وجوب نصرة المسلم وحرمة خذلانه
لقد جاء الأمر في كتاب الله تعالى وفي سنة نبيه صلّى الله عليه وسلم بنصرة المسلم لأخيه المسلم، وجاء النهي والوعيد لمن خالف ذلك وخذل إخوانه، فالمسلم أخو المسلم، يجب عليه أن ينصره في الوقت الذي يحتاج فيه إلى مناصرته، لما في حديث الصحيحين: “انصُر أخاك ظالما أو مظلوما”، قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: “تأخذ فوق يديه”. ويقول الله عز وجل: {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر}. وبيّن النبي صلّى الله عليه وسلم بأن دماء المسلمين متكافئة، حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ويُجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم”.
ومما ينبغي أن نعلم بأن السعي لقضاء حوائج المسلمين والوقوف معهم أفضل من كثير العبادات، ومنها الاعتكاف في مسجد النبي صلّى الله عليه وسلم، فقد قال صلّى الله عليه وسلم: “ولئن أمشي مع أخ في حاجة أحبّ إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد يعني مسجد المدينة شهرا، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبّت الله قدميه يوم تزل الأقدام”.
كما أن السعي في تفريج كربة المسلم من أحبّ الأعمال إلى الله عز وجل، حيث روي أن رجلا جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي الناس أحبّ إلى الله؟ فقال: “أحبّ الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحبّ الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا”، وقال صلّى الله عليه وسلم: “المسلم أخو المسلمِ، لا يظلمه، ولا يخذله”.
ومن ترك نصرة أخيه المسلم، فسيخذله الله في موطن يحب فيه نصرته، حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب نصرته”.
هذا وإن الإيمان الصحيح في قلب المسلم يدفعه للنهوض وبذل كل غال لنصرة أمته والذود عن حياضها؛ فقد ضاقت الدنيا على أهلنا في فلسطين بما رحبت، وتكالبت أمم الظلم على أهل غزة هاشم، ما يجعل “نصرة الحق” هو واجب الوقت العيني على كل مسلم ومسلمة، ولا يعذر أحد في التقصير عن ذلك.. وهؤلاء المسلمون المستضعفون المظلومون يستنجدون بإخوانهم المسلمين في العالم صباحا ومساء، ومع الأسى والأسف، لا تجد استغاثاتهم من المسلمين إلا الخذلان.
أيها المسلمون الموحدون الساجدون الحامدون، إننا نجتمع كل يوم جمعة بأمان وسلام في مساجد الله لنعبده آمنين مطمئنين، بينما هناك إخوة لنا صامدون، إنهم الآن في الشوارع لا مأوى لهم بعد أن قُصفت بيوتهم، فقدوا شتى مظاهر الحياة ظلما وقهرا وعدوانا، أصبحوا بلا منازل ولا أبناء ولا أمان ولا حقوق..
عجيب ما نراه في هذا الزمان من خذلان المسلم لأخيه، وتكالب ملة الكفر عموما على غزة وأهلها؛ حتى صدق فيهم وفينا وصف النبي صلّى الله عليه وسلم في الحديث الذي قال فيه: “يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها”، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: “بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن”. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: “حبّ الدنيا وكراهية الموت”. وهذا هو حالنا؛ تفرقنا وخذل بعضنا بعضا، وأخذت الدنيا مكانها في قلوبنا وتربعت، وعاش الكثير منا في دائرة ذاته ونسى أخاه وأمته؛ فاستفرد بنا عدونا واحدا تلو الآخر، دون أن نتعظ ونأخذ العبرة.
ومن المقرّر شرعا أن جهاد العدو الصهيوني في فلسطين واجب شرعا على أهل الإسلام؛ لأنه عدو حربي محتل ظالم، وهي قضية شرعية راسخة وقانونية معتبرة. إن المسلمين في شتى بقاع الأرض، بحكم الأخوة التي تجمعهم، ملزمون ومطالبون شرعا بأن ينصر ويؤازر بعضهم بعضا، لاسيما حين تدعو لهذا ضرورة من ظلم أو استضعاف، أو اعتداء خارجي، أو نحو هذا. فينبغي أن يتسابق أهل الإسلام كلهم، رجالا ونساء، لنجدة المجاهدين والمرابطين في فلسطين وغزة، ونصرتهم بكل ما أمكن من وسائل وأدوات النصرة المادية والمعنوية الفردية والجماعية. وواجب على الدول الإسلامية، حكومات وشعوب، دعم المقاومة المجاهدة في فلسطين بكل ما تحتاجه، لقيامهم بواجب الدفاع عن أنفسهم وإخراج المحتل من أرضهم، أرض الإسلام على أتم وجه، ونصرتهم بكل ما أمكن، وهم مسؤولون أمام الله تعالى عن ذلك.
إننا ندعو الله تعالى أن ينصر إخواننا في غزة، وأن يرفع عنهم البلاء، وأن يوحد الشعوب العربية والإسلامية على نصرتهم وشدّ الرحال لدعمهم ومؤازرتهم، وأن ينتفضوا جميعا ضد عدو الله وعدوهم وعدونا.