارت مطالبات من قوى مدنية ومنظمات دولية والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة للبدء في التخطيط لنشر بعثة لحماية المدنيين في البلاد.
وانتقدت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، إعلان غوتيريش، بأن الظروف لا تسمح بنشر قوة في السودان، وقالت إن «انتظار الوضع المثالي ليس خيارا حيث يحتاج المدنيون إلى حماية».
وقال مدير الأمم المتحدة في “هيومن رايتس ووتش”، لويس شاربونو، في بيان، مساء السبت؛ إنه “مع الأسف، يُعلن تقرير غوتيريش أن الظروف لا تسمح بنشر قوة أممية بنجاح”.
وأوضح أن انتظار نتائج مفاوضات وقف إطلاق النار أو الظروف المثالية لنشر البعثة ليس خيارا، حيث يحتاج المدنيون إلى الحماية الآن.
وأفاد شاربونو بأنه يتعين على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، أن تبدأ في التخطيط لنشر بعثة لحماية المدنيين في السودان.
وأشار إلى أن “التصعيد الأخير في القتال الدائر في العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة يعرض المدنيين لخطر الغارات المتعمدة والموت أو الإصابة جراء الأسلحة المتفجرة التي يستخدمها طرفي النزاع”.
وتابع: “لا يزال المدنيون يتعرضون للتعذيب والإعدام دون محاكمة، فيما تعاني النساء والفتيات من انتشار العنف الجنسي”.
ودعا غوتيريش، في التقرير، إلى «تخصيص دعم إضافي للجهات المستجيبة المحلية والتحقيقات الدولية وقطع طرق إمدادات الأسلحة عن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع».
مطالب دولية
وتُطالب “هيومن رايتس ووتش” ومنظمات حقوقية بنشر قوة لحماية المدنيين وتوسيع نطاق حظر الأسلحة المفروض على دارفور ليشمل كل السودان.
كما قررت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، في بيان صادر، الأحد، مخاطبة مجلس السلم والأمن الأفريقي ومجلس الأمن الدولي بشأن اتخاذ التدابير الضرورية لتوفير الحماية للمدنيين في كل أنحاء السودان.
وأشارت التنسيقية إلى جذب الانتباه العالمي إلى الكارثة الإنسانية التي تعصف بالسودان، والتي تعد من بين الأسوأ على مستوى العالم؛ ما يستدعي موقفا دوليا أكثر صرامة تجاه جميع أطراف النزاع الداخلية والخارجية التي تطيل أمد الأزمة وتعوق جهود تحقيق حل سلمي.
كما قررت إرسال رسالتين إلى قائدي القوات المسلحة والدعم السريع، تتناولان تصاعد النزاع والانتهاكات الفظيعة بحق الأبرياء، وتحذر من السير في طريق دفع البلاد نحو حرب أهلية موسعة، وتحثهما على اتخاذ التدابير اللازمة لحماية المدنيين وإنهاء معاناة الملايين من أبناء وبنات السودان.
وفي أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي اعتمد مجلس حقوق الإنسان بجنيف قرارا بإنشاء بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق حول الانتهاكات والجرائم التي رافقت القتال العنيف بين الجيش وقوات “الدعم السريع” في السودان.
مسؤولية أخلاقية وإنسانية
وفي هذا الإطار يقول شمس الدين ضو البيت، وهو مدير مشروع الفكر الديمقراطي (مؤسسة غير حكومية): “في رأيي المجتمع الدولي يمكن أن يكون له دور كبير، ويملك من الوسائل والقدرات لوقف الحرب بل وتقع عليه مسؤولية أخلاقية وإنسانية في حماية المدنيين بالسودان”.
وأضاف ضو البيت في حديثه لـ”العين الإخبارية”: “من ذلك حظر تدفق السلاح وحظر الطيران الحربي وفرض مسارات آمنة لوصول العون الإنساني للمتضررين، وبالضرورة يتطلب ذلك قوات أممية على الأرض لحماية المدنيين وضمان وصول الإغاثة بصورة فاعلة”.
وتابع: “مع ذلك؛ وبسبب الأوضاع الدولية الحالية والانتخابات الأمريكية فلا أتوقع أن يخرج اجتماع مجلس الأمن بجديد، بل سيكرر ما جاء في اجتماعاته السابقة حول حماية المدنيين والعون الإنساني في دارفور”.
وزاد: “التداول الجاد حول البعثة يمكن أن يأتي في بداية العام الجديد إذا فاز الديمقراطيون، وغير واضح إن كان السودان يدخل في اهتمامات دونالد ترامب إن عاد إلى البيت الأبيض.”
مطالبات سابقة لأوانها
من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي، أنور سليمان، إن “هذه المطالبات سابقة لأوانها؛ لأن أي تدخل يتطلب توافقات إقليمية ودولية ومحليا أيضا؛ ولا تستطيع أي قوة حفظ سلام أو حماية مدنيين أن تعمل في منطقة نزاع نشطة إنما تعمل تحت مظلة اتفاق وقف إطلاق نار.”
وأضاف سليمان في حديثه لـ”العين الإخبارية”، أن “هذه المطالبات في هذا التوقيت لا معنى لها إلا السعي لتدويل الحرب ودخول أطراف أخرى أجنبية دولية أو إقليمية لتشترك في القتال علنا بعد أن كان التدخل الأجنبي يتم سرا حتى الآن”.
وتابع: “الأجدى بدلا عن السعي للضغط من أجل تدخل عسكري (أممي) لن يحدث أبدا؛ أن يكون الضغط من أجل وقف إطلاق النار ووقف عدائيات من أجل أغراض إنسانية في هذه المرحلة؛ وتمهيدا لإطلاق عملية سياسية تُنهي الصراع وتمنع تجدده”.
وكانت البعثة الدولية، أصدرت تقريرها الأول المؤلف من 19 صفحة بعد تحقيقات ومقابلات أجراها الفريق في الفترة ما بين يناير/كانون الثاني وأغسطس/آب 2024، بعد زيارات لدول تشاد وكينيا وأوغندا وشمل ذلك شهادات مباشرة مع نحو 182 من الناجين وأفراد أسرهم وشهود عيان، مشاورات مستفيضة مع الخبراء وأعضاء المجتمع المدني.
توصيات
التقرير أوصى بفرض حظر توريد الأسلحة لطرفي الصراع بالسودان ونشر قوة حفظ سلام لحماية المدنيين.
وتقول الأمم المتحدة، إن السودان الذي كان، حتى قبل الحرب، من أفقر بلدان العالم، يشهد “واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم، وهو مرشح لأن يشهد قريبا أسوأ أزمة جوع في العالم”.
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب في السودان، بما يجنب البلاد كارثة إنسانية بدأت تدفع الملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني و”الدعم السريع” حربا خلّفت نحو 20 ألف قتيل وأكثر من 11 مليون نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.
العين الاخبارية
المصدر: صحيفة الراكوبة