فشل التنبؤ بالهجوم الروسي على أوكرانيا .. كيف أخطأ المحللون في فهم بوتين؟
في 24 فبراير 2022، أطلقت روسيا هجومها الشامل على أوكرانيا، وهو حدث كان بمثابة صدمة للمحللين والمراقبين حول العالم، رغم التحذيرات التي سبقت الغزو بخصوص الحشود العسكرية الروسية. المحلل الأمريكي بيتر روتلاند، أستاذ القضايا العالمية والفكر الديمقراطي بجامعة ويسليان، أوضح في تقرير نُشر في مجلة “ناشونال إنترست” أن الغالبية العظمى من المراقبين، وحتى المحللين العسكريين، فشلوا في التنبؤ بقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشن هذه الحرب الشاملة.
ورغم أن وكالات الاستخبارات الأمريكية وثقت تحركات القوات الروسية في الأسابيع التي سبقت الهجوم، كان من الصعب على معظم المحللين تصور أن بوتين سيغامر بشن حرب برية مدمرة ضد جاره الغربي. لكن بوتين اتخذ القرار في النهاية، مما أثار العديد من التساؤلات حول لماذا فشلت النخبة المحللة في توقع هذا التطور المفاجئ؟
بحسب بيتر روتلاند، فإن مجتمع المحللين ارتكب خطأ فادحاً في تقييمه للقدرات العسكرية الروسية. يعتقد المحللون أن الجيش الروسي قد شهد تحسينات كبيرة على مستوى الاحترافية والتدريب والخبرة القتالية، بناءً على عمليات سابقة في الشيشان وجورجيا وسوريا. كما تم التركيز على أن الجيش الروسي أصبح بارعاً في الحرب الإلكترونية، وأتقن تكتيكات الحرب الهجينة، وهو ما جعل المحللين يفترضون أن روسيا ستكون قادرة على تنفيذ عملية غزو سريعة وناجحة.
لكن ما غفل عنه المحللون هو أن الجيش الروسي، رغم قدراته الظاهرة، كان يفتقر إلى عناصر أساسية مثل اللوجستيات الفعالة، والتدريب الكافي، والقيادة الجيدة. كان المحللون يميلون إلى التركيز على العتاد العسكري الملموس، مثل الطائرات والدبابات، بينما تجاهلوا العوامل المجردة التي تعد حاسمة في إدارة حرب طويلة الأمد. استند التحليل إلى قوة روسيا العسكرية بنسبة عشرة إلى واحد في الطائرات وأربعة إلى واحد في الدبابات مقارنةً بأوكرانيا، مما دفعهم للاعتقاد بأن أوكرانيا لا تملك أي فرصة للصمود.
أحد أسباب الفشل في التنبؤ بالغزو الروسي يعود إلى المقارنات التي قام بها المحللون بين السيناريو الأوكراني وحروب أخرى، مثل حرب العراق عام 2003. توقع العديد من الخبراء أن روسيا ستعتمد على تكتيكات “الصدمة والرعب”، كما فعلت الولايات المتحدة في العراق، مع غارات جوية واسعة النطاق تليها هجمات برية سريعة لسحق دفاعات أوكرانيا.
هذا السيناريو لم يتحقق، حيث أثبت الأوكرانيون أنهم قادرون على الصمود والقتال ببسالة غير متوقعة. ورغم توقعات بعض المحللين في يناير 2022 بأن الأسلحة الغربية المقدمة لأوكرانيا لن تحدث فرقاً كبيراً، فقد أثبتت الوقائع أن تلك الأسلحة كانت حاسمة في مقاومة الغزو الروسي.
إلى جانب الافتراضات الخاطئة، يشير روتلاند إلى أن التفكير الجماعي كان عاملاً آخر في فشل المحللين. فقد ساد توافق عام بين الخبراء على أن الغزو الروسي لن يحدث، وكان من الصعب على أي محلل الخروج عن هذا الإجماع. وسائل الإعلام بدورها كانت تعتمد على نفس المجموعة من الخبراء الذين عززوا تلك الافتراضات، دون محاولة للتفكير بشكل مختلف أو الاعتراف بإمكانية حدوث السيناريو المفاجئ.
هذا التفكير الجماعي أثر أيضاً على استجابة الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. ورغم التحذيرات، كانت هناك ترددات في تسليح أوكرانيا بشكل كامل قبل الغزو، خوفاً من وقوع تلك الأسلحة في أيدي القوات الروسية، الأمر الذي أثر على دعم أوكرانيا في البداية.
رغم أن روسيا لم تحقق هدفها الرئيسي بإسقاط الحكومة الأوكرانية في كييف، فإنها ما زالت تسيطر على أجزاء كبيرة من الأراضي الأوكرانية. في ذروة الغزو، احتلت روسيا 27% من أراضي أوكرانيا، وانخفضت هذه النسبة الآن إلى 18%، وهي مساحة تعادل ولاية فيرجينيا الأمريكية. يشير بيتر روتلاند إلى أنه إذا انتهت الحرب اليوم، قد يعتبر المؤرخون أن روسيا حققت نجاحاً جزئياً في تحقيق أهدافها الإقليمية، رغم فشلها في تحقيق الانتصار السريع الذي كان متوقعاً.
ورغم اعتراف بعض المحللين بخطأ تقديراتهم، إلا أن جزءاً كبيراً من مجتمع المحللين استمر في التنبؤ بمسار الحرب بنفس الثقة التي أبداها قبل الغزو. يشير روتلاند إلى أن أحد الدروس المهمة هو أن الحكومات والهيئات الأكاديمية تحتاج إلى تطوير أدوات تحليلية أكثر مرونة، قادرة على التعامل مع سيناريوهات غير متوقعة.
يختتم بيتر روتلاند تقريره بالتأكيد على أن أحد أكبر الأخطاء التي ارتكبها المحللون هو افتراضهم بأن بوتين سيتصرف بطريقة “منطقية” ورشيدة. لكن كما أوضحت الحروب السابقة، فإن القادة غالباً ما يخطئون في تقدير فرص نجاحهم. يشير ريتشارد نيد ليبو من كينغز كوليدج لندن إلى أن الدول التي تبدأ الحروب تخسر في 80% من الحالات منذ عام 1945. ومع ذلك، ظل الغرب ينظر إلى بوتين كخبير استراتيجي ماهر بعد ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، وهو ما عزز صورة غير دقيقة حول قدرته على التخطيط والتنفيذ.
المصدر: هسبريس